تنشط وزارة الخارجية الأميركية لدفع أحزاب “الإدارة الذاتية” الكردية في الشمال الشرقي من سورية وأحزاب “المجلس الوطني الكردي” للعودة مجدداً إلى طاولة الحوار، الذي يرقى إلى مستوى المفاوضات، من أجل حسم العديد من القضايا العالقة بينهما، وتشكيل مرجعية سياسية للأكراد السوريين، تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية.
وذكرت مصادر مطلعة من “حزب الاتحاد الديمقراطي” أن المشرفين على الملف الكردي السوري في الإدارة الأميركية “يبذلون جهوداً مع قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، لتهيئة الأرضية السياسية لعودة أحزاب الإدارة الذاتية، أو ما يُسمّى بأحزاب الوحدة الوطنية الكردية، بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني، إلى الحوار في أقرب فرصة”.
فيصل يوسف: يعتقد المجلس الوطني الكردي بإمكانية عقد جلسات التفاوض بضمانة ورعاية أميركيتين
وكان الحوار توقف أواخر العام الماضي بعد جولات عدة، بسبب رفض “الاتحاد الديمقراطي”، المهيمن على “قسد”، عن طريق “الوحدات” الكردية، فك الارتباط مع “حزب العمال الكردستاني”، فيما يدعو “المجلس الوطني” إلى “تعديل العقد الاجتماعي”، وإلغاء التجنيد الإجباري، والسماح بدخول “البيشمركة السورية” إلى الشمال الشرقي من سورية، إضافة إلى بحث “الوضع التعليمي وإيجاد حلّ عملي يضمن مستقبل الطلبة بشهادات معترف بها، وإدخال التعليم باللغة الكردية بشكل يناسب ذلك”، وحسم مصير المعتقلين والمختطفين. ويحاول من يُعتقد أنهم أنصار “العمال الكردستاني” في شمال شرقي سورية إفشال التقارب الكردي الكردي، من خلال مواصلة الاعتداء على مكاتب تابعة إلى “المجلس الوطني الكردي” في عموم منطقة شرقي نهر الفرات التي تسيطر “قسد” عليها، وهو ما يعتبره “المجلس الوطني” عقبة أمام مواصلة الحوار للتوصل إلى نتائج ترضي الجانبين.
ويرفض “الاتحاد الديمقراطي” دخول قوات “البيشمركة السورية”، التي تضم مقاتلين سوريين أكراداً، إلى الشمال الشرقي من البلاد، حتى لا تشاركه في القرار الأمني والعسكري في مناطق نفوذه. وتتمركز هذه القوات في معسكرات في إقليم كردستان العراق، الذي يعتبر الداعم الرئيسي لـ”المجلس الوطني الكردي”، والذي يطالب بـ”شراكة كاملة” مع “الاتحاد الديمقراطي” في إدارة منطقة شرق نهر الفرات، التي تعادل ثلث مساحة سورية، وتضم ثروات مائية وزراعية ونفطية هي الأهم على مستوى البلاد.
وكان الكيانان الكرديان الأكبر في سورية اتفقا على أن اتفاقية دهوك، التي أبرمت بينهما برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، ستشكل أرضية لهذه المفاوضات. ونصت الاتفاقية على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل “حركة المجتمع الديمقراطي” (لاحقاً “الوحدة الوطنية الكردية” وتضم 25 حزباً) فيها 40 في المائة، و”المجلس الوطني الكردي” 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.
وأكد المنسق العام لـ”حركة الإصلاح الكردي”، عضو “الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي” فيصل يوسف، لـ”العربي الجديد” أن “هناك مساعي أميركية جدية لتجاوز العقبات التي حدثت خلال المفاوضات في الأشهر الماضية، والتأكيد على منع أية انتهاكات بحق المجلس”. وأوضح أن “المجلس لم يضع أية عقبة، بل أصر دوماً على مفاوضات بمرتكزات قوية، مبنية على الرؤية السياسية المشتركة واتفاقية دهوك”. وأضاف: يعتقد “المجلس” بإمكانية عقد جلسات التفاوض بضمانة ورعاية أميركية وتعهد مظلوم عبدي بتنفيذ ما نتفق عليه مع الجانب الآخر، ولكن لم يتحدد حتى الآن أي موعد للمرحلة الجديدة من المفاوضات. وحول شروط “المجلس الوطني الكردي”، المنضوي في الائتلاف الوطني السوري، للعودة إلى طاولة المفاوضات مع أحزاب “الإدارة الذاتية”، وفي مقدمتها “الاتحاد الديمقراطي”، قال يوسف إن الشروط تتضمن مزاولة “المجلس” لنشاطه السياسي والإعلامي والاجتماعي دون التعرض له، وحصول مكاتبه على حصانة، وعدم اعتقال أعضائه بناء على خلفيات سياسية، وذلك بضمان من الراعي الأميركي وقائد “قسد”.
عبد الصمد برو: المرحلة المقبلة تتطلب وجود أحزاب كردية قوية
ومن المرجح أن تدفع التطورات في المشهد السوري الأكراد إلى التفاوض مجدداً من أجل تشكيل مرجعية سياسية واحدة تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية. ويتلقى الأكراد دعماً عسكرياً وسياسياً من دول التحالف الدولي ضد الإرهاب، وخاصة أميركا وفرنسا التي استقبلت أخيراً وفداً يمثل “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية. ويجري حديث في الآونة الأخيرة عن مطالبة الجانب التركي بتوسيع نطاق المنطقة الآمنة شرق نهر الفرات، ما يعني في حال الموافقة الأميركية تقليص النفوذ الكردي في هذه المنطقة إلى حدوده الدنيا.
وعلى صعيد ذي صلة، أعلن حزبان كرديان سوريان، هما “الوحدة الديمقراطي” (اليكيتي)، و”اليكيتي الكردستاني الحر”، منذ يومين، اتحادهما في حزب واحد هو “الشعب الكردستاني”. وبيّن سكرتير الحزب الجديد عبد الصمد برو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الوحدة تأتي تلبية لرغبة جماهيرية، بعد التشتت في الحالة الكردية السورية منذ العام 2011″، مضيفاً أن النظام والمعارضة يعملان على الانقسامات الكردية، لذا فإن المطالب الكردية تكون في الحد الأدنى في الحوارات معهما. وأشار إلى أن المرحلة المقبلة “تتطلب وجود أحزاب كردية قوية قادرة على الدفاع عن القضية الكردية العادلة”، مضيفاً: يدنا ممدودة للجميع، ونتمنى للحركة الكردية أن تحقق وحدة اندماجية، معتبراً أن الساحة السياسية لا تستوعب كل هذا العدد من الأحزاب.
ووضع برو الحزب الجديد ضمن الأحزاب المنضوية في “المجلس الوطني الكردي”، معتبراً أن الأكراد يدعون إلى وحدة سورية، من خلال دولة اتحادية برلمانية علمانية، تنال فيها كل المكونات حقوقها ضمن دستور عصري. وحول الحوار بين أحزاب “الإدارة الذاتية” و”المجلس الوطني الكردي”، أشار برو إلى أنه “كان وصل إلى مراحل متقدمة”، مضيفاً أن “الأميركيين ليسوا رعاة فقط للحوار، بل باتوا ضامنين له”. وأشار إلى أن واشنطن جادة في تحقيق الوحدة الكردية في سورية. وأوضح أن الحوار هو بين الأكراد السوريين “ومن ثم لا نقبل أي تدخل من قوى خارجية في مجريات هذا الحوار، منها حزب العمال الكردستاني”.
العربي الجديد