عام 2020 هو الأسوأ لليرة السورية على الإطلاق، إذ خسرت خلاله نحو 211% من قيمتها، بعد أن دخلته بسعر صرف 900 ليرة للدولار الواحد في السوق الموازية، بينما تدنو من مغادرته وقد تهاوت إلى 2800 ليرة مقابل العملة الأميركية، فيما تتصاعد التكهنات بمزيد من التهاوي خلال الفترة المقبلة، إثر انكشاف الاقتصاد وتراجع الموارد وزيادة الحصار والعقوبات الاقتصادية.
وبدأت العملة السورية العام الجاري بتراجعات كبيرة، ينسبها محللون اقتصاديون إلى إصدار رئيس النظام بشار الأسد مرسومين لتجريم التعامل بغير الليرة، ما أثر على التحويلات الخارجية، التي تعتبر الرافد الأهم للسوق من النقد الأجنبي، بعد تراجع الصادرات وشلل السياحة.
وتراجع سعر الصرف من 900 ليرة مطلع العام إلى نحو 1200 ليرة للدولار قبل انقضاء يناير/ كانون الثاني، لتستقر في نهاية الربع الأول من العام عند 1230 ليرة للدولار، قبل أن تتعرض للضربة الأقوى إثر تطبيق قانون “قانون قيصر” الأميركي في 17 يونيو/ حزيران، ما فرض معادلة جديدة على مسار الاقتصاد السوري وانعكس على العملة.
وفي حين بدأت الليرة الربع الثاني من 2020 بنحو 1900 ليرة مقابل الدولار، استمرت في التراجع بوتيرة متسارعة تحت تأثير زيادة طلب التجار على الدولار والتضخم وغلاء الأسعار، ما أشعل مظاهرات الجوع جنوبي سورية، لتصل بنهاية يونيو/ حزيران إلى نحو 2500 ليرة للدولار الواحد، إذ امتنع النظام السوري عن التدخل بضخ عملات أجنبية في السوق أو تحريك أسعار الفائدة، واقتصرت تحركاته على الوعيد والتهديد وملاحقة المتعاملين بغير العملة السورية.
لكن الربع الأخير من العام الجاري شهد تراجعات كبيرة كان أقساها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقت هوت العملة إلى ما دون 3000 ليرة للدولار الواحد في أقل سعر سجلته على الإطلاق، ما جعلها تفقد نحو 233% من قيمتها، قبل أن تتعافى قليلاً خلال ديسمبر/ كانون الأول الجاري وتستقر عند مستوى 2800 ليرة للدولار.
ويرى المحلل المالي علي الشامي أن الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى تدهور سعر الصرف لم تتغير هذا العام، وإن زاد تأثيرها، كتبديد الاحتياطي النقدي بالمصرف المركزي من 18 مليار دولار مطلع عام 2011 حين كان سعر صرف الدولار لا يتجاوز 50 ليرة، إلى ما دون 400 مليون دولار اليوم.
وأضاف الشامي لـ”العربي الجديد” أن انسحاب المصرف المركزي من تمويل واردات القطاع الخاص، دفع التجار للجوء إلى السوق لتأمين الدولار، خاصة بعد تعثر المصارف اللبنانية التي يودع فيها معظم التجار السوريين أموالهم وكانوا يفتحون اعتمادات عبرها للتهرب من الحصار والعقوبات الاقتصادية.
وازدادت المضاربات هذا العام، جراء تخبط أصحاب القرار وتغيير سعر الصرف بشكل متكرر، لكن التأثير المهم جاء بحسب الشامي “بسبب وقف تمويل إيران نظام الأسد بالدولار، سواء بشكل مباشر عبر ما يسمى خطوط الائتمان، أو التراجع جراء توقيف الأجور التي كانت تدفعها طهران للمليشيات المقاتلة”.
وقال الخبير الاقتصادي حسين جميل إن التمويل بالعجز وطبع أوراق نقدية من فئات كبيرة (1000 و2000 ليرة) في روسيا، من دون أي رصيد دولاري أو إنتاجي، زاد من معروض العملة السورية بالسوق وتناقص الدولار جراء الطلب من التجار وسعي المتكنزين إلى حيازة العملات الصعبة والمعادن النفيسة.
وأضاف جميل في تصريح لـ”العربي الجديد” أن استمرار التعامل بالليرة السورية يقتصر على الداخل السوري، بينما هي شبه مرفوضة خارج سورية، حتى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمال غرب سورية، إذ استغنت عن التعامل بالليرة واعتمدت الليرة التركية والدولار، نتيجة التفاوت والتبدل الكبير في سعرها، وهو سبب إضافي لزيادة العرض النقدي بالليرة بمناطق سيطرة الأسد.
ووفق رصد لـ”العربي الجديد” تراجعت العملة السورية بنحو 31% في عام 2011، إذ استهلت العام عند 45 ليرة للدولار قبل أن تنخفض بنهايته عند حوالي 56 ليرة للدولار، لتزيد وتيرة الهبوط في 2012 بخسارة 64% من قمتها بعد أن وصلت بنهاية ذلك العام إلى نحو 97 ليرة للدولار.
وواصلت الانخفاض في 2013 الذي خسرت خلاله نحو 209% من قيمتها، ليعد ثاني أكبر هبوط خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ اختتمت التعاملات آنذاك عند 300 ليرة للدولار، قبل أن تتعافى في 2014 مستعيدة جزءاً من خسائر العام السابق بعد أن وصلت إلى 220 ليرة، لكنها سرعان ما عادت للهبوط في 2015 إلى 380 ليرة للدولار خاسرة 72% من قيمتها، لتستكمل هبوطها في 2016 فاقدة 68% من قيمتها بوصولها إلى حوالي 640 ليرة للدولار.
وفي عام 2017، شهدت تعافياً ببلوغها 500 ليرة للدولار وواصلت النهج ذاته في 2018 لتغلق عند مستويات قرب 505 ليرات للعملة الأميركية قبل أن تهوي مجدداً في 2019 إلى 900 ليرة للدولار خاسرة نحو 78% من قيمتها.