أبرز الإعلام الإسرائيلي بشكل لافت ما قال إنه حصن بالقرب من مستوطنة خسفين يعود إلى مملكة جيشور التي كانت حليفة للملك داوود قبل نحو 3000 عام، وذلك عشية أول زيارة لوزير خارجية أميركي إلى الجولان السوري المحتل، وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيادة إسرائيل على الجولان. وأيضا في ظل أجواء التطبيع العربي مع إسرائيل مع ما يعنيه ذاك الترويج من وجود تحالف قديم بين اليهود وجيرانهم في المنطقة.
اقرأ أيضا: إسرائيل تدعي اكتشاف حصن يعود لحقبة الملك داود في الجولان
وقد لا تبدو العلاقة بين زيارة مايك بومبيو وإعلان اكتشاف الحصن مباشرة وصريحة، إلا أن ما يجمعهما هو البعد السياسي والجغرافي من خلال تسليط الضوء على الجولان، وإدراج توظيف إسرائيل سياسيا لحالة مادية سواء كانت صحيحة أم غير حقيقية، ما يعطي زخما دفاعيا مع زيارة أول وزير خارجية أميركي، لما تقول إسرائيل إنه حق تاريخي لها، وزخما هجوميا إزاء الشعوب العربية التي ترفض التطبيع مع إسرائيل في وقت ركبت فيه دول عربية قطار التطبيع مع إسرائيل ومع نظام الأسد معا ومن بينها البحرين التي زامنت زيارة وزير خارجيتها الأولى لإسرائيل مع زيارة بومبيو إضافة للإمارات والسودان.
لماذا يزور بومبيو الجولان المحتل؟
وبالنسبة للولايات المتحدة فقد تجاوزت الحاجة لديها لوثائق من إسرائيل حول الجولان المحتل، بعد أن أعلنت موافقتها على سيادة إسرائيل عليه وبأنه ” أرض إسرائيلية “، وأن زيارة بومبيو للجولان المحتل هي للتأكيد على قرار ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان ، تماشيا مع مساعي إسرائيل لشرعنة سيطرتها على الجولان بجميع الوسائل ومن بينها السياسية والتاريخية وبضمنها إثبات صلتها بالمنطقة، قبل الوصول إلى حل سياسي في سوريا كما يقول المحلل السياسي الدكتور زكريا ملا حفجي لموقع تلفزيون سوريا.
ويرى المحلل السياسي حسن النيفي في حديث مماثل أن زيارة بومبيو إلى الجولان المحتل في هذا الظرف الساخن يمكن استثمارها من جانب إسرائيل لتعزيز اندفاع الدولة الزاحفة تجاه إسرائيل ولتعزيز الثقة بأن التطبيع مع إسرائيل لا تنحصر تداعياته في الجانب الأمني فحسب بل تمتد إلى المستقبل الاقتصادي والسياسي أيضا ، كما تريد إسرائيل من خلال استثمار تلك الزيارة أن تذكر نظام الأسد بأن الجولان باتت أرضا إسرائيلية واذا أراد الأسد أن يطبع مع إسرائيل فعليه أن يدرك أن ورقة الجولان باتت من الماضي ولا يمكن للأسد استخدامها للمقايضة أو الضغط.
اقرأ أيضا: الجولان.. إسرائيل تكشف حقل ألغام وتحمّل المسؤولية لـ”الأسد”
وكعرفان برد الجميل للأميركيين وعشية زيارة بومبيو، أقامت إسرائيل بيوتا مسبقة الصنع، في المكان الذي أعلنت فيه حكومة نتنياهو إنشاء مستوطنة تحمل اسم الرئيس الأميركي ترامب، في الجولان السوري المحتل بحسب صحيفة “مكور ريشون” الإسرائيلية التي أرفقت خبرها بصور لهذه البيوت مشيرة إلى أنها اختارت خمس عائلات من المستوطنين، للسكن في المستوطنة، من أصل 300 عائلة رشحت نفسها للاستيطان في المنطقة المحتلة.
