مطاعم المهجرين.. نشاط اقتصادي يخلق المنافسة في الشمال السوري

تردد قتيبة باريش، وهو مهجر من أهالي بلدة سراقب شرقي محافظة إدلب، في افتتاح محل جديد بعد نزوحه إلى مدينة إدلب، يشبه مطعم حلويات ومعجنات كان يملكه في سراقب، نتيجة وجود العديد من العقبات أمامه.

في نهاية المطاف، اتخذ قتيبة قراره بافتتاح مطعم في إدلب ودخول سوق المنافسة، الذي يضم مطاعم من محافظتي دمشق وحلب، أسماؤها في المهنة تصل إلى 100 عام، حسب حديثه إلى عنب بلدي.

وشهدت الحركة الاقتصادية في الشمال السوري تزايدًا في نشاطها بعد تراجع الحملات العسكرية، وتوجد مناطق تتمتع بنوع من الاستقرار الأمني، تزامنًا مع استمرار قصف النظام والروس الذي يستهدف غالبًا القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس، في جنوبي المحافظة.

العقبات التي وقفت بوجه التجار وأصحاب الحرف من المهجرين لم تمنعهم من استمرارهم في أعمالهم، وافتتاح أعمالهم الخاصة ودخولهم سوق المنافسة، مع احتواء مناطق سيطرة المعارضة على أهالٍ من مختلف المحافظات السورية، بعد عمليات تهجير جماعية من محافظة دمشق وريفها ودرعا وحمص وحلب وحماة.

المهجرون ينعشون قطاع المطاعم في الشمال

انتعش قطاع المطاعم في ريف حلب بعد إقبال النازحين على افتتاح مشاريعهم، ما خلق جوًا تنافسيًا إيجابيًا، حسب حديث محمد كناج، النازح من قلعة المضيق بريف حماة، وصاحب أحد المطاعم في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي.

وقال محمد إنه لم يواجه صعوبات أو عقبات تُذكر خلال افتتاح مطعمه الخاص، على الرغم من كونه ليس من أهالي المنطقة.

وزيادة عدد المطاعم في ريف حلب أسهمت في رفع الجودة والاهتمام بالخدمة المقدمة، حسب محمد، ما جعل أصحاب المطاعم يهتمون بتحسين مطاعمهم من مختلف النواحي وتطويرها واختيار كادر متخصص من أجل البقاء في مقدمة المطاعم المتميزة.

وقال محمود كريدي، وهو من أهالي اعزاز وصاحب مطاعم في المدينة، لعنب بلدي، إن قدوم النازحين من أصحاب رؤوس الأموال واستثمارهم في مجال المطاعم، كان له أثر إيجابي بشكل واضح، إذ كان السكان في المدينة محدودي الخيارات بالنسبة لدخولهم المطاعم، لوجود عدد محدود منها.

وأدخلت مطاعم المهجرين إلى مناطق سيطرة المعارضة “أكلات ومواد جديدة”، حسب قتيبة باريش، كما أضافت قيمة من ناحية الوجبات والمواد الغذائية والمنافسة.

يبلغ عدد المطاعم المرخصة في محافظة إدلب 12 مطعمًا، كما قدم العديد منها طلبات ترخيص، بحسب ما أفاد به مسؤول العلاقات العامة في إدلب، ملهم الأحمد، عنب بلدي، لكن لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المطاعم الفعلية في محافظة إدلب وريف حلب.

ويرى وزير الاقتصاد في الحكومة “السورية المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، أن افتتاح المهجرين المطاعم والحرف الصغيرة، يؤمّن للمهجر موردًا ماليًا يكفيه، كما يسهم في تشغيل اليد العاملة، ويحقق عوائد مالية لصاحب المنشأة عن طريق الإيجار الشهري.

وافتتاح المطاعم من قبل المهجرين يشجع بقية سكان المنطقة على افتتاح مطاعم جديدة والاستثمار، مشيرًا إلى مطاعم في عفرين والباب لديها أكثر من 20 عاملًا، ودخل في افتتاحها وتشغيلها عدة شركاء.

