فشلت “هيئة تحرير الشام” المسيطرة على محافظة إدلب شمال غربي سوريا في فتح معابر تجارية مع النظام السوري نتيجة ضغط الحراك الشعبي.
كما استطاعت الدوريات المشتركة الروسية- التركية التي نص عليها اتفاق “موسكو”، في آذار الماضي، بين روسيا وتركيا، السير على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4)، بدوريات مختصرة بين قريتي الترنبة والنيرب شرق إدلب، ثم أطالت مسافة سيرها لتصل إلى شرق جسر أريحا، رغم الضغط الشعبي التي اتُّهمت “الهيئة” بالوقوف خلفه عبر اعتصام “الكرامة”.
ويبدو أن الأحداث تسارعت بعكس ما تشتهي “الهيئة”، منذ الاشتباك بين عناصرها والقوات التركية على طريق “M4″، الذي أظهر جدية أنقرة بما تفعله على الأرض.
فشل بفتح المعابر وتبرير مرفوض من الأهالي
لم تستطع القوات الأمنية والعسكرية لـ”الهيئة” بعد الضغط على الأهالي، وتهديد الناشطين والصحفيين بالاعتقال، في أثناء وجودهم على الطريق بين بلدتي سراقب وسرمين، أن تفتح المعبر التجاري مع مناطق سيطرة النظام، في 18 من نيسان الماضي.
وقوبل قرار فتح المعبر برفض واستنكار وإصدار بيانات من قبل الهيئات المدنية الممثلة للمناطق في إدلب وحماة، كما دعا عدد من الناشطين إلى النزول والتظاهر سلميًا على الطريق احتجاجًا على افتتاح المعبر.
وتخوفت البيانات من انتقال جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما دفع “نقابة أطباء الشمال المحرر” للتحذير أيضًا من افتتاحه، معتبرة أنه خطر على “الأمن الصحي” في المنطقة.
وبررت “تحرير الشام” افتتاح المعبر بتراجع الحركة التجارية في محافظة إدلب، بعد الحملة العسكرية الأخيرة على مناطق شمال غربي سوريا، و”فقد عشرات الآلاف من الناس أعمالهم وأرزاقهم وأراضيهم”. كما قالت إن العديد من التجار طلبوا إعادة فتح المعبر التجاري عبر منطقة سرمين- سراقب، فالكتلة السكانية الكبيرة في محافظة إدلب “لا تعيش في جزيرة منقطعة عن سبل الحياة واحتياجاتها”.
وقال المسؤول في الإدارة العامة للمعابر، سعيد الأحمد، إن “المناطق المحررة تستورد بضائع من مناطق النظام بنسبة 5% مقابل 95% من تركيا”، في حين تصدّر مناطق الشمال السوري 50% من المنتجات الفائضة عن حاجتها إلى مناطق النظام السوري بنسبة 90%، وإلى تركيا بنسبة 10% فقط، معتبرًا أن “التصدير يعطي القدرة على الاستيراد، ولولا التصدير لعاش سكان المناطق المحررة على الإغاثة فقط والمساعدات”، وفي حال إغلاق المعابر وعدم البحث عن تصريف لمنتجات المنطقة، يعني تكدّس البضائع، ما سيدفع الناس للتوقف عن الإنتاج الزراعي.
ورغم التبرير، قوبل القرار برفض مواطنين فتح المعبر الجديد بين معارة النعسان وأرمناز بريف إدلب الشمالي الشرقي، بعدما أعلنت “الهيئة” عن افتتاحه للتبادل التجاري مع قوات النظام، في 30 من نيسان الماضي، ودخول عدد من الشاحنات التجارية عبره.
وتظاهر عدد من الأهالي والناشطين على الطريق الواصل بين البلدتين لمنع دخول وخروج الشاحنات، ما أدى إلى مقتل مدني برصاص عناصر “تحرير الشام”، وهو ما فاقم الغضب الشعبي الرافض لسياستها بفتح المعابر، وخرجت عدة مظاهرات في مدينة إدلب وأريافها، علّقت إثرها “الهيئة” فتح المعبر.
