الموت يغيب أحمد جبريل.. رجل النظام السوري في الساحة الفلسطينية

نعت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” في دمشق، اليوم الأربعاء، زعيمها التاريخي أحمد جبريل، الذي لم تعرف قائدا سواه منذ تأسيسها عام 1969.
ولد جبريل (أبو جهاد) عام 1938 في قرية يازور بضواحي مدينة يافا، لأب فلسطيني وأم سورية، ثم هاجر مع عائلته إلى سورية عام 1948، حيث استقر في مدينة القنيطرة عند أخواله. وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة في دمشق عام 1956، انتقل إلى القاهرة والتحق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1959، وهو من القيادات الفلسطينية القليلة التي تلقت تكوينا عسكريا أكاديميا.
وبعد تخرجه من الكلية الحربية في مصر، التحق بالعمل ضابطا في سلاح الهندسة بالجيش السوري، لكونه حاصلا مع أسرته على الجنسية السورية، كغيره من الفلسطينيين أيام الرئيس السوري شكري القوتلي عام 1956، لكنه سرعان ما سرح منه عام 1963.
وخلال دراسته في مصر، بدأت تتبلور فكرة الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، ليؤسس عام 1965 “جبهة التحرير الفلسطينية” محاكاة لـ”جبهة التحرير الجزائرية”. وفي العام 1968، اندمجت “جبهة التحرير” بقيادة جبريل مع عدة تيارات قومية ويسارية، مثل “حركة القوميين العرب” وزعيمها جورج حبش و”أبطال العودة” بقيادة وديع حداد، تحت اسم موحد هو “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. وبعد عام انفصل عنهم جبريل، وشكله فصيله الذي حمل اسم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”، والذي بقي على رأسه طوال نصف القرن المنصرم، ليكون أحد اللاعبين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية خلال العقود الماضية.
ارتبط اسم أحمد جبريل بالولاء للنظام السوري، خلافا لعلاقته مع حركة “فتح” ورئيسها الراحل ياسر عرفات، والتي اتسمت دائما بالعداوة والتوتر انسجاما مع مواقف النظام السوري. وشارك فصيل جبريل في مجمل المواجهات التي انخرط فيها النظام السوري في الساحة الفلسطينية، مثل الانشقاق داخل حركة “فتح” عام 1983، وحرب المخيمات الفلسطينية في لبنان، إضافة إلى المشاركة إلى جانب قوات النظام السوري في قمع المعارضة المسلحة اعتبارا من العام 2011، خاصة في مخيم اليرموك جنوبي دمشق. وانفصلت “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” عام 1984 عن منظمة التحرير الفلسطينية واتخذت من دمشق مقرا لها.
وعلى الصعيد الوطني الفلسطيني، كانت “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” تحسب دوما على جبهة “الصقور” في الساحة الفلسطينية، لجهة رفض التسويات ومفاوضات السلام، واعتبار الكفاح المسلح وسيلة وحيدة أو أساسية لاسترجاع الأراضي المحتلة. واقترن اسم الجبهة بالعديد من العمليات الفدائية ضد إسرائيل، مثل عملية الخالصة عام 1974، وعملية الطائرات الشراعية عام 1987.
كما أشرفت الجبهة على إعداد وتنفيذ صفقتين لتبادل الأسرى مع إسرائيل عام 1979، أطلق بموجبها سراح 76 أسيرا فلسطينيا مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي، وعملية الجليل عام 1985، التي أطلق بموجبها 1150 فلسطينيا وعربيا وأجنبيا، من بينهم الشيخ أحمد ياسين، والمقاتل الياباني كوزو أوكاموتو، مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين.
وقتل نجل جبريل، جهاد أحمد جبريل، الذي كان يترأس الجناح العسكري للجبهة وكان يجرى تأهيله ليحل محل والده زعيماً للفصيل، في انفجار سيارة مفخخة في بيروت في 20 مايو/ أيار 2002.

ومع وفاة أحمد جبريل، تطوي الساحة الفلسطينية صفحة أحد الأشخاص القلائل المتبقين من الرعيل الأول لمرحلة الكفاح الفلسطيني المسلح بمحطاته العديدة من الأردن الى لبنان، والذي تقلص حجمه مع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 ودخول معظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية إلى الضفة الغربية، بينما ظل الجسم الأساسي لـ”الجبهة الشعبية – القيادة العامة” في الخارج، خاصة في دمشق ومحيطها. ويحتفظ الفصيل اليوم ببعض القوات على الحدود اللبنانية السورية، فضلا عن معسكرات في محيط دمشق، وكان المقر الرئيسي له في مخيم اليرموك، قبل سقوط المخيم بيد فصائل المعارضة السورية، ومن ثم تنظيم “داعش” الإرهابي، قبل أن يستعيده النظام مدمرا بشكل شبه كامل عام 2018.

 

العربي الجديد