هل يستفيد النظام من اعتراف أميركا بسيادة إسرائيل على الجولان؟
ومن جهة النظام فإنه لم يبد مواقف ذات معنى سياسي إزاء التطبيع العربي مع إسرائيل ولم يصدر بيانات إدانة على الرغم من أن المطبعين لم يأتوا في تصريحاتهم خلال اللقاءات مع الإسرائيليين على ذكر الجولان المحتل وكأنهم سلموا بأنه بات إسرائيليا، تماشيا مع قررته الولايات المتحدة، كما لم يبد النظام ردود فعل مباشرة إزاء القرار الأميركي وتأخر لبضعة أيام إطلاق تصريحاته اجتر فيها شعارات منهكة لمشاعر السوريين إزاء الجولان المحتل، بينما لم يجرؤ بشار الأسد سوى على تغيير بروفايل صفحة الرئاسة على الفيس بوك بوضع صورة جنديّ وتحتها عبارة تقول: إنّ “الحقّ الذي يغتصب يحرّر”.
إسرائيل تدعي اكتشاف حصن يعود لحقبة الملك داود في الجولان
اقرأ أيضا: خاص.. إيران تشرف على ألوية تابعة لـ قوات الأسد قرب الجولان
ويرى محللون إسرائيليون أن إعلان ترامب هو نتيجة مباشرة للحرب في سوريا ولسلوك بشار، وفيها ما يضمن مستقبل الوجود الإسرائيلي في الجولان أكثر من كل فعل أو تصريح لزعيم أجنبي، أو لزعيم إسرائيلي بحسب ما كتبه البروفيسور ايال زيسر في موقع إسرائيل اليوم.
ويضيف زيسر أن سوريا فقدت الجولان مرتين الأولى في حزيران 1967عندما كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع وقاد المنطقة إلى التدهور بسبب انعدام المسؤولية وخوضه الحرب التي جلبت على سوريا هزيمةً عسكريةً نكراء فقدت فيها الجولان، والمرة الثانية وقعت في آذار 2019 إذ إن حرب الإبادة التي شنها بشار الأسد ضد شعبه، أدت بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى إعلان الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
اقرأ أيضا: إسرائيل تداهم تحصينات قوات الأسد على خط التماس في الجولان
ويبدو أن النظام مستمر من أجل الحفاظ على كرسيه، في مساعيه كسب ود إسرائيل التي تعد صاحبة القرار في استمرار بقاء النظام لما لها من تأثير بحكم علاقاتها مع القوى الكبرى الفاعلة في القضية السورية ومن أبرزها الولايات المتحدة وروسيا، ما يجعله على استعداد لأن يقبل متطلبات إسرائيل ومن بينها ملف الجولان، ولا سيما أنها كانت طرفا أكثر فاعلية في اتفاق الجنوب السوري في العام 2018 بحسب ما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو آنذاك، وأيضا من خلال لقاء القدس الشهير الذي جمع مستشاري الأمن القومي لكل من الولايات المتحدة وروسيا إضافة إلى إسرائيل وأقر اتفاقا استراتيجيا حول سوريا بحسب ما أعلنه المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف .
إسرائيل تتلطى بغطاء عقائدي للسيطرة على المنطقة
البعد العقائدي الذي تعمل عليه إسرائيل يبرز واضحا من خلال الحديث عن حقها في الوجود في المنطقة بالاستناد إلى ما تقول إنه آثار الممالك الأجداد، أو ممالك أخرى كانت في تحالف مع ممالكها، كما في مملكة جيشور التي ادعى مدير أعمال التنقيب الإسرائيلي باراك تزين أنه تم العثور فيها على قطع أثرية تعود لتلك المملكة التي كانت على في علاقة تحالف مع ملكة داود وأيضا روابط عائلية مضيفا أن قلعة خسفين تشكل “ظاهرة ربما تكون أكثر انتشارا مما نعرف، الأبحاث في الجولان حتى الآن ليست على مستوى عال بدأنا للتو في إعادة اكتشاف الجولان”.
