“داعش” ذريعة النظام الجاهزة للفتك ببلدات الجنوب السوري

تتخذ قوات النظام السوري وأجهزته الأمنية من تنظيم “داعش” ذريعة من أجل محاولة إخضاع كل مدن وبلدات محافظة درعا في الجنوب السوري، في الوقت الذي لا يزال فيه الطيران الروسي يستهدف فلول هذا التنظيم التي تستنزف قوات النظام والمليشيات الموالية لإيران في البادية السورية.

وفي أحدث محاولات النظام السوري لإخضاع بلدات الجنوب السوري، اجتمع ضباط في الشرطة العسكرية الروسية، الأحد، مع قياديين سابقين في فصائل المعارضة في مدينة جاسم، بينهم قياديان من اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المدعوم من وزارة الدفاع الروسية. وذكرت مصادر مطلعة أن الجانب الروسي حمل رسائل من النظام السوري تزعم وجود خلايا من “داعش” في جاسم، وبين أهلها، وتقوم باستهداف عناصر من قوات النظام وشخصيات مقرّبة من الشرطة الروسية.

تخوّف من تمهيد النظام للقيام بإحكام قبضته الأمنية على جاسم بذريعة وجود عناصر من داعش

من جهته، أوضح المتحدث باسم “تجمّع أحرار حوران”، أبو محمود الحوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن القادة السابقين في فصائل المعارضة أبلغوا الجانب الروسي أنه “لا توجد أي خلية تنتمي لتنظيم داعش في مدينة جاسم”، مشيراً إلى أنهم “أكدوا للوفد الروسي أنّ أبناء المنطقة هم من حاربوا التنظيم”. وبيّن الحوراني أن القادة اعتبروا رسائل نظام بشار الأسد “تمهيداً لقيام هذا النظام بإحكام القبضة الأمنية على المنطقة بذريعة وجود عناصر من داعش”.

وتقع جاسم في ريف درعا الشمالي الغربي، وتبعد عن الحدود السورية مع الأردن مسافة 50 كيلومتراً. وكانت بلدة جاسم من أولى البلدات والمدن السورية التي اقتحمتها قوات النظام في الأشهر الأولى من الثورة السورية في ربيع عام 2011، حتى استطاع الجيش السوري الحر انتزاع السيطرة عليها من النظام مطلع عام 2013. ومنذ منتصف عام 2018 حين اضطرت فصائل المعارضة إلى توقيع اتفاقات تهدئة بإشراف روسي مع قوات النظام، تختلق الأخيرة الذرائع من أجل إخضاع بلدات ومدن محافظة درعا، في تجاوز لتلك الاتفاقات التي نصّت على عدم دخول هذه القوات والأجهزة الأمنية إلى المناطق التي كانت تخضع لفصائل المعارضة السورية. وشهدت جاسم منذ منتصف عام 2018 عمليات اغتيال طاولت قياديين وعناصر سابقين في فصائل المعارضة وأعضاء من اللجنة المركزية ومتعاونين مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.

ولفت المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن جاسم “من أكبر البلدات التي تتحرك فيها بعض فصائل الثوار، وهي نقطة هامة جغرافياً بين المحافظات الثلاث: دمشق درعا القنيطرة”. وتابع بالقول: “هي ملاذ آمن لكثير من الثوار، وهي أول من رفض تهديدات النظام بعد إجراء المصالحات وأجبرته على الامتثال لطلباتها، لذا يعتبرها النظام مع بلدة طفس من البلدات المتمردة في عموم محافظة درعا”. وأشار الزعبي إلى أن “كل عمليات الاغتيال والقتل التي يقوم بها النظام وروسيا في عموم سورية، تجري تحت مزاعم وجود خلايا متطرفة تنتمي إلى داعش”. وأعرب عن اعتقاده بأن “الحرب التي ينفذها النظام وموسكو في البادية السورية ضد داعش لا حقيقة لها، وهي فقط لإرسال رسالة للمجتمع الدولي أنهما يحاربان الإرهاب”.

وأشار الزعبي، وهو المنحدر من محافظة درعا، إلى أن النظام “أعلن مرات عدة عن مزاعم ظهور خلايا لداعش في عدة مدن وبلدات في محافظة درعا، مدعياً أن هذه الخلايا نفذت عمليات ضد قواته في حوض اليرموك وفي أزرع والكرك وصيدا”، مضيفاً “أصدر النظام بيانات نسبها إلى داعش لزرع الخوف في المنطقة، ولتبرير عمليات الدمار والقتل والاعتقال، فضلاً عن كونها طريقه لامتصاص غضب الجوع الذي يعصف بالشارع الموالي”.

ومنذ بداية العام الحالي، حاول النظام اقتحام العديد من البلدات والمدن تحت حجة محاربة الإرهاب، إلا أنه فشل في ذلك. وكان النظام قد صعّد عسكرياً أواخر الشهر الماضي ضد بلدة المزيريب ومحيطها بهدف اقتحامها والسيطرة عليها، إلا أن مجموعات محلية مقاتلة تصدّت لهذه القوات، خصوصاً للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، والتي تكبّدت خسائر فادحة في عناصرها.
وكانت إدارة التجنيد في وزارة الدفاع التابعة للنظام قد أصدرت منذ أسبوع أمراً إدارياً يقضي بالسماح لأبناء محافظتي درعا والقنيطرة بتأجيل الخدمة العسكرية مدة عام واحد، وهو ما اعتُبر محاولة من النظام لتسهيل خروج الشبان من المحافظتين في الجنوب باتجاه مناطق المعارضة في شمال البلاد.

الطيران الروسي قصف مواقع ومناطق في البادية السورية، خصوصاً في محيط بلدة السخنة

وغير بعيد عن الجنوب السوري، تحوّلت البادية السورية إلى مسرح عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد تنظيم “داعش” الذي عاود نشاطه أخيراً، خصوصاً في ريفي حماة وحمص، ضد قوات النظام التي تتعرض لحرب استنزاف دفعت الطيران الروسي إلى شن عشرات الغارات يومياً. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إن الطيران الروسي قصف مواقع ومناطق في البادية الممتدة في محافظات حمص والرقة ودير الزور وحلب وحماة، مركزاً جلّ غاراته على محيط بلدة السخنة شمال شرقي حمص وعلى أجزاء من ريف حماة الشرقي، وبادية دير الزور الجنوبية.

وتأتي العمليات العسكرية البرية والجوية لامتصاص غضب شعبي متصاعد في ريفي حماة وحمص الشرقيين نتيجة تصاعد نشاط “داعش”، الذي هاجم منذ أيام ناحية السعن بالقرب من مدينة سلمية في ريف حماة الشمالي الشرقي، واختطف عناصر من شرطة النظام وقواته. ومنذ عام 2019، اتخذ التنظيم من البادية السورية مترامية الأطراف ملاذاً له، ودأب على شنّ عمليات ضد قوات النظام والمليشيات المساندة في البادية التي تتبع إدارياً لمحافظات: حمص وحماة والسويداء والرقة ودير الزور. ونتيجة الطبيعة الجغرافية للبادية السورية، يصعب على طيران النظام والمقاتلات الجوية الروسية الحد من عمليات التنظيم أو شلّ قدرته على شنّها، على الرغم من آلاف الغارات الجوية التي نُفذت على مدى عامين تقريباً. كما فشلت عدة حملات برية قامت بها قوات النظام ومليشيات موالية في القضاء على خلايا التنظيم التي تتحرك ليلاً في المنطقة، عبر مجموعات قليلة العدد تعتمد على دراجات نارية سريعة الحركة بالتنقل.

 

العربي الجديد