المنصة السورية.. مبادرة تطوعية لرفع كفاءة الشباب في الشمال السوري

أحدثت الثورة السورية انفتاحاً سورياً من المناطق المحررة تجاه دول العالم المتقدم، إثر نشاط المنظمات الدولية في تلك المناطق، الأمر الذي خلق فجوة بين الإدارات الأجنبية والمتقدمين السوريين للحصول على شواغر عمل في العديد من المجالات، نظراً لاتباع أساليب التعليم التقليدي في سوريا على عكس دول العالم المتطورة التي تتبع أساليب تعليم حديثة، فكان لزاماً على السوريين تدارك هذه الفجوة عبر تعزيز علومهم التي تلقوها في المعاهد والجامعات السورية بدورات تدريبية تؤهلهم للحصول على فرص العمل.

وبالوقوف عند هذه الدورات والتدريبات فقد لجأت بعض المنظمات والمؤسسات إلى افتتاح دورات لموظفيها ترفع من سوية عملهم وتنمي مهاراتهم ليكونوا ذوي كفاءة أكبر تجعلهم منتجين أكثر في مجالات عملهم، في حين طلب بعضهم الآخر من المشغلين في إعلانات التوظيف من المتقدم لوظيفة ما أن يكون قد أتّم هذه الدورات وحصل على شهادة فيها، مما أجبر الآلاف للتقدم إلى دورات وورش تدريبية بحسب اختصاصاتهم في مراكز مختصة أو عبر الإنترنت، ودفع تكاليف باهظة قد لا تقل عن 400 دولار أمريكي للتدريب الواحد.

مبادرة وطنية

“المنصة السورية” هي مبادرة تطوعية يمكن وصفها بالوطنية، يقوم عليها متطوعون سوريون يعملون على رفع كفاءة الشباب الباحثين عن فرص عمل في شتى المجالات، والأكثر خدمة للمجتمع.

وفي حديث مدير المنصة “بلال جبيرو” يقول إنّ سبباً آخر لإنشائه المنصة السورية فبالإضافة إلى الحاجة الملحة لتعزيز قدرات الشاب السوري لمساعدته في الدخول إلى سوق العمل، فإن مساعدة طلاب الجامعات في الحصول على تدريبات مجانية بالعديد من المجالات العلمية والمهنية يعتبر الهدف الثاني، كونه يبسط أُسُس وقواعد المادة العلمية ويقدمها بأسلوب غير تقليدي، الأمر الذي انعكس إيجابا على مستويات الطلاب السوريين في الداخل والخارج.

كيف بدأت الفكرة وانطلقت المنصة؟

وأكمل “جبيرو” بدأت الفكرة بمنشور على فيس بوك، وبعدها تحولت إلى مشروع بعد استعداد الكثير من المدربين للانضمام إلى المشروع والتطوع مجانا في تدريب الشباب، وقد أبصرت المنصة السورية للتدريب التطوعي النور، في يونيو/تموز من العام المنصرم، بجهود مجموعة من المتطوعين الأكاديميين وطلاب الجامعات بالإضافة إلى أصحاب خبرات مهنية وعلمية بعدة مجالات مختلفة، ومنذ إطلاقها أعلنّا عن أكثر من ثلاثين تدريباً حتى الآن، معظمها تناول المجالات العلمية والأكاديمية وقد انضم إلى التدريبات أكثر من ستة آلاف متدرب، منهم ألفان وخمسمئة أتموا دوراتهم ونالوا شهادات تثبت اجتيازهم بنجاح لتلك الدورات.

الإقبال على المنصة

في الإجابة عن عدد المتقدمين للتدريبات، يقول “جبيرو” حقيقة في كل دورة نطلقها وخاصة بعض الدورات المهمة كتدريب على اللغة الإنجليزية والتركية يتم تسجيل أكثر من ٥٠٠٠ آلاف طلب، وبدورنا نعلم عن دورتين وثلاث دورات في المجال نفسه، بمواعيد مختلفة حتى نستطيع استهداف أكبر عدد ممكن من المتقدمين على مراحل.

اختيار التدريبات والمتدربين

قبل إطلاق أي دورة تقوم إدارة المنصة بعدة إجراءات تقوم لتحدد ما يحتاجه الشباب، منها دراسة الحاجة إلى الدورات ومدى أهميتها، ورغبة الشباب في حضورها، ويتم ذلك من خلال استبيانات ترسلها المنصة السورية عبر متطوعيها إلى الجامعات، ومن خلال تحليل الاستبيان يتم انتقاء الدورات الأهم للشباب.

ثانياً، من خلال الاتفاق مع الهيئات الطلابية، وأخيرا تم الاتفاق على عقد شراكة بين المنصة والهيئة الطلابية في قونيا وتم من خلاله تحديد الدورات الأكثر أهمية.

ثالثاً، في مجال التعليم تم إطلاق دورات خاصة بمناهج الثانوية العامة (البكالوريا) لتعليم المنقطعين بسبب التهجير المستمر وقد انضم إلينا أكثر من ١٢٠ طالباً وطالبة

رابعاً، يتم دراسة حاجة سوق العمل وخاصة المنظمات وما أكثر ما يحتاجونه في عرضهم لفرص العمل، فيتم إطلاق دورات منها حماية الطفل، وعمال الصحة المجتمعية، ومهارات العمل الجماعي، وغيرها من التدريبات التي تعزز فرصة المتدرب في الحصول على فرصة عمل مناسبة.

