“اتصل بي مساء وأخبرني بأنه من مديرية التربية وأنه تم تعيينك بمدرسة عائشة غُل (AyşeGül) بمرتب يساوي الحد الأدنى للأجور وتأمين صحي واجتماعي، وسيبدأ دوامك في شباط المقبل فهل أنت موافق؟”.
بهذه الكلمات اختصر المعلم محمد (61) عاما لـ موقع تلفزيون سوريا طريقة إبلاغه بالتعيين الجديد في المدرسة. وفي الحديث عن التفاصيل ذكر محمد أنه بقي منتظرا لمعلومات التعيين إلى اليوم الثاني حيث تم إرسال رسالة من شركة (SERVİSSAN)باللغة التركية تتضمن: “سيتم تعيينك كموظف مهني من قبل وزارة التربية الوطنية. المستندات المطلوبة للدخول إلى الوظيفة:
تصريح إقامة (لمدة سنتين)- سجل قضائي (غير محكوم)- نسخة مصورة لجواز السفر (صالح لمدة عامين)- وثيقة التخرج- صورة شخصية”.
وذيلت الرسالة بملاحظة مفادها: “كل صفحة من نموذج العقد في الرابط المُرسَل إليك كرسالة نصية قصيرة بالإضافة إلى المستندات الأخرى يجب تسليمها موقَّعة على وجه السرعة في غضون يومين (بصيغة PDF) إلى عنوان البريد المرفق بالرسالة”.
أما الأوراق التي طُلبت من المعلمين الحاصلين على الجنسية التركية جاءت مختلفة بعض الشيء. فبالإضافة إلى الشهادة الجامعية طلب منهم أيضاً: سند إقامة ودفتر العائلة أو الهوية، وسجل قضائي، ولم يرسل أي عقد للتوقيع عليه حتى اللحظة.
يكمل المعلم محمد فيقول: “تم تبليغنا بانتهاء العقد القديم دون سابق إنذار أو كتاب من أي جهة حكومية عن طريق مجموعة واتساب يوجد بها منسق من المشروع المسمى اختصارا PIKTES الممول من الاتحاد الأوروبي لدمج الطلاب السوريين في العملية التعليمية ضمن المدارس التركية”.
ويضيف محمد وهو معيل لأسرة مكونة من سبعة أشخاص: “بعد أن تم فصلي وقد تجاوزت الستين من عمري ولا أجيد مهنة أخرى غير التعليم، واجهت صعوبة كبيرة فاضطررت لتشغيل أولادي لأتمكن من دفع أجرة البيت والفواتير”.
ما هي شركة SERVİSSAN وما بنود عقدها مع المعلمين السوريين؟
بحسب ما أظهرت محركات البحث على الإنترنت، تَبيّن بأن SERVİSSAN هي شركة تجارية “محدودة المسؤولية” لخدمات التنظيف والأغذية والاستشارات الطبية، ويظهر هذا التعريف أيضا في العقد المرسل للمعلمين غير المجنسين (الأجانب)، وقد حصل موقع تلفزيون سوريا على نسخة منه وترجمه إلى اللغة العربية بتصرف وهذا أهم ما جاء فيه:
جاء العقد المكون من ثلاث صفحات تحت عنوان: “عقد عمل محدود المدة”. وكتب تحت العنوان: “تم إبرام هذا القعد بين صاحب العمل والموظف (شخص أجنبي)، أسماؤهم وعناوينهم مكتوبة أدناه بدقّة، بناءً على طلبهم وبكل حرية”.
واشتمل القسم الثاني من العقد على شروط العمل، وأهمها:
1- المسمى الوظيفي للعامل: موظف دعم.
2- لا يسمح للشخص الأجنبي العمل خارج المكان الذي حددته الوزارة أثناء طلب تصريح العمل.
3- مدة العقد سنة واحدة وفق تصريح العمل قابلة للتجديد بطلب شخصي في حال وافقت وزارة الضمان الاجتماعي والعمل على ذلك.
4- الأجر الإجمالي الشهري للعامل هو (5،004.00) ليرات تركية تعطى شخصيا للموظف.
5- يلزم العامل وصاحب العمل بتطبيق قوانين العمل المنصوص عليها ويلزم صاحب العمل بدفع الضمان الصحي للزوج/ة والأولاد في حال وجودهم.
6- يلزم صاحب العمل بالتأمين الاجتماعي للموظف طوال العقد.
ما مصير بقية المعلمين المفصولين عن العمل؟
في مقابلة أجراها موقع تلفزيون سوريا مع المعلم عبد الفتاح العثمان (57) عاما، وهو من المعلمين المفصولين منذ تموز 2021 قال: “بعد أن تم فصلنا وتبليغنا بطريقة غير مهنية سارعنا إلى تشكيل كيان يمثل المعلمين السوريين أطلقنا عليه مسمى (الهيئة التربوية السورية) مكونة 38 عضوا يمثلون المعلمين السوريين في جميع الولايات التي تضم المعلمين السوريين المفصولين. وبعد تشكيل الهيئة اجتمعنا مع أكاديميين أتراك للتعرف إلى طريقة الخطاب المتبعة في المؤسسات الرسمية التركية”.
