تتواصل هيمنة الدولار على معاملات السوريين في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، رغم حملات المنع التي تمارسها أجهزة الأمن على شركات الصرافة والأسواق للحد من التعامل بالعملة الأميركية.
ويقول سوريون يعيشون في المناطق الخاضعة للنظام، إن الدولار لا يزال حاضرا وبقوة في جميع المعاملات المالية، مشيرين على وجه الخصوص، إلى أن جميع معاملات البيع والشراء، يتم تقويمها بالدولار، وبناء على سعر صرفه في السوق السوداء.
أصحاب العقارات يقدرون ممتلكاتهم بالدولار
يقول أبو أحمد، وهو صاحب مكتب عقاري في ريف دمشق، إن سعر المنزل الذي كان معروضا للبيع في العام الماضي بقيمة 100 مليون ليرة سورية، أصبح ذاته بـ 200 مليون ليرة هذا العام، مبينا أن صاحب العقار، لا يقوم منزله بالليرة السورية وإنما بسعر صرف الدولار في السوق السوداء لحظة بلحظة، فهو على سبيل المثال يطلب ما يوازي 50 ألف دولار بالعملة المحلية وفقا لسعر صرفها الحالي في السوق السوداء.
وأضاف أبو أحمد، لـ “العربي الجديد”، أن ما ينطبق على العقارات يمكن سحبه على أسعار جميع المواد والمعاملات في السوق السورية، حيث يخضع تسعيرها وفقا لسعر صرف الليرة أمام الدولار، بينما متوسط الدخل الشهري، لا يدخل ضمن هذه الحسابات على الإطلاق، بحسب قوله.
بدوره، يقول محمد من ريف درعا، والذي يعمل بتحويل الأموال من الخارج، إنه تم التضييق على عملهم كثيرا، بعد إصدار المرسوم الذي يمنع التعامل بغير الليرة السورية في مطلع العام 2020، وقد تم إلقاء القبض على عدد كبير ممن يمارسون هذه المهنة، وإيداعهم في السجون وتغريمهم بأموال طائلة.
وتابع: ويأتي ذلك بالإضافة إلى مصادرة ما بحوزتهم من أمانات تخص الناس، لكنه يشير إلى أن ذلك لم يوقف عمله، بل لا يزال مستمرا بتحويل الأموال من دول أوروبا وتركيا، لأنها مهنة تدر عليه أرباحا جيدة، وتقدم من ناحية أخرى، خدمات كبيرة للسوريين في الخارج الذين يساعدون ذويهم في الداخل.
قيمة تحويلات المغتربين السوريين عبر القنوات الرسمية، تصل إلى أكثر من 4 ملايين دولار يوميا
ويضيف محمد، الذي طلب عدم الكشف عن كامل اسمه، في تصريح لـ “العربي الجديد”، أنه طالما هناك فارق كبير بين سعر الصرف الرسمي وسعر صرف السوق السوداء، فإن ذلك لن يقضي على ظاهرة تحويل الأموال بالسر والخفاء، مهما كانت المخاطر، مشيرا من جهة ثانية، إلى أن أغلب السوريين المتواجدين في الخارج هم من المعارضين للنظام، وهؤلاء لا يرغبون، حسب قوله، بدعم خزينة النظام المالية، من خلال تحويل أموالهم إلى داخل سورية، عبر الطرق النظامية.
وحسب البنك الدولي، يصل حجم تحويلات المغتربين السوريين عبر القنوات الرسمية، إلى أكثر من 4 ملايين دولار يوميا، بينما يصل حجمها وفقا لتقديرات مراقبين إلى أكثر من 6 ملايين دولار يوميا، بحساب التحويلات غير النظامية.
وفي أعقاب أكبر هبوط تعرضت له العملة السورية، من 1000 ليرة مقابل الدولار، إلى أكثر من 2000 ليرة في غضون أقل من شهر مطلع عام 2020، استدرك النظام السوري الأمر، وأصدر رئيسه مرسوما، لم يمنع فيه التعامل بغير الليرة السورية، فحسب، وإنما حيازة العملات الأجنبية بكافة أنواعها، مع فرض عقوبات تصل إلى 7 سنوات سجن مع الأشغال الشاقة.
النظام السوري يشن حملة ضد شركات الصرافة
وبعد إصدار هذا المرسوم، في 18 يناير/ كانون الثاني 2020، قام النظام السوري بحملة كبيرة على مكاتب الصرافة وشركات تحويل الأموال المرخصة، وأغلق أغلبها، مع تحويل أصحابها إلى القضاء، بحجة تعاملهم بغير الليرة السورية.
كما شملت الحملة شركات القطاع الخاص، وتجار تصريف العملات على الأرصفة، وأولئك المختبئين في بيوتهم، الذي كانوا يقومون بتحويل الأموال من خارج سورية، عبر وسطاء في عدد من دول العالم التي يتواجد فيها سوريون بكثرة، مستفيدين من الفارق الكبير بين سعر صرف الدولار بالمصرف المركزي وبين السوق السوداء، والذي وصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف في عام 2020.
ونجح النظام السوري، من خلال حملات القمع التي قام بها، وفقا للعديد من المراقبين، بإرهاب المجتمع، والحد بشكل كبير من التعامل بالدولار، إلا أن كل ذلك لم يمنع الليرة السورية من الهبوط، التي واصلت الانهيار إلى أدنى مستوى لها في تاريخها، عند 4 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، وكان ذلك في مطلع شهر مارس/ آذار الماضي، بالإضافة إلى أنه رغم كل هذه الإجراءات القمعية، فإن التعامل بالدولار ظل مستمرا، وإن على نطاق أضيق ومحفوف بالمخاطر.
من جهته، يقول الصحافي المختص بالشأن الاقتصادي من دمشق، أحمد، ع، إن النظام السوري استبق عملية “دولرة” الاقتصاد في فترة مبكرة من عام 2020، من خلال إصدار مرسوم تحريم وتجريم التعامل بغير الليرة السورية، وعندما اتضح أن الليرة سوف تتعرض لانهيار كبير أمام الدولار، وهو ما حدث بالفعل في ذلك العام، حيث تراجع سعر صرفها من نحو 1000 ليرة مقابل الدولار، إلى أكثر من 2900 ليرة في نهاية العام الماضي.
لكن أحمد يرى في حديث مع “العربي الجديد” أن ما قلل التعامل بالدولار في المعاملات المالية بين السوريين الفترة الأخيرة، ليس هذا المرسوم وإجراءاته القمعية فقط، وإنما استقرار سعر صرف الليرة السوري النسبي في السوق السوداء، طوال العام الجاري، والذي لا يزال يراوح بين 3200 ليرة إلى أقل من 3500 ليرة مقابل الدولار، باستثناء فترة هبوط كبيرة في الشهر الرابع من عام 2021، عندما وصل الدولار إلى نحو 5 آلاف ليرة سورية.
وأشار إلى أن الجانب الأهم الذي ساعد على استقرار سعر صرف الليرة وحد من التحول إلى الدولار، هو قرار المصرف المركزي برفع سعر صرف الدولار لديه، من 1250 ليرة إلى 2500 ليرة، بالإضافة إلى أن الحكومة اتخذت مجموعة من القرارات التي تسمح بتزويد التجار بالدولار بسعر تفضيلي من أجل تمويل المستوردات من الأسواق الخارجية.
العربي الجديد