لا يتوقّع سوريون كثر أن يكون العام الجديد مختلفاً عمّا سبقه في خلال أكثر من عقد من الزمن. ويعبّرون عن عدم تفاؤلهم، وإن كشفوا عن أمنيات توصف بصغرى وكبرى… هي أمنيات خاصة وكذلك عامة تشمل الوطن المأزوم.
بعد عام 2021، استقبل السوريون أمس عام 2022 مثقلين بهمومهم وكذلك أحلامهم، فيما قوى الأمر الواقع قسمت أرضهم وأقامت حواجز كثيرة في ما بينهم وسط الأزمة السياسية المستمرة في سورية منذ نحو 11 عاماً، من دون أن ننسى العنف الذي مزّق نسيجهم الاجتماعي، وشرّد نصفهم ما بين نازح ولاجئ، فيما النصف الأخر غارق في أعباء المعيشة اليومية. وتبقى أحلام أكثرهم متقاربة، إذ هم ينشدون الرحيل عن أرض الوطن والخلاص من القهر والحرمان، علماً أنّه بمعظمهم لا يتوقّعون سوى مزيد من الأسى في العام الذي انطلق اليوم.
يقول عضو “اتحاد شباب الحسكة” نوار رهاوي لـ”العربي الجديد” إنّ “أكثر ما نحلم به في العام الجديد هو أن نعيش فرحة الإفراج عن معتقلينا، وإسقاط النظام وتطبيق العدالة الاجتماعية، وعودة المهجرين وأهل الخيام إلى منازلهم”. يضيف الشاب الثلاثيني من الحسكة شمال شرقي سورية، أنّه “على الرغم من صعوبة تحقيق هذه الأمنيات، لا يمكننا إلا أن نحلم بها ونعمل من أجلها. لكنّ المؤشّرات والمستجدات الأخيرة، المتعلقة بعودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية وعدم توصّل المعارضة السورية والدول الضامنة والمعنية بالملف السوري إلى أيّ حلول مقنعة تضمن الحد الأدنى من حقوق السوريين عبر مسار أستانا، نتوقع لأنفسنا أن نعيش في الأشهر المقبلة أياماً صعبة أشدّ سوءاً ممّا سبقها نتيجة المواقف الدولية التي خذلت الشعب السوري، خصوصاً في ظل الظروف المأساوية التي يعاني منها في خلال فصل الشتاء، لا سيّما في المخيمات والمناطق الساخنة. فهي لم تقدّم خدمات ومساعدات تؤمّن لهم ولو جزءاً من احتياجاتهم، أقلّه صحياً وتعليمياً”.
من جهته، يقول الناشط أبو محمد الحوراني من درعا جنوب غربي سورية لـ”العربي الجديد”: “عندما أفكّر بأيّ أمنية، أشعر بأنّه لا بدّ من أن تبدأ برحيل السلطة”، مضيفاً أنّه “للأسف، بحسب الواقع، هي لن ترحل قريباً”. ويتوقّع أن “يتّجه الوضع في مناطق النظام من سيّئ إلى أسوأ، وأنا لست متفائلا إزاء عام 2022”.
أمّا مؤيد حمد وهو طالب عشريني في دمشق، فيقول: “أتمنّى أن أنهي دراستي الجامعية في عام 2022 وأن أتمكّن من السفر”. يضيف لـ”العربي الجديد”: “أظنّ أنّ الحلم الحقيقي لدي جميع السوريين هو السفر إلى أبعد دولة عن سورية. ففي هذه البلاد، لم يعد ثمّة أمل بالمستقبل”. ولم تكن توقّعات حمد أكثر تفاؤلاً من سواه، فيتحدّث عن “مزيد من القهر والعوز والفقر والأزمات المعيشية”.
في الإطار نفسه، يشير الثلاثيني حسان الأسود إلى “أمنيات صغيرة كثيرة” بحسب وصفه، “تخصّ الأسرة وقضايا شخصية”. فيقول لـ”العربي الجديد”: أتمنّى أن أتمكّن من تعميق معرفتي وتطوير مهاراتي في القراءة والكتابة، وأزيد مخزوني المعرفي”. يضيف: “أمّا أمنياتي الكبيرة، فأن أشهد بداية فعلية للنقاشات السورية العمومية، أي أن أرى وأن أساهم في الوقت نفسه في تطوير مسارات عملية بأدوات جديدة وفق رؤية واضحة لحلّ المعضلة السورية. أظنّ أنّه من الممكن وضع اللبنات الأولى لذلك في عام 2022”.