اقرأ أيضا: “غانتس” يحمّل نظام الأسد مسؤولية الألغام في الجولان المحتل
وتنطلق إسرائيل في محاولاتها إثبات وجودها تاريخيا في المنطقة من خلال علماء يعتبرون أن كتاب التوراة هو المصدر ويعملون من خلال التزوير على إثبات ما ورد فيه على أرض الواقع، وأن الحديث مؤخرا عن وجود مملكة جيشور هدفه إثبات وجود مملكة داود كما يقول الكاتب تيسير خلف.
ويضيف الكاتب خلف لموقع تلفزيون سوريا أن ما يتعلق باسم مملكة جيشور لم يعثر على دليل آثاري على هذا الاسم حتى الآن.. وثيقة الدليل الوحيد على هذا الاسم هي من الكتاب المقدس. علما أن آثار هذه المدينة عثر عليها في البطيحة على الضفة السورية من بحيرة طبريا قبل أكثر من ٣٠ عاما وهناك كتب كثيرة صدرت عن بعثات التنقيب فيها.. فما الجديد في الأمر حتى يعاد الإعلان عن اكتشافها من جديد؟؟ شيء غريب حقا.
اقرأ أيضا: الأمم المتحدة تؤكد سيادة سوريا على الجولان المحتل
وقال الكاتب خلف قبل أن يتحدث الإسرائيليون عن وجود مملكة جيشور عليهم أولا إيجاد دليل على وجود مملكة داود، فهم بين الحين والآخر يعلنون اكتشاف نقوش أو حجارة تدل على ذلك، إلا أن العلماء يثبتون أنها مزورة، فالإسرائيليون لديهم تاريخ طويل بالتزوير مشيرا إلى أن النقش الذي قالوا أنهم اكتشفوه في وقت سابق في منطقة تل القاضي بالجولان يدل على وجود مملكة داود، إلا أن العلماء أكدوا أنه مزور.
اقرأ أيضا: الحدود مع الجولان.. منطقة نفوذ إيرانية جديدة عبر وكلاء
تزوير إسرائيل لم ولن يتوقف عند حدود التاريخ، فهو يتسع جغرافيا، من خلال الإمساك بعلاقات مع حكومات عربية مزيفة هي الأخرى ولا تمثل شعوبها، وتتجاوز تطلعاتها في التحرر من الظلم والاستبداد، وامتلاك أراضيها وقرارها، وبالنسبة لمستقبل الجولان السوري المحتل لا يحدده اعتراف ترمب أو زيارة بومبيو بل موازين القوى التي لن تكون في صالح السوريين إلا بعد إسقاط نظام الأسد وبناء دولة القانون والديمقراطية في سوريا كما يقول الناشط السياسي من الجولان المحتل فوزي أبو جبل ناشط سياسي لموقع تلفزيون سوريا .
اقرأ أيضا: بعد التطبيع.. نبيذ الجولان المحتل في أسواق دبي
وإن كانت زيارة بومبيو إلى الجولان المحتل هي لتحقيق أهداف إسرائيل في عنوانين رئيسين هما تأكيد شرعنة وجودها في الجولان المحتل والضفة الغربية، وتكريس مسار التطبيع مع دول عربية، فإنها تشكل خرقا لقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد بأن الجولان هو سوري ولا شرعية لوجود الاحتلال فيه، ولن تستطيع إسرائيل من خلال تزوير آثارالمنطقة من إثبات ما تدعيه أي حق لها في الجولان حتى لو أخذت شرعية من الولايات المتحدة ودول عربية طبعت معها فتاريخ شعوب المنطقة يبقى الأكثر وضوحا.
المصدر : تلفزيون سوريا