تصعيد في إدلب السورية: بوادر أزمة إنسانية كبرى

بعد مضي أكثر من عام، عادت مشاهد النزوح والقتلى والمصابين للظهور مجدداً في الشمال الغربي من سورية، الذي يشهد، منذ مطلع يونيو/حزيران الحالي، تصعيداً عسكرياً من قبل الروس وقوات النظام، توقعته فصائل المعارضة السورية مبكراً، حيث تريد موسكو تعديل خريطة السيطرة في محافظة إدلب لصالح النظام.

وواصلت قوات النظام، أمس الاثنين، القصف الصاروخي والمدفعي على قرى وبلدات في محافظة إدلب، حيث بيّنت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أنّ قوات النظام السوري جددت قصفها المدفعي على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، مستهدفةً محور مرعيان والمغارة، ما أدى إلى إصابة امرأة وطفلين بجروح. كما طاول القصف محور قرية الناجية بريف إدلب الغربي ومحيط قرية مغارة عليا في ناحية النيرب القريبة من مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، ما أسفر عن أضرار مادية. إلى ذلك، قصفت فصائل المعارضة مواقع لقوات النظام في محاور تلال الكبينة بجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، رداً على استمرار قوات النظام في التصعيد على جبل الزاوية. وكانت منطقة التصعيد الرابعة، وفق تصنيف مسار أستانة التفاوضي، والتي تضم محافظة إدلب ومحيطها، شهدت استقراراً نسبياً منذ مارس/آذار من عام 2020، عقب اتفاق روسي تركي أوقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سورية. ولكن يبدو أنّ الجانب الروسي يسعى إلى تعديل خريطة السيطرة الميدانية لصالح قوات النظام، متذرعاً بوجود تنظيمات متشددة في محافظة إدلب. وفي هذا الصدد، زعم السفير الروسي في سورية، ألكسندر يفيموف، في مقابلة مع صحيفة “الوطن” الموالية لنظام، أول من أمس الأحد، أن تنفيذ بعض بنود الاتفاقات الروسية – التركية بشأن إدلب، استغرق وقتاً أطول مما تود بلاده. وجدد يفيموف مطالبة موسكو بإعادة الشمال الغربي من سورية إلى النظام، قائلاً: “نبقى على يقين بأنه مهما تكن الاتفاقيات، فإنها لا تلغي ضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب من دون هوادة، وإعادة الجزء المذكور من أراضي سورية إلى سيادة الحكومة الشرعية وفي أسرع وقت ممكن”.

تسعى موسكو إلى تعديل خريطة السيطرة في إدلب لصالح النظام

بموازاة التصعيد العسكري، تلوح في الأفق بوادر أزمة إنسانية جديدة في الشمال الغربي من سورية، حيث أدى تجدد القصف والعمليات العسكرية إلى موجة نزوح من المتوقع أن تتصاعد أكثر في حال استمرار القصف. وفي هذا الإطار، أوضح الناشط مصطفى المحمد، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ التصعيد على منطقة جبل الزاوية، تسبب خلال الأيام القليلة الفائتة في حركة نزوح جديدة من المنطقة. وأشار إلى أنّ عائلات كانت قد عادت في وقت سابق إلى المنطقة في ظلّ الهدوء النسبي المستمر هناك منذ توقيع اتفاق موسكو لوقف إطلاق النار في المنطقة في مارس عام 2020، فرت مجدداً، موضحاً أنّ عدد العائلات التي نزحت من بلدات منطقة جبل الزاوية يقدر بـ400 عائلة توجهت إلى المناطق المجاورة الأكثر أمناً في المنطقة، في ظل ظروف معيشية صعبة.
من جانبه، أشار مدير فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال الغربي من سورية، محمد الحلاج، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ نحو 1867 مدنياً نزحوا خلال اليومين الأخيرين من بلدات وقرى جبل الزاوية. وأوضح أنّ عدداً من هؤلاء النازحين توجه نحو المخيمات الواقعة على الحدود السورية التركية، بينما اختار آخرون النزوح إلى قرى متاخمة لقراهم كي تتسنى لهم العودة إلى منازلهم في حال توقف التصعيد العسكري من قبل قوات النظام والروس. ولفت الحلاج إلى أنّ “أي تصعيد عسكري يتضمن تقدماً لقوات النظام سيتسبب في موجة نزوح كبرى”، محذراً من كارثة إنسانية كبرى “إذ ليس هناك مكان يتوجه إليه المدنيون في حال تقدم قوات النظام برياً”. وطالب الحلاج المجتمع الدولي بـ”إجراء كل ما يلزم لمنع روسيا والنظام من ممارسة الأعمال العدائية وارتكاب المجازر في مناطق الشمال السوري”.