بالنسبة إلى الثلاثينية رقية السعدي من ريف حلب الشمالي في الشمال السوري، فإنّها لا تطلب أكثر من “العيش مع عائلتي بسلام من دون قتل وقصف واغتيالات، وأن تحظى عائلتي بالمياه والكهرباء والاحتياجات المعيشية”، مشددة لـ”العربي الجديد” على “عدم تفاؤلي بتوفير الحدّ الأدنى من الاحتياجات المعيشية أو تحقيق الأمان، طالما أنّ الوضع الأمني العسكري على حاله”.
في سياق متصل، تتمنّى الباحثة الاجتماعية رزان عبيد من الشمال السوري “الخلاص من فيروس كورونا الجديد الذي حصد أرواحاً كثيرة في العام الفائت، ولديّ أمل كبير بتحقّق ذلك”. وتبدو عبيد متفائلة ببداية عام 2022 في ما يتعلق بالسوريين عموماً، وتؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ أمنياتها في العام الجديد أن “يكون عام فرج وسلام للسوريين، وأن يكون عام خير وصحة للجميع”.
وتبدو أمنيات عماد غالي المحاصر في مخيم الركبان الواقع في عمق البادية السورية على الحدود مع الأردن، “بسيطة” مقارنة بأمنيات آخرين، لكنّها تعني الكثير بالنسبة إليه. وهو يتنهّد من أثقال سنوات من الحصار والعيش في ظروف مأساوية، يقول لـ”العربي الجديد”: “أمنياتي تتلخّص بالخروج من هذا المخيم والعثور على مدرسة جيّدة أعلّم فيها بناتي، والعيش كما أيّ إنسان في خارج سورية يستطيع مراجعة طبيب ويحظى بمياه شرب نظيفة وكهرباء”. أمّا أمنية غالي الكبيرة فهي أن “يتغيّر نظام الحكم ويتمتّع السوريون بحقوقهم”، لكنّه “غير متفائل بانتهاء معاناته ومعاناة آلاف الأشخاص الآخرين المحاصرين في مخيم الركبان وفي مختلف المناطق السورية”، متوقعاً أن يحمل العام الجديد للسوريين عموماً مزيداً من المآسي.
وثمّة أمنيتان يكتفي بهما سارية البيطار، مدير منظمة مدنية في إدلب شمال غربي سورية، ويوضح لـ”العربي الجديد” أنّ “أمنيتي الكبيرة لهذا العام ألا يبقى فقير في سورية، أمّا أمنيتي الصغيرة فألا أشهد غرق أيّ خيمة”. أمّا جمال سليمان، مسؤول في منظمة مدنية، فيقول لـ”العربي الجديد”: “أتمنى أن أحقق نجاحات على مستوى العمل وعلى المستوى الأدبي، وأن أؤدّي دوراً أكبر في مساعدة الناس وأحقق تغييراً جذرياً في حياتهم تاركاً لديهم أثراً طيّباً”. أمّا أمنيات سليمان الأكثر شمولاً، فأن “تحرر سورية من النظام ويعود المهجرون إلى بيوتهم ويُحرَّر جميع المعتقلين وتتحقق العدالة”. ويعبّر سليمان عن “ثقة تامة بأنّ ذلك سوف يتحقّق قريباً”.
عبد الكريم ضاهر أستاذ جامعي من إدلب يتمنّى “الصحة والعافية للعائلة والسوريين جميعاً”، ولنفسه “التوفيق في المجال العملي وإنجاز بعض المشاريع البحثية التي أخطط لها” في عام 2022. يضيف لـ”العربي الجديد”: “أتمنى كذلك الخلاص من النظام وانتصار الثورة السورية”. وإذ يشير إلى أنّ “الأمنيات الصغيرة قريبة التحقق”، يستبعد تحقق “الأمنية الكبيرة وسط الواقع الراهن، بسبب الظروف الدولية وتفاوت موازين القوى والإجرام والتخاذل الدولي”.
العربي الجديد