تتأرجح أحياء منطقة درعا البلد بمدينة درعا، جنوب سورية، منذ أيام عدة، بين مصيرين؛ فإما اتفاق يرضي الأهالي والنظام الذي يتحيّن الفرص لاقتحام هذه الأحياء، أو فشل المفاوضات المستمرة برعاية روسية، ما يعني مواجهة مفتوحة من شأنها خلط أوراق الجنوب السوري برمته وإعادته إلى المربع الأول. وكانت كل المعطيات تشير إلى أن المواجهة باتت قاب قوسين، أول من أمس الإثنين، مع إعلان فشل جولة المفاوضات في ظلّ إصرار النظام على شروطه بفرض سيطرته على أحياء درعا البلد، إذ أعلن مقاتلون ومجموعات مقاومة محلية الاستنفار والاستعداد لحرب طويلة.
ولكن الناشط الإعلامي أحمد المسالمة أكد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ الجانب الروسي فرض، أمس الثلاثاء، تهدئة جديدة في درعا لمدة 24 ساعة، وعمل على إحياء مسار المفاوضات بين لجنة التفاوض عن المنطقة وضباط النظام وروسيا. وأشار المسالمة إلى أنّ اللجنة المفاوضة عن أهالي درعا “قدّمت مساء الإثنين، مقترحاً جديداً ينص على انتشار قوات عسكرية تابعة للنظام من فرع الأمن العسكري والفرقة 15، إلى جانب عناصر من اللواء الثامن في الفيلق الخامس التابع للروس، ضمن مواقع عدة في درعا البلد والأحياء الأخرى”. ووفق وكالة “نبأ” الإعلامية المحلية، فإنّ اللجنة قدمت مقترحات أخرى، منها “تنفيذ عملية تفتيش في بعض الأحياء السكنية برفقة أعضاء من اللجنة”، مشيرةً إلى أنه “يُتوقع أن يرد النظام وروسيا على مقترح لجنة التفاوض في الساعات المقبلة، مع إعطاء المجال لتهدئة مؤقتة”.
اللجنة المفاوضة عن أهالي درعا قدّمت مساء الإثنين مقترحاً جديداً ضمن المفاوضات
وكان مسلحون من أبناء درعا قد هاجموا، مساء أول من أمس الإثنين، مواقع لقوات النظام السوري في مدينتي داعل والحارة بريف المحافظة، وذلك رداً على انتهاكات النظام. وقال الناشط محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إنّ “مجموعات من ثوار مدينة داعل بريف درعا، هاجمت مواقع للنظام في المدينة، وقامت بنسف مبنى مفرزة المخابرات الجوية بعد انسحاب قوات النظام منه”، مضيفاً أنّ “ثواراً في مدينة الحارة أيضاً هاجموا بالأسلحة الرشاشة حاجزاً لفرع أمن الدولة ومفرزة الأمن العسكري جنوبي المدينة. وأشار الحوراني إلى أنه “لم يتضح حجم الخسائر التي منيت بها قوات النظام جراء تلك الهجمات التي تأتي بهدف تخفيف الضغط الذي يمارسه النظام على درعا البلد”.
في غضون ذلك، طالب الأهالي والقوى والفعاليات المجتمعية في درعا، في بيان أمس، بـ”تدخل الجانب الروسي لوقف عمليات الاجتياح والقصف التي تقوم بها الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية وباقي القوى العسكرية على درعا البلد وباقي مناطق محافظة درعا”. كما طالبوا بـ”إعلان وقف إطلاق نار شامل والاتفاق على آليات متوازنة ومحايدة لمراقبته وردع القوى التي لا تلتزم به، ونشر حواجز لقوات اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس”. كذلك، طالبت الفعاليات المجتمعية بـ”سحب القوات العسكرية من محيط درعا البلد والبلدات المحاصرة الأخرى، والسماحِ بدخول المساعدات الإنسانية والطبية لأهالينا المحاصرين منذ فترة طويلة، والسماح للمواطنين بالعودة للحياة الطبيعية، وإشراف الشرطة العسكرية الروسية على تنفيذ جميعِ الخطوات المذكورة سابقاً”، وفق البيان.
وكان النظام السوري قد نقض اتفاقاً تم التوصل إليه بينه وبين لجنة تمثل الأهالي في أحياء درعا البلد، الأسبوع الماضي، ينصّ على فكّ الحصار عن نحو 11 ألف عائلة مقابل تسليم السلاح المتوسط والخفيف وإجراء تسويات أمنية لمطلوبين، ونشر نقاط عسكرية داخل هذه الأحياء لحفظ الأمن. ولكن النظام أصرّ على تهجير عدد من المطلوبين لأجهزته الأمنية إلى الشمال السوري، في خطوة أراد منها الاستيلاء على الأحياء بالقوة والقيام بعمليات انتقامية واسعة النطاق. ويزعم النظام وجود مجموعات تابعة لتنظيم “داعش” في أحياء درعا البلد، مطالباً بخروجها، في حين تؤكد مصادر محلية أنّ النظام لم يجد أمامه إلا هذه المزاعم لفرض إرادته بالقوة على المنطقة الخارجة عن سيطرته بشكل كامل منذ أواخر عام 2011.
