قدم نجدة أنزور، المخرج والنائب السابق لرئيس مجلس الشعب التابع للنظام السوري، ثلاثة أفلام وثلاثة مسلسلات تجسد بحق، الرواية الرسمية لنظام بشار الأسد عن الثورة والحرب في سورية، بل وتزيد عليها بإسباغ كل معاني الوطنية والبطولة على الجيش والأمن والقيادة الحكيمة ونعت المعارضة والثوار، وحتى الرماديين بكل أوصاف الخيانة والخسة والانحطاط.
بدأ أنزور إبداعه الموازي لحرب نظام الأسد على شعبه بإخراج مسلسل “تحت سماء الوطن” (2013)، وقد صوره في بعض أحياء دمشق التي كانت تتعرض لقصف دبابات النظام، ثم أتبع ذلك بمسلسل “امرأة من رماد” (2015)، متناولاً تأثير “المؤامرة الكونية” بسيّدة سوريّة. أما في رمضان هذا العام، فقد قدم مسلسل “أقمار في ليل حالك”. لا تختلف أفلام أنزور السينمائية عن هذه المسلسلات، فقدمّ فيلم “رد القضاء” (2015) عن حصار سجن حلب، ثم أتحفنا عام 2016 بـ”فانية وتتبدد” الذي صوّره على ركام مدينة داريا، وأخيراً “دم النخل” (2019) عن مدينة تدمر وجريمة تنظيم “داعش” فيها.
هذا العام استنفرت حكومة الأسد وإعلامه من أجل مسلسل نجدة أنزور الجديد “أقمار في ليل حالك”، ولا يحتاج اللبيب، ولا غيره، ليعرف أن الأقمار عند أنزور هم جنود الجيش السوري، وأن الليل الحالك معركة النظام ضد الإرهاب. وتُوّج اهتمام نظام الأسد بالمسلسل عبر زيارة وزير إعلامه عماد سارة لمكان التصوير واصطحاب ممثلي الإعلام الموجود في سورية لتمجيد “الملحمة الدرامية” للعميد سهيل الحسن، الملقب بـ”النمر”، الذي اشتهر بخطب غير مفهومة، وفيها إشارات ورموز دينية تنتمي إلى الطائفة العلوية. سبق ذلك تزويد أنزور بجنود من الفرقة الـ 25 وطائرات من طراز سوخوي وميغ، ودبابات، وراجمات صواريخ، وسيارات الدفع الرباعي، والأسلحة النارية، والقذائف المختلفة.
استخدم أنزور الذخيرة الحية لتصوير القرى والبلدات المدمرة، وصُوّرت كأنها دمرت على يد معارضي النظام، ولم ينسَ إبراز لقطات لسهيل الحسن مع ضباط روس وهم يديرون معركة قاعدة كويرس الجوية شرقي حلب. ويحمل أنزور في كل عمل من أعماله روح النظام الطائفية واستهتاره بالناس واستسهال خراب المدن والبلدات لزراعتها بالبطاطا على حد تعبير الشبيحة. فقد صورت أفلامه ومسلسلاته على خلفية المدن والبلدات السورية المدمرة، وعززت الانقسام الاجتماعي فسخرت حتى من المعارضين والرماديين، وحتى الموالين الذين يبدون خوفاً من الحرب.
ففي فيلمه “دم النخل” عن مدينة تدمر يسخر في أحد المشاهد من جندي يتحدث لغة أهل السويداء الدروز، ظهر خائفاً من العدو، ما أثار غضب بعض أبناء الطائفة الدرزية وحفيظتهم، فأمره بشار الأسد، وهو بالمناسبة الراعي المباشر لهذه الدراما، بحذف المشهد. وأنزور، كما أعرفه، مولع بالسلطة، نظاماً ومالاً، وقصته مع معمر القذافي معروفة، حيث قبض منه ملايين الدولارات، ولم يصوّر سوى دقائق من فيلم كان يفترض به أن يخلد مقاومة الشعب الليبي ضد الاحتلال الإيطالي، لكن القذافي تصالح مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني وبقيت الدقائق المصورة على حاسوب أنزور.
“ملك الرمال” فيلم آخر يجسد علاقة أنزور بعلي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري. إذ يتحدث الفيلم بطريقة سلبية عن الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية.
لكن عندما عادت العلاقة جيدة بين النظام والسعودية، أمر مملوك أنزور بعدم إكمال الفيلم، ثم أمره ثانية باستئناف التصوير وعرضه عام 2013. أما علاقة أنزور بالشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، فتحتاج إلى مقال، ولا سيما أنها تدرجت من الصداقة إلى العداوة عبر مسلسل “ما ملكت إيمانكم”، وانتهت باعتذار الشيخ منه بإشراف مملوك وآصف شوكت. يضيف المخرج نجدة أنزور فانتازيا جديدة للفانتازيا التي اشتهر بها وقدمها في مسلسلاته السابقة “الجوارح” و”الكواسر”، وقد أحبها الناس آنذاك، ولكن هذه المرة تأتي على شكل مسخرة تشبه البطل الذي يحبه أنزور، سهيل الحسن… دراما نظام البراميل.
العربي الجديد