واحة الراهب: الثورة عرّت الجنون الذي عاشه السوريون بظل النظام

حفلت السنوات الثلاث الأخيرة بفوز وترشّح العديد من الأفلام الروائية والتسجيلية والوثائقية لمنتجين ومخرجين وفنانين سوريين استطاعوا، رغم بساطة الأدوات وشحّ التمويل وآلام الشتات، أن يصلوا بأفلامهم التي وثّقت حياة السوريين وثورتهم إلى أهم وأرفع المحافل والمهرجانات الدولية المخصّصة للفنّ السابع.

فبعد أفلام: “إلى سما” و”الكهف” والقبعات البيضاء” و”آخر الرجال في حلب” و”عن الآباء والأبناء” و”وداعاً حلب” وكثير غيرها؛ يرُشّح اليوم فيلم سوري إبداعي آخر لنيل جوائز عالمية، ولتستمر عجلة النجاحات الفنية والإبداعية السورية في الدوران.

وأبلغت المخرجة والفنانة والروائية السورية “واحة الراهب” متابعيها وأصدقاءها، عبر حسابها على (فيس بوك)، بخبر ترشيح فيلمها الروائي “قتل معلن” (Proclaimed Murder)، لجائزة الفيلم الروائي القصير في مهرجان (Human Rights Watch Film Festival)، بالإضافة إلى جائزة “مهرجان النمسا السينمائي الدولي” (Austria International Film Festival).

65301980_2437479596295037_730717281583104000_n.jpg

عن الفيلم وأبعاده

في حديث لموقع تلفزيون سوريا، تصف الراهب فيلمها بأنه عبارة عن محاولة لـ “هزّ وتحريك خلايا المجتمع من خلال أحلام طفلة وكوابيسها”.

وتتابع الراهب: “الفيلم هو حكاية طفلة (نور)، بعمر الـ11 عاماً، تعيش مع إخوتها الأطفال وأمها الحامل وأبيها العاجز، في أحد مخيمات اللجوء بلبنان. تعمل نور مع أفراد أسرتها في الأراضي الزراعية لكسب ما يكاد يكفي لسد رمقهم اليومي. وأمام واقعهم الفقير والمذلّ يضطرّ أهلها إلى تزويجها من رجل يكبرها في السنّ”.

الطفلة نور، كانت لها أحلامها البسيطة التي تشبه أحلام أي طفلة بعمرها، كأن تكون عروساً بفستان أبيض، وتتزوج من شاب هادئ يحبها وتحبه، وتعيش معه بمنزل بسيط ودافئ. إلا أن تلك الأحلام تحوّلت بعد ذلك الزواج إلى كوابيس مفزعة.

أما “أم جابر” التي مثّلت دورها واحة الراهب، “حاولت من خلالها ضخّ ما أمكنني من تفاصيل تعبّر عن كل ما أصابنا، نحن السوريين بنسائنا ورجالنا، من رعب ووحشية معلنة، خلال دقائق الفيلم القصيرة” تقول الراهب.

 ورغم أن الهدف العام للفيلم يكمن في تسليط الضوء على “جريمة” ظاهرة الزواج المبكّر للفتيات القاصرات؛ إلا أنه محاولة لتعرية الوضع المتأزّم الذي يعيشه عموم السوريين في مخيمات اللجوء من خلال إزاحة ورقة التوت التي تغطي عيوب وزيف ما تقدمه منظمات الأمم المتحدة من إعانات ومساعدات، والخطاب السياسي العنصري الذي يتعرّض له السوريون.

 عن واحة والمشاركين

لفتت المخرجة الراهب إلى أنها اختارت بعناية ممثلي الفيلم، حيث وقع اختيارها على الفنان “مكسيم خليل” الذي مثّل دور والد نور العاجز، لـ “تمكّنه مهنياً كممثل، ولأخلاقه وصدقه في التعاطي مع ثورة السوريين، ولمحاولاته الدؤوبة والصادقة في خلق حالة استثنائية في عمله المهني، وتناسبه مع الدور المعطى”.

 واختارت الفنانة “نجلاء خمري” لأداء دور والدة نور، للمزايا نفسها التي يتمتع بها مكسيم، لافتة إلى أن خمري تملك قدرة مميزة في الأداء.

أما نور، محور الفيلم وقضيته، فتم اختيار الطفلة صاحبة الدور عن طريق المصادفة. حيث أكدت الراهب عدم معرفتها بالطفلة “ماري صفدي” صاحبة الدور إلا بعد نشرها إعلاناً طلبت فيه طفلة لتأدية الدور.

تم تصوير الفيلم داخل مخيّم في منطقة البقاع الأوسط بلبنان، خلال عامي 2018- 2019. وتفيد الراهب أنها أصرّت على تمثيله داخل المخيم لإعطاء الفيلم قيمة واقعية قريبة من الحقيقة المحيطة بالسوريين.

ويتقارب عنوان الفيلم “قتل معلن”، مع عنوان رواية غابرييل غارسيا ماركيز “قصة موت معلن”. ولعل المخرجة، والروائية أيضاً صاحبة روايات “مذكرات روح منحوسة” و”الجنون طليقًا” و”حاجز لكفن”؛ أرادت تشبيه اللاجئين السوريين في الفيلم بشخصية (سانتياغو نصّار) محور رواية ماركيز.

ففي نهاية الرواية يتعرّض نصّار للطعن والقتل دون معرفته أسباب مقتله، ودون ارتكابه لذنبٍ يستحق القتل بطريقة فجائعية لا يسعنا ذكرها هنا، خصوصاً وأن الرواية لم توضّح إن كان نصّار هو من ارتكب جرم التعدّي على إحدى فتيات البلدة أم لا.