صعوبات تواجه العمل

أكد قتيبة باريش أن أبرز العقبات التي تواجه عمل المطاعم الإيجارات الشهرية للمحال، إذ بلغ إيجار أول محل افتتحه 400 دولار، وهو “مبلغ كبير بالنسبة للمدخول الشهري في إدلب”.

ولعب اختلاف البيئة بين سراقب وإدلب دورًا مهمًا، فمطعم قتيبة كانت له مكانته في سراقب وريف حماة الشمالي، لكن مع توزع المهجرين في ريف حلب وإدلب والمخيمات، عاد قتيبة إلى العمل على اسم مطعمه من الصفر، محاولًا تجاوز ذلك مع وجود منافسة مطاعم لها تاريخ طويل في المهنة.

وأدى استبدال العملة التركية بالليرة السورية في الشمال السوري إلى تذبذب في الأسعار، حسب قتيبة، وجاء ذلك بعد وصول سعر الصرف إلى حدود 3500 ليرة للدولار الواحد في حزيران 2020، وسط مطالبات من سوريين بأن يكون الاستبدال حلًا مؤقتًا لحين الوصول إلى حل سياسي.

لكن حتى سعر صرف الليرة التركية لم يبقَ ثابتًا، إذ انخفضت قيمة الليرة أمام العملات الأخرى، ما أحدث تذبذبًا في مختلف الأسعار.

وأشار محمد كناج، صاحب المطعم في اعزاز، إلى أن أهم التحديات التي تواجه المستثمرين في قطاع المطاعم، هي عدم توفر المواد الأولية في الداخل السوري، وأحيانًا يفقد المطعم إحدى المواد أو الأصناف لعدة أيام، خاصة الأسماك والبطاطا المجهزة للقلي الفوري، وبعض المواد الأساسية الأخرى.

كما يعد ارتفاع أسعار اللحوم والفروج والمواد الأخرى من الصعوبات التي تواجه أصعاب المطاعم، حسب محمد كناج، بسبب فرض الضرائب المرتفعة من قبل المعابر التابعة لـ”الجيش الوطني”، وهو ما يرفع الأسعار بشكل كبير، ويؤثر على حركة البيع بشكل عام.

وأكد وزير الاقتصاد، عبد الحكيم المصري، وجود العديد من العوائق أمام المستثمرين، أبرزها عدم وجود ثقة عند التاجر بأن “البيئة الاستثمارية أصبحت آمنة في المنطقة”.

لكن في هذه الحالة، يمكن أن يستثمر التجار بمشاريع صغيرة رأس مالها غير مرتفع، وتعتمد على المواد الأولية الموجودة في المنطقة، والوضع الأمني إلى الآن معقول، لكن الأمر يحتاج إلى تشجيع، حسب وزير الاقتصاد.

لكن المصري أشار إلى وجود تسهيلات بالسماح بدخول المواد الأولية برسوم جمركية منخفضة من تركيا، والسماح بالتصدير، كما صارت هناك مدن صناعية، تمكّن من أراد إنشاء مصنع كبير.

وهناك مدن صناعية في مدن الباب واعزاز والراعي وجرابلس بيعت جميع أقسامها، ودخل مستثمرون إليها من تركيا، وستؤمَّن للمدن الصناعية كامل البنية التحتية، بحسب الوزير.

وتترافق حملات النظام العسكرية التي يشنها مدعومًا بالروس والإيرانيين على مناطق سيطرة المعارضة مع قتل وتشريد عشرات آلاف المدنيين، ما أدى إلى حصر مناطق سيطرة المعارضة في أرياف حلب ومحافظة إدلب وأجزاء من أرياف اللاذقية وحماة والحسكة والرقة، شمالي سوريا.

وبلغ عدد المخيمات في الشمال الغربي السوري 1489 مخيمًا، يقيم فيها أكثر من مليون ونصف مليون نازح، بحسب بيانات فريق “منسقو استجابة سوريا”، معظمهم نزحوا خلال العمليات العسكرية التي بدأت في نيسان 2019 وتوقفت في 5 من آذار 2020.

عنب بلدي