نجحت الولايات المتحدة الأميركية خلال عام 2021، باغتيال عدد من أعضاء تنظيم “القاعدة” بسوريا، والعاملين تحديداً ضمن تنظيم “حراس الدين”، في محافظة إدلب، في إطار عملياتها المستمرة منذ سنوات للقضاء على قيادات التنظيم، إذ تعتبرهم خطراً على المدنيين، والمواطنين الأميركيين.
وخلافاً للعام الماضي؛ لم تستهدف الطائرات بدون طيار الأميركية قيادات من الصف الأول في “حراس الدين” بشكل أساسي، إذ ركزت معظم الضربات على أفراد عاديين في التنظيم، باستثناء ضربة واحدة قضت على مسؤول العمليات خلف خطوط العدو في “حراس الدين”، ويدعى أبو عبد الله الرقاوي.
وبات الشمال السوري مسرحاً للطائرات الأميركية لتنفيذ أهدافها في القضاء على المطلوبين، علماً أن المنطقة بيئة مليئة بالمدنيين، ما يجعل فرصة إصابة السكان بالقصف ممكنة، رغم استخدام أسلحة ذكية وصواريخ دقيقة في هذه العمليات، وهو ما حصل فعلياً في آخر عملية للتحالف بإدلب، إذ أسفرت عن إصابة عائلة مؤلفة من 5 أشخاص بجروح متفاوتة الخطورة.
وتبدو الولايات المتحدة عازمة على اقتناص الأهداف ومواصلة استهداف العاملين ضمن “حراس الدين”، مع ملاحظة غياب العمليات ضد الجماعات الأخرى في إدلب، المصنفة على قوائم الإرهاب، فما رسائل واشنطن من ذلك، وما دلالات تركز عملياتها على تنظيم دون غيره؟
خمس عمليات للتحالف الدولي
أحصى موقع تلفزيون سوريا خمس عمليات للتحالف الدولي ضد أعضاء في تنظيم “حراس الدين”، أو “جهاديين مستقلين” في الشمال السوري، خلال النصف الثاني من عام 2021، بعضها تبنته الولايات المتحدة، وواحدة تبنتها بريطانيا.
ونُفذت العملية الأولى في 20 أيلول الماضي، إذ استهدفت طائرة مسيرة للتحالف الدولي، سيارة يقودها شخص بالقرب من مدينة بنش بريف إدلب الشرقي.
وقال الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية جون ريغسبي حينذاك إنّ الهدف كان خلال تلك العملية، هو “القيادي في تنظيم القاعدة سليم أبو أحمد، الذي كان مسؤولاً عن التخطيط والتمويل والموافقة على هجمات القاعدة العابرة للمنطقة”.
وأكدت مصادر لموقع تلفزيون سوريا أن سليم أبو أحمد واسمه الحقيقي (علاء صالح) هو نازح من مدينة قدسيا في ريف دمشق، وكان عضواً في تنظيم “حراس الدين”.
وفي 22 تشرين الأول الماضي، قصفت طائرة مسيرة أميركية القيادي في تنظيم “حراس الدين”، عبد الحميد المطر (أبو عبد الله الرقاوي)، بالقرب من بلدة سلوك الواقعة ضمن منطقة “نبع السلام” في ريف الرقة الشمالي.
ولم يكن “المطر” مجرد عنصر في “حراس الدين”، بل كان المسؤول العام عن العمليات “خلف خطوط العدو” في المنطقة الشرقية (محافظات دير الزور والرقة والحسكة).
وغادر “المطر” إدلب في الربع الأخير من العام 2020، بعد أن ضاق الخناق على قادة “حراس الدين” بسبب الحملة الأمنية التي شنتها “هيئة تحرير الشام” ضدهم.
وأكد المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، الرائد جون ريغسبي، أن ضربة نفذتها طائرة مسيّرة من طراز MQ-9، أسفرت عن تصفية القيادي البارز في تنظيم “القاعدة” عبد الحميد المطر.
والعملية الثالثة تبنتها بريطانيا، إذ نُفذت في 25 تشرين الأول الماضي، وطالت المدعو صباحي الإبراهيم المصلح، الملقب بـ “أبو حمزة الشحيل”، قرب قرية العدوانية في رأس العين شمالي الحسكة.
وكان “الشحيل” شرعياً سابقاً في تنظيم الدولة، في حين ذكرت وزارة الدفاع البريطانية، أن العملية تمت بواسطة الطائرة المسيرة ريبر الموجهة عن بعد والمسلحة بصواريخ “هيلفاير”.
والعملية الرابعة جرت في 7 تشرين الثاني، حيث قصفت طائرة مسيرة شخصاً (مجهول الهوية) في مدينة جرابلس شرقي حلب، من دون أن يصدر تعليق من التحالف الدولي.
وذكرت مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا، أن الضربة استهدفت أحد المسؤولين الأمنيين سابقاً في تنظيم الدولة، ويقطن في جرابلس.
