قال رئيس لجنة التحقيق المستقلة بشأن سورية، باولو سيرجيو بنهيرو، إنه “مع دخول النزاع في سورية عامه العاشر فإن النساء والأطفال والرجال هم من دفع ثمن العنف الذي استخدمته الحكومة (النظام) السورية لقمع الاحتجاجات”، مضيفاً أن “التمويل الأجنبي الانتهازي والأسلحة والدعم المقدم للأطراف المتحاربة أجج النزاع وأدى لاستمراره”.
وجاءت تصريحاته خلال حلقة نقاش عُقدت الثلاثاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة خُصصت لأوضاع حقوق الإنسان في سورية حضرها عدد من السوريين كممثلين عن منظمات المجتمع المدني. وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أنشأ لجنة التحقيق المستقلة عام 2011.
وتحدث بنهيرو عن “انتشار المجموعات الإرهابية التي فرضت أيديولوجيتها على الشعب والنساء والصبيان والأقليات الدينية والعرقية. كما دمرت القوات الموالية للحكومة القطاع الطبي”، وكذا “استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية وعرقلة المساعدات الإنسانية وتغيير وجهتها”، لافتاً إلى أن “نصف السوريين أصبحوا نازحين داخلياً ولاجئين”.
وبينما أشار إلى أن العقوبات التي فرضتها بعض الدول، زادت من تفاقم الوضع الاقتصادي، قال إن “هناك احتياجات إنسانية مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم يجب أن تكون متوفرة بغض النظر عمن يسيطر على منطقة ما.”
كما تطرق بنهيرو إلى محاولة الأطراف في سورية حل النزاع عسكرياً، وقال “ارتكبت أطراف النزاع تقريباً كل الجرائم المدرجة في نظام روما الأساسي وتقريباً كل جرائم الحرب المعروفة. حكومة (النظام) سورية اعتقلت وعذبت وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واغتصب معتقلون من النساء والرجال”.
وأردف “كما أن تنظيمات مسلحة، كهيئة تحرير الشام وداعش وغيرها، ارتكبت كذلك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سورية”.
وتحدث عن إنشاء الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وقال إن ذلك “يظهر أن العمل على تلك الملفات يمكن أن يستمر على الرغم من عجز مجلس الأمن الدولي عن تحمل مسؤوليته في هذا السياق”، مضيفاً أن “هناك محاولات لتحقيق العدالة من خلال نظم قضائية لدول ثالثة”.
وقال إن ذلك “يعكس عزم بعض الدول الأعضاء والنشطاء والضحايا وعائلاتهم على تقديم الملفات أمام العدالة، ولكن من المحرج والمؤسف أن العدالة الجنائية لا تتم إلا عن طريق دول ثالثة”.
من جهته، تحدث الرئيس الدوري للجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، عن الدمار الذي لحق بالشعب السوري. وقال إن “التفجيرات البرية والجوية حولت مدناً سورية إلى رماد. كما اضطر السوريون إلى الهرب من ديارهم. واستخدم التجويع كسلاح حرب. وأدى تفاقم الأوضاع الاقتصادية كما تفاقم أزمة كورونا إلى دفع ستين بالمئة من سكان سورية إلى غمار الفقر المدقع”.
وتابع “لم تسلم أي أسرة سورية من فظائع النزاع كما عانى الشعب السوري من الحصار وتداعيات الهجمات بالأسلحة الكيمائية. وآخر التقارير وثقت الاغتيالات والتعذيب. كما تمنع الأسر من الحصول على معلومات حول مصير ذويها من المختفين والمحتجزين”.
وأوضح بوزكير أن “تقرير لجنة التحقيق المستقلة خلص إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت ترقى لجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم إبادة”، وأشار إلى أن “المجتمع المدني السوري شارك في جهود مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية المستقلة والآلية الدولية المستقلة التي تحاول إنصاف الضحايا وإحقاق الحق”.
وشدد على ضرورة أن يسعى المجتمع الدولي إلى تنفيذ وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية لأكثر من13 مليون سوري، بمن فيهم أكثر من 12 مليوناً، يعانون من أسوأ أزمات التغذية منذ بداية النزاع.
