رضوان زيادة
في دولة المؤسسات الديمقراطية ثلاثة عوامل تؤخذ بعين الاعتبار دوما عند اتخاذ أية قرار يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية، العامل الأول هو بالطبع الدعم الشعبي لهذا القرار بحكم أن أية سلطة منتخبة تكون قد وصلت إلى السلطة لتحقيق مصالح الشعب أو على الأقل كي تعكس مصالح الناخبين الذين انتخبوها، العامل الثاني هو العقلانية في اتخاذ القرار فالمؤسسات الديمقراطية بكل تأكيد تبطئ اتخاذ أي قرار لأن عليه أن يمر بالكثير من المؤسسات التي عليها أن توافق عليه من مثل مجلس الوزراء مجتمعا أو الحكومة ومن مثل البرلمان وأحيانا القضاء ممثلا في المحكمة الدستورية العليا إذا وجدت المعارضة في هذا القرار خرقا دستوريا، أما العامل الثالث فهو تبرير أو تسويق هذا القرار للشعب برمته وهو ما يعني كسب الإعلام لصالحك إذا كنت تريد الفوز في الانتخابات المقبلة فحصولك على الدعم الشعبي مهم جدا في هذا الإطار.
الإمارات قررت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بشكل كامل دون أن تعرف الجدوى أو العوائد من هذه الخطوة
لكن في دول تغيب عنها كل هذه المؤسسات كالإمارات نجد غيابا كاملا لكل هذه العوامل بل إن السلطة حينها تعمل بعكس هذه العوامل كلية، ولذلك تجد العشوائية في اتخاذ القرارات، عدم احترام الرأي العام، وعدم احترام المصالح العليا للشعب ويصبح الهدف الوحيد هو مصالح النخبة الحاكمة والأسوأ من ذلك أن السياسة الخارجية تصبح عشوائية بشكل من الصعب تصور أن قيما ما تحكمها أو تحدد بوصلتها، إذ يمكن أن تصحو صباحا وتجد الإمارات قد قررت فرض حظر بري وبحري وجوي على جارتها قطر لأسباب واهية لا تعرف لها مبررا، وقد تصحو في اليوم التالي وترى أن الإمارات قررت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بشكل كامل دون أن تعرف الجدوى أو العوائد من هذه الخطوة وهل تبرر الخروج عن النسق العربي لتوقيع اتفاقيات لا تحدث أي تغيير في حياة الفلسطينيين وتنهي مسيرة احتلال عمره أكثر من 70 عاما دون أخذ بعين الاعتبار مشاعر ملايين العرب والمسلمين وأولهم الفلسطينيون بعين الاعتبار.
ثم في اليوم الثالث تصحو لتجد أن الوزير ذاته قرر أن يحط بطائرته في دمشق للقاء مجرم الحرب بشار الأسد رغم أنه يعرف أن الأسد هو حليف إيران الموثوق في المنطقة بل وأكثر من ذلك استدعى مئات الألوف من مرتزقتها من أجل قتل السوريين في وطنهم، وهو يقول لنا إن سياسته الخارجية تقوم على محاربة إيران في المنطقة، من الصعب أن نفهم إذا ما هي القيم التي تعكسها هذه السياسة الخارجية، تحالف مع إسرائيل التي تقصف الأسد يوميا وتحالف جديد مع الأسد الذي هو تحت العقوبات الأميركية والأوروبية بسبب جرائم الحرب وضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري.
لا يحتاج وزير الخارجية إلى تبرير سياسته الخارجية هذه فلا وجود لبرلمان ولا وجود لمؤسسات حكومية ولا وجود لانتخابات ديمقراطية يمكن أن تحاسب المسؤول على أفعاله وقراراته
هذه السطور السابقة تعكس تماما فوضى السياسة الخارجية الإماراتية وفوضى القرار العقلاني الذي يحكمها فأصبحت قائمة فقط على العشوائية والتخبط بهدف تحقيق اهتمامات شخصية أكثر منها وطنية أو عربية، إنها انشقاق كامل عن المحيط العربي وتحول باتجاه سياسة عشوائية تقوم على الفائدة الشخصية، إنها انهيار كامل لفكرة أن القيم هي ما يحكم أية سياسة داخلية أو خارجية وتحويل هذه القيم إلى مجرد ربح مادي يبحث عن العائد والفائدة بدل أن تكون السياسة كما هي في صلبها احترام المصالح القريبة والبعيدة للمواطنين.
بالطبع لا يحتاج وزير الخارجية إلى تبرير سياسته الخارجية هذه فلا وجود لبرلمان ولا وجود لمؤسسات حكومية ولا وجود لانتخابات ديمقراطية يمكن أن تحاسب المسؤول على أفعاله وقراراته، ولذلك يقال دوما إن الديمقراطية هي ترشيد للسياسة الداخلية والخارجية وتطعيمها بالعقلانية الضرورية التي يمكن أن تبرر قرارات السياسة الداخلية والخارجية.
لكن عندما تغيب هذه المؤسسات الديمقراطية تكون النتيجة سياسة عشوائية متخبطة يقررها فرد فننام على سياسة ونصحو على سياسة معاكسة تماما، وهو ما يجعل الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء يشكون في مدى موثوقية هذه السياسة وجدواها على المديين القريب والبعيد.
تلفزيون سوريا