تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الخميس الماضي، تسجيلاً مصوراً من داخل المسجد الأموي الكبير في مدينة معرة النعمان الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، جنوبي مدينة إدلب شمال غربي سورية، وقد بدت معالمه الأثرية مخربة، وقد سرقت محتوياته، وهجره السكان، بعد أن كان تحفة دينية وأثرية تفتخر بها المدينة، وتضاهي الجامعين الأمويين في العاصمة دمشق وفي مدينة حلب.
الجامع الكبير أو كما يسمّيه أهل المدينة جامع المعرّة لا ينفصل عن المدينة بحسب المؤرخ وابن معرة النعمان شريف الرحوم، الذي قال لـ”العربي الجديد” إن الجامع تعرّض للتخريب والحرق والهدم على يد كل القوى المحتلة، التي هاجمت المدينة في كل الحقب التاريخية، وصولاً إلى النظام السوري الذي يعتبر من أكثرها توحشاً. ويضيف الرحوم أن الجامع الذي كان معبداً وثنياً ثم تحول إلى كنيسة ومنها إلى مسجد عام 17 للهجرة 638 ميلادي، يعتبر من أوسع جوامع بلاد الشام، وكان يرتقى إليه بـ13 درجة وأصبح بعد ذلك ينزل إليه بـ10 درجات نتيجة الهدم. ومن أبرز معالمه الساحة وقبتها والمنبر الأثري والقباب الستّ، والمئذنة ذات الطراز العمراني البديع، التي يتجاوز عمرها ألف سنة، وليس في منارات المساجد في الشام ومصر ما يماثلها في إحكام الصنعة إلا مئذنة الجامع الكبير في حلب، وهي مقسمة إلى ثمانية أبراج متساوية بالطول والعرض والارتفاع وفي كل برجٍ أربع نوافذ متماثلة.
ويشير إلى أن الجامع الكبير هو عنوان كبير لبلاد الشام ولسورية، وفيه دليل على صلابة أهل المدينة الذين أعادوا إعماره بعد كل غزو خارجي، لما فيه من آثار ومعالم هامة شاهدة على المعرة وإعادة إعمارها بعد كل غزو. ويؤكّد أن الهجمة الأخيرة التي تعرّضت لها مدينة معرة النعمان مطلع عام 2020 تختلف عن كل الهجمات، فهي هجمة مخططٌ لها وممنهجة لتدمير المعرة وتهجير أهلها، وتدمير معالمها الأثرية وتميّزت بالحقد الكبير الذي يحمله المهاجمون من النظام وحلفائه على المدينة وتاريخها. وعن القصف الذي سبق السيطرة على المدينة، يقول الرحوم إن النظام يرعى مليشيات لا تحترم لا البشر ولا الآثار التي تعتبر شواهد على التاريخ الحضاري للمنطقة، فقد قصفوا الجامع أكثر من مرة ودمّروا جزءاً من المئذنة وسقف القسم الشمالي من المسجد، واستهدفوا القباب الفريدة، كما قصفوا متحف المدينة ودمروا العديد من اللوحات الفسيفسائية والآثار القيمة.
وكانت قوات النظام قد استهدفت ببرميلين متفجرين عام 2015 متحف المدينة أو ما يعرف بـ”خان مراد باشا” الذي يعتبر ثاني أهم متاحف العالم على صعيد الفسيفساء ويضم لوحات وقطعاً تعود للعصور القديمة المختلفة، ويتضمن 1600 متر مربع من الموازييك، ما أحدث فيه أضراراً لا يمكن إصلاحها بحسب خبراء الآثار. وبدوره يقول عبادة ذكرى، مسؤول الدفاع المدني في مدينة معرة النعمان لـ”العربي الجديد” إن جميع المؤسسات التي كانت تعمل في المدينة قبل سيطرة النظام عليها، كانت تهتم بحماية الآثار وتعمل على تنظيفها، وكان الدفاع المدني على وجه الخصوص ينظّف الجامع في المناسبات الدينية وعند الحاجة. ويضيف أن فرقه كانت تحضر بعد كل قصف تعرّض له الجامع، وكانت تعمل على إزالة الأنقاض، مع مراعاة الاحتفاظ بالقطع الأثرية التي تسقط، وكانت تخزّنها في أماكن خاصة من أجل إعادة ترميمها.
وسيطرت قوات النظام بدعم من روسيا وإيران على مدينة معرة النعمان أواخر يناير / كانون الثاني عام 2020، بعد قصف استمرّ نحو شهر كامل، أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى، وتهجير 300 ألف مدني.
العربي الجديد