ويذكر أن الفيلم حاز على جائزة أفضل فيلم روائي قصير في مهرجان “كييف” السينمائي في أوكرانيا.

الراهب: الثورة هي من فجرت جوانب الإبداع فينا

تعتبر واحة الراهب أن السوريين تعرّضوا لما هو أمرّ وأقسى من أي مأساة أخرى. إلا أنها بالرغم من كل ذلك ترى أن في ثورة السوريين أنها أتاحت الهامش الكافي من الحرية للتعبير عن كل ما أرادت قوله وكتابته والتعبير عنه.

وتقول الراهب: “حين كسرنا حاجز الصمت والخوف مع اندلاع الثورة، تفجّرت أفكاري وصرت أعبّر عنها بحرية وجرأة، ووفرت لي الثورة الإلهام الإبداعي والواقعي لتحقيق أحلامي في إتمام كتابة رواياتي وصناعة الأفلام التي أحبّ”.

صوّرت الراهب فيلمها الروائي الطويل “هوى” في بداية الثورة، وتناولت فيه مختلف حالات الفساد والقمع والخوف الذي كان يحيق بالسوريين قبل الثورة، لتربطها برغبة الناس وتوقهم إلى الانعتاق من خلال إعلان ثورتهم على النظام.

وتنتقل الراهب من أجواء التصوير والأداء، لتحدثنا عن الأدب. وبهذا الخصوص تعترف الراهب أنها عبر روايتيها الثانية والثالثة اللتين تناولت فيهما تفاصيل وأحداث الثورة، “الجنون طليقاً” و”حاجز لكفن”، لم تتمكن من التملّص من استحقاق الثورة و”من مدى تأثيرها المزلزل لكل واقعنا وكياننا الإنساني، إذ أتت رواية /الجنون طليقًا/ مستلهمة من هذا الزلزال المصدّع لكل الأساسات المنخورة، والمُعرّي للمصح العقلي ومشفى المجانين الذي تعيشه سوريا في ظل نظام الأسد”.

وتستدرك: “ورواية /حاجز لكفن/، جاءت لترصد أبشع الأوضاع اللاإنسانية للسوريين، في المسالخ البشرية- المعتقلات”.

وُلدت واحة الراهب في القاهرة بمصر عام 1964، وقضت مرحلة الطفولة في العديد من مدن العالم، لطبيعة عمل والدها في المجال الدبلوماسي. تحمل إجازة في الفنون الجميلة/ قسم الاتصالات البصرية،  من جامعة دمشق.

نالت دبلوم دراسات عليا في السينما بالعاصمة الفرنسية باريس، عام 1988- 1989.

متزوجة من المخرج السوري المخضرم مأمون البني، وعمّها الروائي الكبير الراحل هاني الراهب.

كتبت واحة الراهب العديد من السيناريوهات السينمائية والتلفزيونية، من بينها “رؤى حالمة”، و”رباعية التهديد الخطير”، ولفيلميها القصيرين “جداتنا” 2003، و”قتل معلن” 2019، بالإضافة إلى سيناريوهات أخرى لم تُنفّذ بعد.

وأخرجت الراهب مسلسلات من بينها “بيت العيلة” 2000، و”النقمة المزدوجة” 2007، من تأليفها.

وعملت في التمثيل الدرامي التلفزيوني، ولعل من أهم المسلسلات التي شاركت في بطولتها كان مسلسل “جواهر” الذي أدّت فيه الراهب دور “زوينة” فأبدعت في تقمّص دور الفتاة الشريرة والحاقدة والعاشقة بذات الوقت، فكان دورها معقّداً وخليطاً متكاملاً من الإبداع وقوة الأداء بصورة جعلت غالبية المتابعين ينفعلون بصورة جدّية مع كل مشهد شرير كانت تؤديه الراهب.

هذا بالإضافة إلى مسلسلات أخرى كـ “البركان”، و”غضب الصحراء”، و”حمام شامي، و”أوركيديا”، وكثير غيرها. وشاركت المخرج محمد ملص في فيلمه الشهير “أحلام المدينة” 1984.

واختيرت واحة كعضو في لجان التحكيم ضمن العديد من المهرجانات السينمائية والتلفزيونية المحلية والعربية والدولية.

حازت الراهب على جوائز وتكريمات، في كلّ من “مهرجان قليبية للسينمائيين الهواة” بتونس، وفازت بالميدالية الفضية عن فيلمها الأوّل السينمائي الروائي القصير “منفى اختياري” 1987. والجائزة البرونزية وجائزة المرأة عن سيناريو وإخراج فيلمها الروائي التسجيلي القصير “جداتنا” في مهرجان دمشق السينمائي” 1991.

ونالت فضيتين في مهرجاني “القاهرة للإذاعة والتلفزيون” 1991- 1999، وجائزة “التانيت البرونزي” في “مهرجان قرطاج السينمائي” بتونس 2004، عن فيلمها السينمائي الروائي الطويل الأوّل “رؤى حالمة” وهو من تأليفها، وتمّ اقتناء الفيلم لحفظه في (متحف وأرشيف السينما اليابانية العالمية) كأول فيلم سوري وعربي يتم حفظه لأربعة قرون.

وفي الأدب، كتبت الراهب ثلاث روايات، الأولى “مذكرات روح منحوسة” 2017. والثانية بعنوان “الجنون طليقًا” 2019. والثالثة بعنوان “حاجز لكفن”2020.

تلفزيون سوريا