الدوريات المشتركة تطور نفسها وتسير إلى مسافات أطول
وجهت تركيا رسالة إلى الفصائل العسكرية الرافضة لتسيير الدوريات المشتركة، في 26 من نيسان الماضي، إذ ردت على استهداف قواتها بضرب مواقع إطلاق النار التي وُجهت إلى دبابة و”تركس” ومصفحة لنقل جنودها على طريق “M4”.
وسبق الاشتباك مقتل معتصمين برصاص الجيش التركي على الطريق خلال احتجاجهم على تسيير الدوريات.
وبعد الضربة استطاعت الدوريات السير لأول مرة، في 5 من أيار الحالي، مسافة أطول، ووصلت إلى أطراف بلدة مصيبين، وفي 7 من الشهر نفسه، استطاعت الدوريات الوصول إلى شرق جسر أريحا جنوب إدلب بـ300 متر وسط انتشار أمني تركي كثيف.
محاولات للعودة لم تنجح
أوضح الباحث في الجماعات الإسلامية عباس شريفة، في حديث سابق لعنب بلدي، أن منطقة إدلب كانت خاضعة بشكل كامل لـ”هيئة تحرير الشام”، ولكن بعد التدخل التركي ودخول “الجيش الوطني السوري” بدأت “الهيئة” تتوجس من انزياح مركز السيطرة من يدها لمصلحة اعتماد تركيا على “الجيش الوطني”، ووجدت “تحرير الشام” فرصتها بعد وقف إطلاق النار والحديث عن تسيير دوريات روسية- تركية مشتركة، وبدأت بتحريك أذرعها الخفية.
إذ أجرت “الهيئة” مع “حكومة الإنقاذ”، جولة على وجهاء القرى والمدن لإخراج مظاهرات مدنية ضد روسيا، تطالب بعودة المواطنين إلى ديارهم وترفض مرور الدوريات الروسية من طريق “M4″، وهذا “مطلب حق لا مشكلة فيه”، بحسب شريفة.
وكانت “تحرير الشام” اعتبرت في بيان لها، في آذار الماضي، أن الاتفاق التركي- الروسي لا يختلف عن سابقه من الاتفاقات، وأن روسيا ستنقضه.
وفي تحول يلخص موقف “الهيئة” من الدوريات التركية- الروسية على الطريق الدولي، انتقلت من دعم المعتصمين وحشدهم لرفض تسيير الدوريات، إلى منع حاجز لها وصولهم إلى الطريق.
لكن “الهيئة” بررت هذه الحادثة في بيان صدر، في 8 من أيار الحالي، قالت فيه إنها دعمت وباركت اعتصام الأهالي والناشطين والإعلاميين على الطريق الدولي.
وأضافت أنها “لم تمنع أحدًا من الذهاب للتعبير عن رأيه وموقفه ضد العدو”، وبررت ما حصل بأن “أحد الحواجز التابعة للهيئة منع بعض الأهالي من المرور من أحد الطرق المؤدية إلى الأوتوستراد، حيث تم تحويلهم إلى الطرق الأخرى لأسباب معتبرة لدى إدارة الحاجز، والطرق لا تزال مفتوحة”.
ووقّع الرئيسان، التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، اتفاق “موسكو”، في 5 من آذار الماضي، ويقضي بوقف إطلاق النار بعد حملات عسكرية للنظام السوري المدعوم روسيًا تمكّن خلالها من السيطرة على طريق دمشق- حلب (M5)، وبتسيير دوريات مشتركة على طريق اللاذقية- حلب (M4)، بينما تركت موسكو لأنقرة مهمة التعامل مع المنظمات التي تعتبرها “إرهابية” في إدلب، ومن بينها “هيئة تحرير الشام”.
المصدر : جريدة عنب بلدي