لم يُحسم بعد مصير أحياء منطقة درعا البلد في مدينة درعا بجنوب سورية، والمحاصرة منذ أكثر من شهر والنصف الشهر من قبل النظام السوري، ولا تزال تتعرض لقصف مدفعي وبالأسلحة الرشاشة من قبل قوات النظام، وفي مقدمتها الفرقة الرابعة التي تبدو مصرة على السيطرة على هذه الأحياء، ما يعني ترسيخ النفوذ الإيراني هناك، كون هذه الفرقة باتت إحدى أذرع الحرس الثوري الإيراني في سورية. وبحسب “تجمّع أحرار حوران” المعارض، فإنّ يوم أمس الأربعاء، “شهد قصفاً عنيفاً من قبل قوات النظام، على أحياء درعا البلد، بقذائف الدبابات، بالتزامن مع تحليق لطيران الاستطلاع في أجواء المنطقة”.
ولم ينقطع القصف بكل أنواع الأسلحة من قبل الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وهو شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، على هذه الأحياء، على مدى الأسبوعين الأخيرين، في ظلّ ركود في عملية التفاوض التي كان يرعاها الجانب الروسي. ومنذ يوم الجمعة الماضي، لم تعقد أي محادثات بين النظام واللجنة المركزية التي تفاوض نيابة عن أهالي أحياء درعا البلد. ومن الواضح أنّ هناك حالة استعصاء، مع تمسّك النظام بشروطه التي تعني في حال تطبيقها، تعرّض حياة آلاف المدنيين لخطر حقيقي، إذ تبرز مخاوف كبيرة من قيام المليشيات بعمليات انتقام واسعة النطاق. ويصرّ النظام على فرض السيطرة الكاملة على درعا البلد، وإقامة حواجز فيها، واعتقال من يعتبرهم مطلوبين، وترحيل آخرين، إضافة إلى جمع كل أشكال السلاح من الأهالي.
لم ينقطع القصف من قبل الفرقة الرابعة على أحياء درعا البلد على مدى الأسبوعين الأخيرين
ولا يزال آلاف المدنيين يرزحون تحت حصار كامل منذ نحو 50 يوماً في أحياء درعا البلد. وفي السياق، أكد عماد المسالمة، وهو أحد الوجهاء في درعا البلد، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنّ الأوضاع الإنسانية والمعيشية “كارثية”، مضيفاً: “لا كهرباء ولا مياه ولا طحين، ولا أدوية، ولا حليب أطفال، ولا خبز، مع قصف يومي وشديد من كل المحاور، ومحاولات دائمة للتسلل من قبل مليشيات بشار الأسد”.
في غضون ذلك، وفي ظلّ انعدام الآمال في التوصل إلى اتفاق جديد في المدى المنظور يحسم مصير أحياء درعا البلد، لا تزال الفرقة الرابعة تضغط عسكرياً على هذه الأحياء، ولكن من دون القيام بعمليات واسعة النطاق، بسبب رفض الجانب الروسي كما يبدو تمدد هذه الفرقة الموالية لإيران إلى الحدود السورية مع كل من الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتنتشر الفرقة الرابعة في عموم محافظة درعا تقريباً في جنوب سورية، وفق الناشط الإعلامي المتابع لنفوذ هذه الفرقة في جنوب البلاد، أحمد المسالمة، الذي أوضح في حديث مع “العربي الجديد”، أن قيادة الفرقة والمليشيات التابعة لها، وأبرزها مليشيا “الغيث”، تتمركز في ضاحية درعا غرب مدينة درعا مركز المحافظة. وأشار إلى أنّ للفرقة المذكورة مقرات قيادة وانتشاراً في السهول القريبة من مدينة درعا وفي بعض النقاط العسكرية، ككتيبة الهندسة وحقل الرمي، موضحاً أنّ الفرقة طردت سكاناً من منازلهم واتخذتها مكان إقامة لعناصرها. كما بيّن أن للفرقة الرابعة نشاطاً في ريف درعا الغربي بين بلدة اليادودة والمزيريب بقاعدة “النصر المبين” في مديرية الري، ومزرعة الأبقار شرق بلدة المزيريب. كما نشرت حواجز لها برفقة مجموعات محلية، في قرى وبلدات أخرى بريف درعا الغربي، إذ لها نقطة قيادية في بلدة خراب الشحم، بحسب المسالمة.