أما بالنسبة للمدربين فهناك لجنة من قبل المنصة تتواصل مع المدربين الراغبين بالانضمام إليها، تعمل على مراجعة السيرة الذاتية لكل مدرب، وحقيبته التدريبة والمادة العلمية، خبرتهم وأسلوبهم في التدريب، تمكنهم من الإلقاء والقدرة على بناء برنامج زمني، والأهم من ذلك كله استعداه لتقديم كل ما سبق بشكل تطوعي.

تهدف المنصة إلى تعزيز قيمة العمل التطوعي بالمجتمع بعدما تم تشويهه من قبل بعض المسيئين وتحويل المجتمع إلى عالم ومتعلم “عالم يعلم الناس من خلال خبراته المكتسبة ومتعلم يتعلم ويطور مهاراته وخبراته ودراسته”، كما تركز المنصة على أهمية جعل المنصة أكاديمية تعليمية ذات شهادة مرجعية ومصدر ثقة للشهادات الممنوحة.

“كرم الشيخ علي” صحفي سوري تطوع مع المنصة السورية كمدرب للتحرير الصحفي وقدم تدريبه “أونلاين” عبر تطبيق منصة “Zoom”، يقول الشيخ علي: “حضر التدريب أكثر من ثمانين متدرباً ومتدربة من عموم أقطار الوطن العربي، ومن محافظات سورية مختلفة، وكان من التدريبات الأكثر سلاسة ومتعة في تقديمها”.

ويوضح المدرب بأنه لامس لدى المتدربين الحاجة للمعلومة والاهتمام، على عكس تدريبات أخرى قد تكون مجانية ويلتحق بها الهواة والمهتمون على حد سواء.

ويؤكد بأن تدريبه شمل شريحة واسعة من المتقدمين، منهم مبتدئون في المجال الإعلامي يهدفون لاكتساب مهارات، وإلى جانبهم كان هناك طلاب يدرسون الإعلام، وإعلاميون يعملون في مجال التحرير نفسه أرادوا صقل خبراتهم، فضلاً عن عاملي المجال الإعلامي غير المكتوب أرادوا تعزيز مهاراتهم والتوسع في علوم الصحافة.

في الضفة الأخرى، يقول طالب الشهادة الثانوية “عبد العزيز القاسم” إنّ المدربين في منهاج الثالث الثانوي العلمي، “عملوا في بداية الدورة على سبر قدراتنا عبر امتحانات حددت مستوى جميع المتقدمين، إضافة إلى استبيان يحدد أهم مفاصل المنهاج الدراسي التي يحتاج الطلاب إليها، كما راعوا مسألة تضارب موعد الدورات التي نحضرها بشكل فيزيائي”، إضافة إلى أنّ أسلوب التواصل بين الطالب والمعلم أكثر سلاسة ومرونة، ويملأ الفجوة أو الرهبة إن صحّ التعبير خلال التعلم الفيزيائي داخل الصف، “أما بالنسبة لي فقد لمست تقدمي في عموم المواد وبالأخص اللغتين العربية والإنجليزية والكيمياء، وعلى اعتبار أني أسكن ضمن مخيم في ريف إدلب الشمالي، فقد وفرّت لي فرصة التعلم عن بعد الذهاب مراراً وتكراراً في اليوم الواحد وخاصة فصل الشتاء إلى المعهد الذي أخضع لدورات خاصة فيه، علاوةً على توفير النفقات والوقت”.

أيضاً سمر اليوسف تعتبر أن المنصة كانت المبادرة الأنسب لها لكونها تقيم في تركيا فمن خلال الدورات التي تقيمها المنصة بدأت تعلم اللغتين التركية والإنجليزية ونمّت مهاراتها فيهما ثم انطلقت مما تعلمته في الدورة إلى الشارع التركي فوجدت نفسها تخطت المراحل الأولى وباتت تستطيع قضاء حاجاتها في السوق من دون أن تقف اللغة عثرة أمامها.

تقول سمر: “كانت المنصة جامعة، فوجدت في دورة اللغة الإنجليزية طلاباً من تونس والعراق وسوريين من مناطق مختلفة”.

في الختام، تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من خمسة عشر ألف طالب وطالبة تقدموا للمفاضلة العام التي أعلنت عنها جامعة إدلب، ومثلهم في جامعة حلب الحرة، خلال العام 2020، إضافة إلى طرح أكثر من مئة شاغر وظيفي وفرصة عمل في القطاعات العامة والخاصة والمنظمات غير الحكومية بشكل يومي في عموم مناطق الشمال السوري، في حين يسعى المتقدمون لسد الثغرات في ملفاتهم الشخصية عبر خضوعهم لدورات وورش تدريبية إما بشكل مجاني في حال توافرها وغالباً ما تكون فيزيائية أو محدودة العدد أو خلال فترات زمنية متباعدة، أو من خلال تسديدهم لرسوم تلك الدورات وانتظار الجهة المعلنة حتى تجمع أكبر عدد من المتقدمين والإعلان عن موعد وبرنامج الدورة، ذلك كله ينعكس إيجاباً في تقديم الخدمات المجتمعية العامة والخاصة على حد سواء في مناطق شمال غربي سوريا الذي يشهد اكتظاظاً بالباحثين عن تلك الدورات.