وتتركز حملة القصف الصاروخي والمدفعي لقوات النظام في الفترة الحالية على منطقة جبل الزاوية، ما يؤكد أنها ستكون هدفاً لهذه القوات في حال تقدمت برياً. وتضم منطقة جبل الزاوية نحو 35 بلدة وقرية، أبرزها: البارة، احسم، كفرعويد، بليون، مشّون، كنصفرة، بينين، دير سمبل، جوزف، سرجة. كما تعد مدينة أريحا الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة إدلب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، وتبعد عنها نحو 15 كيلومتراً، من أبرز أهداف قوات النظام، كون هذه المدينة تتمتع بموقع حيوي، حيث تتموضع على سفح جبل الأربعين الذي يشرف على مساحات واسعة في محافظتي إدلب وحماة.

400 عائلة نزحت من بلدات منطقة جبل الزاوية أخيراً

وينتظر نحو 4 ملايين مدني في الشمال الغربي من سورية، جلهم نازحون، نتائج المباحثات التي تكاد ترقى إلى مستوى المفاوضات بين العديد من القوى الفاعلة في سورية؛ أبرزها تركيا، وروسيا وأميركا. ومن المتوقع أن تنعكس نتائج القمة التي ستجمع الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين غداً الأربعاء في مدينة جنيف السويسرية، على الأوضاع في سورية. وتشير المعطيات إلى أنّ الشمال الغربي من سورية مقبل على تصعيد واسع النطاق في حال عدم توصل موسكو وواشنطن إلى تفاهمات حيال العديد من الملفات السورية، في مقدمتها تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، والتي تنتهي قريباً. ويبدو أنّ الروس يريدون تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للنظام مقابل تمرير هذه الآلية مجدداً في مجلس الأمن الدولي، في حين يبدو الأميركيون مصرون على إدخال المساعدات من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في شمال غربي سورية، والذي تسيطر عليه فصائل المعارضة.
في السياق، رأى القيادي في فصائل المعارضة، العميد فاتح حسون، في حديث مع “العربي الجديد”، أن التصعيد الذي تشهده محافظة إدلب “رسالة من قبل الروس للجميع، وعلى رأسهم تركيا والولايات المتحدة، بأنها صاحبة قرار التهدئة في سورية بلا منازع، وبأنه لا يمكن فرض فتح معابر باتجاه الشمال السوري المحرر إلا بموافقتها”. وأشار إلى أن “الرد التركي جاء باتجاه مختلف، لكنه كان مؤلم لروسيا، حيث قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لنظيره الأميركي لويد أوستن قبل أيام إن أهمية حلف شمال الأطلسي تتزايد، ويجب تعزيزه”، مضيفاً: “كذلك بدأت تركيا بزج مزيد من قواتها العسكرية في الثكنات والجبهات التماسية لمواجهة أي اجتياح بري تفكر روسيا القيام به بواسطة أذرعها؛ نظام الأسد والمليشيات الإيرانية”. وتابع حسون: “نستطيع القول إن لواشنطن دوراً في تثبيت الوضع بمنطقة إدلب، وإن تركيا تعتبر إدلب منطقة أمن قومي لها، وتسعى بشكل واضح لأن يكون لحلف الأطلسي دور فاعل بشمال سورية كاملاً، من خلال إعادة طرحها لمشروع إقامة منطقة آمنة على لسان وزير دفاعها”. وأوضح حسون أنه “لا نلاحظ أي حشود خطيرة للروس والإيرانيين وبقايا نظام الأسد ممكن أن تنفذ هجوماً برياً واسعاً على إدلب”، مضيفاً: “ما يحدث غالباً هو تسخين وصراخ من قبل روسيا”.

 

العربي الجديد