وأضاف: “زرنا وزارة التربية مرتين والتقينا مع ممثلي الهلال الأحمر التركي أيضا، بالإضافة إلى لقاءات أخرى مع ممثلي اليونيسيف واجتمعنا مع عدة منظمات أوروبية أوصلتنا للداعمين في مشروع PIKTES، فاجتمعنا معهم عبر منصة (زوم) وطرحنا المشكلات والحلول وتمت مشاركة تقرير الهيئة ومطالبها على غرفة التلغرام الخاصة بها”.
وأكد العثمان أن الوعود الشفهية والمماطلة وعدم الوضوح كانت سيدة الموقف بعد كل لقاء مع هذه الجهات. ومن اللافت أن المعلمين الأتراك ممن تم تعيينهم ضمن مشروع PIKTES نفسه، وعددهم 6300 معلم تركي، ما زالوا على رأس عملهم بعد أن تم فصل 12300 معلم سوري ليصل قرار آخر بتاريخ الـ9 من أيلول 2021 مفاده أنه سيعاد تعيين المعلمين ممن عملوا سابقا كمتطوعين في المدارس التركية بشرط أن تكون لديه شهادة إتقان للغة التركية بمستوىB1 فما فوق ويحمل شهادة جامعية (4 سنوات فما فوق)”.
ويلفت إلى أن الأمر “لم يكن مطلوبا منذ البداية وإنما خرج القرار فجأة، والمعلمون الذين يحققون الشروط لا يتجاوزون ربع العدد الكلي للمعلمين السوريين المفصولين”.
وفي سياق الحديث عن تبعات قرار الفصل أفصح العثمان أنه اضطر إلى إخراج ابنه من المدرسة وهو في الصف الثامن لمساعدته في إعالة الأسرة، مشيراً إلى أنه حال الكثير من المعلمين المفصولين الذين اضطروا للبحث عن عمل آخر وغالبا ما يتم رفضهم بسبب العمر وعدم الخبرة.
ومن خلال متابعته لأحوال المعلمين كعضو في الهيئة التربوية يفيد بأن “عمالة الأطفال وزواج القاصرات كانت من أبرز النتائج السلبية للفصل حيث تم رصد 18 حالة زواج قصر من عوائل المعلمين في ولاية هاتاي وحدها” بحسب قوله.
وفي شأن متصل، صرّح المعلم صالح الأحمد (40) عاما بالقول إن الهجرة إلى أوروبا أصبحت خياره الوحيد بعد أن تم الاستغناء عنه وفصله قبل سبعة شهور تقريبا، ويضيف: “تم إقصائي من مهنتي التي أحبها ولا أجيد غيرها، وتمنعني آلام ظهري عن أي عمل شاق. عدت إلى سوريا ولكن الوضع هناك يزداد صعوبة باستمرار فرجعت إلى تركيا وأتحضّر للهجرة إلى أوروبا في أقرب وقت ممكن”.
“كارثة نفسية” تهدد الطلاب السوريين
لأهمية الحديث عن التبعات النفسية التي أثرت على الطلاب السوريين في المدارس التركية أجرى موقع تلفزيون سوريا لقاء مع المعلم حسن خليل المشرف التعليمي في معهد وروضة (زيتونة السلام) وهو أحد الأساتذة المفصولين، بعد أن كان يعمل في التوجيه والإرشاد النفسي في مدرسة (غاسبرلي إسماعيل) الابتدائية Gasparli İsmail ilkokulu .
يقول خليل: “إذا بقي الوضع كما هو فنحن أمام كارثة نفسية تهدد الطلاب السوريين وخاصة الأطفال منهم فمن المعروف أن نجاح العملية التربوية يحتاج إلى تواصل دائم بين المدرسة والأسرة. وبسبب حاجز اللغة كنا نحن الرابط بين المدرسة والأسرة”.
ويردف: “أنا شخصياً كنت مسؤولا عن 220 طالبا سوريا في مدرستي ومازال الأهالي ومدير المدرسة إلى الآن على تواصل معي لحل المشكلات العالقة ففي أحد الأيام أصيبت معلمة صف بفيروس كورونا وأغلق الصف وتم فرض حجر صحي على الجميع ولكن في اليوم التالي غاب الجميع إلا بعض الطلاب السوريين بسبب عدم تبليغهم أو عدم فهم الأهالي لتبليغات المدرسة”.
من أهم المشكلات النفسية التي يعاني منها الطلاب السوريون هي التنمر والتي تفاقمت كثيرا بعد فصل المعلمين السوريين، بحسب خليل، فقد كان المعلم السوري سندا للطالب يفهمه ويتحدث بلغته ويحاول جاهدا حل مشكلاته أما الآن فقد غاب هذا السند عنه، بالإضافة إلى هذا ازدادت حالات العزوف عن التعليم وترك المدرسة.
ويختم قائلاً: “من أخطر المشكلات النفسية التي تفاقمت هذا العام هي مشكلة التوحد خاصة بالنسبة للأطفال في العام الأول لهم في المدرسة، فالطفل الذي لم تسنح له فرصة تعلم اللغة التركية انتقل من جو المنزل حيث كان يعيش في بيئة آمنة بالنسبة له إلى مكان مجهول وغريب عليه فلا يستطيع التعبير عن أبسط احتياجاته ومشكلاته مما يدفعه إلى الانطواء على ذاته والبكاء في أغلب الأحيان”.
تلفزيون سوريا