وقصف التحالف الدولي في 3 من كانون الأول الماضي، شخصاً تقلّه دراجةٌ نارية، على طريق أريحا – المسطومة جنوبي إدلب، ما أدى إلى مقتله، وإصابة 5 مدنيين من عائلة واحدة كانوا ضمن سيارة قرب موقع القصف.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، إن الغارة استهدفت تنظيم “حراس الدين”، مضيفاً أن القيادي المقتول يدعى مصعب كنان.
وحصل تلفزيون سوريا على تسجيل مصور حصري من داخل سيارة العائلة التي أصيبت بصاروخ الجيش الأميركي الذي كان يستهدف كنان، ويظهر فيه لحظة الانفجار وإصابة عائلة أحمد قسوم بالصاروخ.
واعترف المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، بيل أوربان، أن “المراجعة الأوليّة لهذه الضربة تشير إلى احتمالية وقوع إصابات في صفوف المدنيين”.مشيراً إلى أنه “سيتم فتح تحقيق كامل بما حدث وستنشر نتائجه في وقت لاحق”.
“حملة سرية” وأسلحة فتاكة
في أواخر عام 2020 نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول أميركي، أنّ الولايات المتحدة تعتزم بدء حملة سريّة لـ”تصفية بعض القيادات المصنّفين على لوائح الإرهاب” في محافظة إدلب.
وأوضح المسؤول – لم تسمّه الصحيفة – الذي يعمل في “وحدة مكافحة الإرهاب” أنّ بلاده بدأت حملة سرية ضد تنظيم “حراس الدين” في إدلب وتدمير قياداته، من دون ذكر تفاصيل إضافيّة.
ويستخدم التحالف الدولي في عملياته ضد القياديين في تنظيم القاعدة، أسلحة فتاكة وصواريخ دقيقة، مثل صاروخ “هيلفاير” المعدل المعروف باسم “R9X”، وصاروخ “نينجا” الذي يعرف باسم AGM-114R9X.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت أن قوات العمليات الخاصة الأميركية استخدمت صاروخاً سرياً لقتل القيادي في “حراس الدين” خالد العاروري في إدلب منتصف عام 2020.
وألقى صاروخ “هيلفاير” المعدل قرابة 100 رطل من المعدن على الجزء العلوي من سيارة العاروري، و أخرج 6 شفرات طويلة مطوية للداخل من الصاروخ في ثوان معدودة، وتقطع هذه الشفرات كل ما يعترض طريقها من أجسام.
ويؤكد مسؤولون أميركيون أنه غالباً ما تُستخدم صواريخ هيلفاير التقليدية، التي تحمل رأساً حربياً متفجراً، ضد مجموعات من الأفراد، ولكن عندما تطارد قوات العمليات الخاصة قائداً وحيداً، فإن R9X يكون السلاح المفضل.
أما صاروخ “نينجا” فيتجه نحو الهدف بالاعتماد على شفرات دقيقة قابلة للطي وحادة كالسيف، بدلاً من الرأس الحربي الذي يسبب أضراراً جانبية بالحد الأدنى.
ولم يستخدم هذا النوع من الصواريخ إلا في حالات قليلة في سوريا، إذ وردت تقارير حول استخدامه لقتل أبي الخير المصري وهو نائب زعيم تنظيم القاعدة عام 2017، وأبو أحمد المهاجر القيادي في “هيئة تحرير الشام” عام 2019.
ويتمتع هذا الصاروخ بإيجابيات وسلبيات عدة، في حين تساعده دقته على تقليص عدد الإصابات بين صفوف المدنيين، لكنه يعتمد على الاستخبارات المفصلة التي تتطلب الكثير من الموارد البشرية.
رسائل أميركية باتجاهات مختلفة
تواصل الولايات المتحدة عملياتها ضد تنظيم “حراس الدين” بالرغم من انحساره وتقلّص قواته بفعل العمليات الأمنية التي شنتها هيئة تحرير الشام ضده، والتي أدت إلى السيطرة على غالبية مقدراته، واعتقال عددٍ من قادته وشرعييه.
ويفسّر الباحث في الشأن السوري، محمد السكري، استمرار عمليات التحالف ضد التنظيم، بأن الولايات المتحدة تصرّ على دعم سرديتها الخاصة بمحاربة التنظيمات الجهادية التي تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين، وبالتالي فإن للقصف المتقطع دلالة على تدعيم سياسة بايدن حيال الملف السوري، وتوجيه رسالة للداخل الأميركي بأن الأسباب التي تربط الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا ما زالت مستمرة.
ويرى “السكري” في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن واشنطن تريد أيضا توجيه رسائل للأطراف المحلية بأن جغرافية إدلب ما زالت تشكل خطرا لا بأس به على الولايات المتحدة، على الأقل من ناحية نشاط التنظيمات الراديكالية.