الفرقة الرابعة تريد الاستيلاء على جامع العمري الذي انطلقت منه شرارة الثورة
من جهتها، أكدت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد”، أنّ الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، “تريد الاستيلاء على جامع العمري الذي انطلقت منه شرارة الثورة السورية بالقوة، ورفع علم النظام فوقه في رسالة إعلامية واضحة بأنّ الثورة قد هُزمت”. وكان النظام السوري قد هدد أخيراً بهدم هذا الجامع الذي يعد من أعرق المساجد في سورية، في حال عدم الرضوخ لمطالبه.
وتعد الفرقة الرابعة في مقدمة فرق قوات النظام الموالية بشكل كامل للجانب الإيراني، بل إنّ مصادر في المعارضة السورية تؤكد أنّ عدداً كبيراً من أفرادها هم من المليشيات الإيرانية المتخفين في لباس عناصر هذه الفرقة. ودأبت الفرقة الرابعة على ارتكاب المجازر بحق المدنيين في كل المناطق التي دخلتها، إضافة للقيام بعمليات “تعفيش” للبيوت على نطاق واسع. ووفق مصادر في المعارضة السورية، تتخذ مليشيات إيرانية من مقرات فرق عسكرية تابعة للنظام أماكن تمركز لها في محافظة درعا، وخاصة في منطقتي إزرع والصنمين. أما الفرقة 15 والتي تنتشر ألويتها في عموم الجنوب السوري، فهي من الفرق الموالية للجانب الروسي، ما يفسّر مطالبة الأهالي بانتشارها في أحياء درعا البلد، وفق اتفاق لتفادي عمليات انتقام و”تعفيش” بحق الأهالي.
وتدلّ المعطيات على أنّ النظام مصر على السيطرة الكاملة على محافظة درعا بالقوة، إذ ذكرت صحيفة “الوطن” التابعة له، أمس الثلاثاء، أن قوات النظام عززت حواجزها العسكرية وكتيبة الرادار في بلدة النعيمة بريف درعا الشرقي، بعشرات العناصر والمضادات الأرضية. وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذه القوات أرسلت تعزيزات عسكرية إضافية تحتوي على دبابات وآليات ثقيلة إلى الحاجز الرباعي، جنوب بلدة الشيخ سعد في ريف درعا الغربي، وتعزيزات أخرى إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، تزامناً مع رفع سواتر ترابية في المنطقة الحرّة داخل الحرم الجمركي.
المسالمة: سندافع عن أنفسنا إذا أصرّ النظام على فرض شروطه
من جهته، أوضح عماد المسالمة، وهو أحد وجهاء “درعا البلد”، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “النظام هدد بعد زيارة وزير الدفاع في حكومته علي أيوب لدرعا، أول من أمس الإثنين، بحرق أحياء درعا البلد والريف الغربي”، مشيراً إلى أنّ “النظام يصنّف اللواء الثامن التابع للروس على أنه عدو”. وأضاف: “كانت الأمور تتجه إلى حل لولا زيارة أيوب إلى المحافظة”. وحول الخيارات المتاحة أمام أهالي أحياء درعا البلد، أشار المسالمة إلى أن “أكثر من 50 ألف مدني طالبوا بتأمين مكان آمن لهم للرحيل عن منازلهم”، مضيفاً أنه “في حال تعذر ذلك، سندافع عن أنفسنا إذا أصرّ النظام على فرض شروطه”.
من جانبه، قال القيادي السابق في فصائل المعارضة السورية، العميد إبراهيم جباوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ النظام “بدأ يتمرد على الجانب الروسي عقب زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى دمشق في 17 يوليو/ تموز الماضي”، معرباً عن اعتقاده بأنّ “موسكو تسعى إلى منع أي مواجهة أو تهجير لحفظ ماء وجهها أمام المجتمع الدولي باعتبارها الضامن لكل الاتفاقات في جنوب سورية”. ولفت جباوي إلى أن “إيران تريد الوصول إلى الحدود الأردنية عن طريق الفرقة الرابعة الموالية لها”، مؤكداً على ضرورة تحرّك الدول العربية لإيقاف الحملة العسكرية على درعا.
العربي الجديد