وأشار المتحدث نفسه إلى أنّ هذه الفرقة تتمركز مع “حزب الله” اللبناني كذلك في البانوراما في مدينة درعا، وفي مدينتي داعل والشيخ مسكين ومحيط مدينة جاسم. وبحسب المسالمة، فإنّ للفرقة الرابعة حضوراً في ريف درعا الشرقي في بلدات الكرك الشرقي والغارية الشرقية والمسيفرة.
الفرقة الرابعة طردت سكاناً من منازلهم واتخذتها مكان إقامة لعناصرها
ولفت المسالمة إلى أن الفرقة عززت أخيراً من وجودها في محيط مدينة درعا، وبات لها نحو 30 نقطة، من غرب بلدة عتمان، مروراً بالسهول إلى ضاحية درعا باتجاه درعا البلد وحي سجنة وحي المنشية وجمرك درعا القديم والمزارع جنوب وشرق مدينة درعا. كما تتمركز الفرقة في معبر النصيب الحدودي مع الأردن وبلدة نصيب القريبة منه، ولكن هذا التمركز يقتصر، وفق المسالمة، على “الأفراد والسلاح الفردي وسيارات الخدمة العسكرية الصغيرة من دون سلاح ثقيل”.
وكانت الفرقة الرابعة برزت إلى واجهة المشهد السوري مع بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، إذ اختارها النظام لمواجهة الاحتجاجات التي كانت تتصاعد، بسبب ثقته المطلقة فيها، لكون أغلب ضباطها وعناصرها مختارين بعناية من أصحاب الولاء المطلق من الطائفة العلوية لعائلة الأسد، الحاكمة للبلاد منذ خمسين عاماً. وكانت الفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري، تتمركز بشكل خاص في محيط دمشق، خصوصاً في شمالها وغربها لحماية النظام في العاصمة، ولكن مع بدء الثورة، بدأت ألوية منها تنتشر في عموم البلاد، وارتكبت مجازر بحق السوريين، خصوصاً في ريف دمشق، فضلاً عن انتهاك الأعراض و”التعفيش” واسع النطاق للبيوت والممتلكات الخاصة والعامة. وحسب مصادر في المعارضة السورية، فإنّ للفرقة الرابعة معتقلات خاصة لها غير خاضعة لأي قانون، مشيرة إلى أنّ أغلب من زُج بها بات مصيره مجهولاً.
وخلال سنوات الحرب الممتدة منذ 10 سنوات، وضع الحرس الثوري الإيراني يده على هذه الفرقة بسبب ولاء قائدها ماهر الأسد لطهران، ما حوّلها إلى مليشيا وذراع ضاربة تنفذ الأجندة الإيرانية في سورية. ويرفض أهالي أحياء درعا البلد أي وجود لهذه الفرقة بسبب تاريخها الأسود في التعامل مع السوريين، إذ تعد الأكثر قسوة والأجرأ على ارتكاب الانتهاكات التي لا تستثني أحداً.
المسالمة: نرفض وجود هذه الفرقة وكل المليشيات الطائفية التابعة لإيران وحزب الله
وفي هذا الصدد، أشار عماد المسالمة، إلى أنّ “الفرقة الرابعة لم تعد تابعة لقوات النظام، بل باتت ذراعاً إيرانية”، مضيفاً: “هدف إيران السيطرة على الجنوب السوري كله”. وتابع: “على الرغم من الحصار الخانق، نرفض وجود هذه الفرقة وكل المليشيات الطائفية التابعة لإيران وحزب الله، ولن نقبل بأي حال من الأحوال أي عبث إيراني في محافظة درعا”.
وتشير المعطيات إلى أن الجانب الإيراني يسعى إلى تحقيق العديد من المكاسب من خلال تغلغل المليشيات التابعة له وأبرزها الفرقة الرابعة، في جنوب سورية، فهو يريد أن يكون اللاعب البارز على الحدود مع الأردن وفلسطين المحتلة، في سياق سياسة إيرانية باتت واضحة لترسيخ نفوذ طهران في الإقليم، وخلق وقائع على الأرض لا يمكن تجاوزها في أي تسويات سياسية مقبلة تخص الملف السوري.
العربي الجديد