وقد تكون عمليات القصف خطوة أميركية استباقية بالتنسيق مع تركيا لمنع أي توغل روسي – إيراني في المنطقة بذرائع محاربة هذه التنظيمات، وربما تكون رسالة في الوقت نفسه للضغط على أنقرة للالتزام بتعهدات تحويل مناطق نفوذها لأماكن آمنة من وجود تنظيمات راديكالية، بحسب السكري.
واستبعد الباحث أن يكون الأشخاص المستهدفون يشكلون خطرا على واشنطن، معتبرا أن للاستهداف دلالات سياسية ورسائل لمختلف أطراف الصراع بغية المناورة.
“تحرير الشام” بعيدة عن الخطر الأميركي
خلال العامين الماضيين تراجعت وتيرة القصف الأميركي على قيادات في هيئة تحرير الشام، بالتزامن مع شروع الأخيرة في خطوات لتغيير سياستها وإبعاد المتشددين عنها، طمعاً بإزالة اسمها من على قوائم الإرهاب، واعتمادها تنظيما يمكن استخدامه في القضاء على بقية الجماعات المصنفة على تلك القوائم، مثل “حراس الدين”.
وبهذا الصدد يقول “السكري” إن هيئة تحرير الشام مع اتباعها سياسة براغماتية خلال الأعوام الماضية وتركيزها بشكل أساسي على تغير صورتها محلياً ودولياً، باتت طرفاً محلياً مقبولاً نوعاً ما ولا يشكل خطراً على مصالح واشنطن في سوريا ولا سيما مع بدء تركيا عملية درع الربيع بموافقة من الهيئة، وهذا يعني أن إدلب أصبحت منذ مطلع العام 2020 تحت الحصانة التركية، وهو ما يطمئن واشنطن.
ويعتقد الباحث أن أنقرة قدّمت وعودا لواشنطن بتفريغ المنطقة من التنظيمات الجهادية أو الحد منها، وكان التعاون الذي قدمته الهيئة جيدا، مما أتاح لها المساهمة في أخذ دور الضامن للمصالح التركية والأميركية.
وأضاف: “واشنطن كانت بحاجة لحليف محلي يقاتل التنظيمات الجهادية، وهذا تُرجم عبر تركيا وبتنفيذ من الهيئة، لذلك سعت الأخيرة للقضاء على التنظيمات الجهادية المختلفة، ولكن هذا لا يعني أن واشنطن راضية ومقتنعة بدور الهيئة، فما زال لديها تحفظات وعدم قناعة تامة بفك الارتباط عن القاعدة، وهذا يثير حفيظتها ويمنعها من الإقدام على خطوة رفع الهيئة من على القوائم السوداء”.
بالمقابل، تحاول الولايات المتحدة منح الهيئة فرصة لإثبات حسن نيّاتها على أمل أن يؤدي ذلك إلى رفعها عن القوائم السوداء، كما حصل مع الحزب التركستاني وهذا يعد سببا رئيسيا لتقرب الهيئة من التركستان”، وفقا للباحث.
آلية عمل “حراس الدين” خلال 2021
لم يُلحظ أي نشاط عسكري للتنظيم في محافظة إدلب وما حولها خلال عام 2021، إذ غابت العمليات الهجومية المباغتة (الإغارات) على نقاط نظام الأسد والقوات الروسية، والتي كان التنظيم يشنها عادة وخاصة في ريف حماة الغربي.
وأعلن التنظيم في شهر أيلول الماضي، عن التفرغ للعمل خلف خطوط العدو، مؤكدا أنه نفذ عدة عمليات من هذا النوع، ولم يعلن سوى عن عمليتين منها.
وفي اليوم الأول من العام، تبنّى تنظيم “حراس الدين”، هجوماً على القاعدة الروسية قرب تل السمن بريف الرقة الشمالي، كما تبنى التنظيم في شهر آب، تفجير حافلة مبيت عسكرية عند مدخل مساكن “الحرس الجمهوري” قرب مشروع دمر في مدينة دمشق.
وفي غضون ذلك، ما زالت هيئة تحرير الشام تحتجز عددا من قادة التنظيم، ومنهم أبو عبد الرحمن المكي، وخلاد الجوفي، وكانت الهيئة قد ذكرت أن هؤلاء من المتورطين بـ”قضايا أمنيّة خطيرة تُشكّل خطراً على عدة جهات”، من دون الإفصاح عن طبيعة تلك المخاطر أو الأسباب التي أدّت إلى اعتقالهم.
يذكر أن عمليات التحالف الدولي ضد بعض الشخصيات في إدلب، تأتي امتداداً لحملات وعمليات سابقة أودت بحياة عشرات الشخصيات البارزة، سواء في هيئة تحرير الشام أو فرع تنظيم القاعدة في سوريا، ومنهم خالد العاروري (قسام الأردني)، وبلال الصنعاني، ورضوان نموس (أبو فراس السوري)، وأسامة نمورة (أبو عمر سراقب)، وأحمد سلامة مبروك (أبو الفرج المصري)، وأبو الخير المصري، وأبو ذر المصري، وبلال خريسات (أبو خديجة الأردني)، وأبو محمد السوداني.