بدورها، قالت الحقوقية السورية، صباح الحلاق، إن “ما شهدته سورية منذ عام 2011 ليومنا هذا من انتهاكات ضد النساء والفتيات السوريات لا يمكن اختصاره ببضع كلمات”، قبل أن تضيف “يعلم الجميع أن أجساد النساء تستخدم كأداة حرب بين الأطراف المتصارعة. كما أننا محرومات من الحماية القانونية ضد جميع أشكال العنف، بدءاً من العنف الأسري وصولاً إلى عنف النظام والجماعات المسلحة ولا أستثني منهم أحداً”.
وأشارت الحلاق إلى أن “الجرائم والانتهاكات تُرتكب ضد الرجال كذلك لكن وقعها على النساء يمتد إلى درجة قتل لنساء مغتصبات من قبل عائلاتهن بحجة حماية الشرف واعتبار الاغتصاب وصمة عار تدفع الضحايا ثمنها أكثر من مرة”.
وتحدثت عن ضرورة خلق آلية خاصة للتعامل معها وفقاً للسياق السوري في ظل بيئة سياسية وثقافية واجتماعية تساهم في تكريس العنف ضد النساء وتشرعنه القوانين.
وتطرقت الناشطة في حديثها لأوضاع اللاجئين السوريين في دول اللجوء عموماً ولبنان خاصة، وأشارت إلى قرار الحكومة اللبنانية حول “السياسة العامة لعودة النازحين إلى سورية”. وقالت إن “الورقة التي أقرتها الحكومة اللبنانية في يوليو/ تموز الماضي لا تتطرق لعتبات الحماية على الرغم من أنها تشير إلى إمكانية زيارة النازحين السوريين إلى لبنان بعد عودتهم. لكن في الواقع يُحرمون من الدخول إليه فور مغادرتهم”.
ولفتت إلى أن “الورقة تتحدث عن رغبة قرابة 89 بالمئة من السوريين بالعودة إلى بلادهم، إلا أنها تغفل أن أغلبيتهم يعتبرون أن شروط العودة ليست مستوفاة”. وتحدثت في هذا السياق عن “إعادة شبه قسرية، بين شهري مايو/ أيار وأغسطس/ آب للعام 2019، لقرابة ثلاثة آلاف لاجئ إلى سورية كما منع الآلاف من العودة لمناطق بعينها داخل سورية”.
ودعت الحلاق إلى ضرورة اتخاذ الدول الأعضاء لخطوات عملية للضغط على حكومات الدول الراعية للترحيل. ولفتت الانتباه إلى ملف المعتقلين والمختفين قسراً. وقالت “تتحمل جميع الأطراف، وبشكل خاص الحكومة السورية العضوة في الأمم المتحدة، المسؤولية من أجل التحرك السريع.”.
وتساءلت عما يريده المجتمع الدولي كي يتحرك بشكل فعال في هذا الملف؟ وقالت “نريد موقفاً إنسانياً حازماً بغض النظر عن موقفكم من أطراف النزاع… موقف يجب أن تنجم عنه قرارات عملية ويجب أن يكون ضاغطاً وداعماً لتحريك قرارات مجلس الأمن”.
وقالت الحلاق إن “ضمان عودة اللاجئين واللاجئات وتعويضهن جزء من مسؤولية المجتمع الدولي”. وفيما طالبت بالضغط على “الجهات المتفاوضة والدول الداعمة للعملية السياسية السورية لضمان تطبيق برامج عدالة انتقالية حساسة للجندر تسمح بتقديم مرتكبي العنف ضد النساء وخاصة الجنسي إلى المحاكم المختصة”، أكدّت أن الشعب السوري يحتاج إلى دعم فعلي وليس لفظياً من المجتمع الدولي.
يُذكر أن الحلاق خبيرة في شؤون حقوق الإنسان وساهمت في تأسيس الرابطة السورية للمواطنة كما أنها عضو في المجلس الاستشاري للمرأة واللجنة الدستورية التي يدعمها مكتب البعثة الأممية لسورية.
العربي الجديد