ع اقتراب موعد مداولات مجلس الأمن الدولي من أجل تجديد آلية التفويض بدخول المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى، الواقع تحت سيطرة المعارضة، شرع الجانبان التركي والروسي في محادثات جديدة حول الملف السوري، يمكن أن تفضي الى تفاهمات تدفع موسكو إلى الموافقة على تمرير قرار التجديد.
ولكن من الواضح أن موسكو تبحث عن مكاسب على الأرض لقاء موافقتها لصالح النظام السوري، وهو ما تناولته مشاورات جرت على مستوى الخبراء، في مقر وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء الماضي. ومثل نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، وفد موسكو في المشاورات، فيما مثل نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال وفد أنقرة. ووفق موقع “روسيا اليوم”، فقد بحث الجانبان الاستعدادات للاجتماع الدولي الـ16 حول سورية بصيغة أستانة، والمقرر خلال الصيف الراهن. كما تم تبادل الآراء في طرق المساعدة في تنشيط العملية السياسية السورية، بما في ذلك عمل اللجنة الدستورية في جنيف وفق القرار الدولي رقم 2254.
تريد موسكو حصر إدخال المساعدات عبر معابر يسيطر النظام عليها
وتسبق هذه المحادثات اجتماعات مجلس الأمن الدولي، والمتوقع أن تجرى في 10 يوليو/تموز المقبل، من أجل تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، والتي تنتهي قريباً. وأعلنت موسكو على لسان مسؤولين رفيعي المستوى رفضها التمديد لهذه الآلية المعمول بها منذ العام 2014، لأنها تعد “انتهاكاً لسيادة النظام” وفق التصور الروسي. ولكن الوقائع تشير إلى أن موسكو تريد حصر إدخال المساعدات عبر معابر يسيطر النظام عليها، في محاولة لإعادة تأهيله دولياً. وفي حال فشلها في ذلك، تبحث روسيا عن مكاسب للنظام، وخاصة على الصعيد الاقتصادي، من قبيل فتح المعابر الداخلية التي تصل بين مناطق النظام والمعارضة في الشمال السوري. كما تريد المزيد من تدفق المحروقات والحبوب من الشمال الشرقي من سورية، للتخفيف من أزمات النظام الاقتصادية التي تفاقمت خلال العامين الأخيرين.
وتملك روسيا أوراق ضغط على الجانب التركي، وخاصة لجهة فتح الباب مجدداً أمام تصعيد عسكري في الشمال الغربي من سورية، الذي يضم نحو 4 ملايين مدني، شبيه بالتصعيد الذي حدث في الربع الأول من العام الماضي، والذي خسرت فصائل المعارضة خلاله الكثير من المناطق في أرياف حماة وحلب وإدلب. وقد صعّدت موسكو عسكرياً بشكل محدود خلال الأيام القليلة الماضية، بينما عزز الجيش التركي مواقعه، ونقاط انتشاره، في ريف إدلب الجنوبي، في خطوة ربما تدل على خشية تركية من تقدم بري من قبل قوات النظام في حال فشل المحادثات في موسكو.
وفي المقابل يملك الجانب التركي ورقة مهمة بيده، وهي المعابر الداخلية مع النظام في محافظة إدلب، وفي ريف حلب الشمالي، والتي من شأنها، في حال فُتحت، إنعاش جوانب في اقتصاد النظام المتهالك. وأوضح طه عودة أوغلو، وهو باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الوفد التركي الذي زار موسكو بذل جهوداً كبيرة من أجل إقناع المسؤولين الروس بعدم استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد قرار تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود”. وأضاف “لوح الوفد التركي بأوراق ضغط يمكن تحريكها ضد روسيا في حال استخدمت موسكو حق النقض في مجلس الأمن، بإظهار القدرة العسكرية لتركيا، عبر استهداف قوات النظام السوري في الشمال السوري، مشيراً إلى أن “هناك أوراق ضغط أخرى، في ليبيا وأوكرانيا والقرم، وأوراقا أخرى تستخدمها تركيا ضد روسيا على الساحة السورية”.
طه عودة أوغلو: لوح الوفد التركي بأوراق ضغط يمكن تحريكها ضد روسيا
وتطالب روسيا بإعادة فتح معبري سراقب وميزناز في ريف إدلب، ومعبر أبو زيدين في ريف حلب الشمالي. وكانت أعلنت في مارس/آذار الماضي عن اتفاق مع الجانب التركي لفتح هذه المعابر، لكن لم يحدث ذلك على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، رأى الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد تركاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المعابر الداخلية مهمة للنظام لتنشيط التجارة”، موضحاً أن النظام يأخذ من ريفي إدلب وحلب، زيت الزيتون، وخضاراً وفواكه وملبوسات، وأحياناً قطع سيارات ومواد بناء، ويرسل في المقابل سلعا غذائية تقليدية كثيرة، ليحصل على قطع أجنبي من مناطق المعارضة. وأشار تركاوي إلى أن “روسيا تريد أن يكون النظام السوري مركز مرور هذه المساعدات الدولية والمتحكم بتوزيعها”، مشيراً إلى أنه في حال حصل هذا الأمر، فإن النظام سيمتلك القدرة على حصار مناطق المعارضة في إدلب وريف حلب، كما فعل خلال سنوات الثورة بالعديد من المناطق السورية.
العربي الجديد