يعتبر ما تعرّض لها المدنيون المحاصرون داخل أحياء منطقة درعا البلد جنوبي سورية خلال 70 يوماً من أقسى ما مرّ على السوريين في العام الحالي، وهو ما جعل جميع وسائل الإعلام والنشطاء الإعلاميين ينظّمون حملات لتخفيف الضغط عن المحاصرين، وإيصال صوتهم إلى اللاعبين الدوليين في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث كانت تتصدّر نشرات الأخبار على حساب الحدث السوري.
ومن أبرز الشبكات الإعلامية التي تولت إيصال صوت المحاصرين في درعا، تلك التي تعنى في الأساس بنقل أخبار المنطقة كتجمّع “أحرار حوران”، وهو تجمع لصحافيين وناشطين ينقل أحداث الجنوب السوري وشبكة “نباً” و”مكتب توثيق الشهداء في درعا”، إضافة إلى الناشطين الذين كانوا يوثّقون انتهاكات النظام وروسيا والمليشيات الإيرانية هناك.
ويقول الناطق باسم تجمع “أحرار حوران” أبو محمود الحوراني لـ”العربي الجديد” إنّ “ما حدث في درعا كان استثنائياً، لذا استنفرنا جميع العاملين في الشبكة لبدء حملة تهدف إلى تسليط الضوء على معاناة عشرات آلاف المحاصرين، ونقل معاناتهم إلى الدول التي تعنى بالشأن السوري للتدخل الفوري، والحؤول دون وقوع مجازر بحق المدنيين على يد قوات النظام والمليشيات الإيرانية”.
ويرى الحوراني أنّ “ما حدث أخيراً كان فريداً من نوعه، ولم يحدث أن أجمع ناشطون وشبكات على حدث ما كما أجمعوا على ما حدث في درعا في السنة الحالية، إذ حاول الجميع إيصال صوت المحاصرين على كافة الوسائل وخاصة تطبيق كلوب هاوس الذي نظّمت عليه جلسات على مدى 24 ساعة إبان الحصار”.
وأكّد في حديثه مع “العربي الجديد” أنّ “الحملة الإعلامية أثّرت في القرارات الدولية، وأدت إلى وقوف روسيا على الحياد، إذ لو أنّ الطيران الروسي تدخّل هذه المرة إلى جانب النظام، لوقعت مجازر وحصل التهجير”.
أما الصحافي وعضو “مكتب توثيق الشهداء في درعا” عمر الحريري، فيقول، لـ”العربي الجديد”، إنّ “محاولات تنظيم حملة لمناصرة درعا لم تنجح في كل الأحيان، ولكن ما لوحظ أنّ الجهود المنفردة بالغالب كان لها تأثير أيضاً، لأن الحدث كبير ومهم وكان يتسارع دائماً وكل هذه الجهود كانت تؤدي إلى نتائج إيجابية بالرغم من تفرقها”.
ويضيف أنّ “الإعلام كان له تأثير على الرأي العام الغربي والبيانات الدبلوماسية الغربية فقط، لأنّ الروس والنظام، ومنذ زمن بعيد، تجاوزوا التعامل مع ضغط الإعلام، لكن الأطراف الدبلوماسية الغربية التي تأثرت بالحملة الإعلامية أثرت بدورها على الوضع”، وأشار إلى أنّ الروس كان لهم رغبة في نفس الوقت بتدويل قضية درعا، على حد قوله.
وبدوره، يقول مدير تحرير شبكة “شام” الإخبارية أحمد الرسلان، لـ”العربي الجديد”، إنّ “شبكة شام تفرّغ حيزاً لأي منطقة سورية تشهد أحداثاً ساخنة، لكن ما حدث في درعا كان استثنائياً، إذ كان العالم مشغولاً بالكثير من القضايا في أفغانستان وفيروس كورونا الجديد وهذا تطلّب تركيزاً إضافياً من موظفي الشبكة على الأحداث الإنسانية ومعاناة المحاصرين وجعلها أولوية، وكانت في نفس الوقت تتحرى الدقة وتتروى بشكل كبير في نقل أخبار المنطقة المحاصرة، نتيجة لكثرة الأخبار الواردة من مصادر شتى”.
ويضيف أنّ “بعض الحملات أضرت بالسكان هناك وأعطت أثراً سلبياً وخاصة تلك التي كانت تركّز على العمليات العسكرية، وتظهر المحاصرين كمسلحين يحاربون النظام، بينما كانوا مجرّد شبان مسلحين بسلاح فردي تولّوا مهمة الدفاع عن ممتلكاتهم وعائلاتهم مقابل دبابات ومدافع ثقيلة”، وأشار إلى أنّ أهالي درعا ولجان التفاوض في درعا طلبوا من بعض الوسائل والناشطين تحرّي الدقة آنذاك وتسليط الضوء على معاناة المدنيين.
ومنذ يوم الإثنين الفائت، أوقف النظام حملة القصف والحصار على أحياء درعا البلد التي دامت 70 يوماً بموجب اتفاق مع اللجنة المفاوضات الأهلية هناك، وبدأت قواته الأربعاء بالانتشار في نقاط في ظل وجود الشرطة العسكرية الروسية بناء على بنود اتفاق التسوية مع اللجنة الأمنية الممثلة لدرعا.
ونصّ الاتفاق على تسليم السلاح وتفتيش المنطقة وإنشاء نقاط أمنية، إضافة إلى إعادة تفعيل المؤسسات الحكومية التي يديرها النظام، وفور ذلك، أجرت لجنة التسوية التابعة للنظام تسوية لقرابة 300 شخص من المطلوبين للنظام، بعد أن كانوا مطلوبين على خلفية فرارهم من التجنيد الإجباري أو حملهم السلاح ضد النظام أو معارضتهم له سياسياً.
العربي الجديد