الأسباب التسعة لعدم انتصار الثورة السورية

ياسر أبو هلالة
19 مارس 2020

تدخل الثورة السورية عامها العاشر، ولا يزال الشعب السوري، بصمودٍ لم يعرفه التاريخ، يواصل صموده، والمجرم الوضيع بشار الأسد باقيا على كرسيه، ناكثا وعده: “الأسد أو نحرق البلد”، فقد أحرق البلد وبقي! في هذه العجالة، محاولة لرصد الأسباب التي أبقته، ومنعت الثورة من تحقيق أهدافها.
أولا، طبيعة النظام الطائفية. صحيح أن الثورة بدأت وطنية جامعة، ولم تتبنّ خطابا طائفيا، إلا أن النظام نجح، منذ اليوم الأول، مستغلا أخطاء لاحقة، في إقناع الطائفة بأنها تخوض صراع وجود، وأن بقاءها مرتبطٌ ببقاء النظام، وأن زوال النظام يعني تهجيرها وتقتيلها وانتهاك أعراضها. لذا وجد النظام من يقاتل دونه، إلى اليوم، وكأن القصر الجمهوري بيته الذي يضم نساءه وأطفاله.
ثانيا، إمكانات النظام العسكرية والأمنية، فمع أن نظام الأسد فشل في بناء الدولة، إلا أنه بنى منظومةً أمنيةً وعسكرية، قادرة على سحق السوريين، مع أنها عاجزةٌ عن الدفاع عن وطنهم أمام العدوان الخارجي، أو استعادة ما احتل من أرضهم. وتلك الإمكانات كمية، من حيث عدد المنتسبين، إضافة إلى الخبرة القمعية المتراكمة، والرعب التاريخي الذي سببته.
ثالثا، تشتت المعارضة السورية وغياب القيادة الجامعة لها، وهي لا تزال عاجزة عن تقديم أي قيادي أو هيئة قيادية يستطيع السوريون، ومن حالفهم، التعامل معها بديلا للنظام. منذ اليوم الأول، ظلت القيادات فصائلية وفئوية ومحلية ومناطقية، وحتى عندما تتقدّم لموقع قيادي عام تبقى أسيرة الحسابات المحلية التي لا ترقى إلى مستوى تمثيل الشعب السوري.
رابعا، الاحتلال الإيراني. على الرغم من كل عيوب المعارضة السورية وأخطائها، إلا أنها تمكنت من بسط سيطرتها على نحو 80% من الأراضي السورية. وليس هناك وصف لانهيار بشار الأسد أدق مما أورده القائد السابق للحرس الثوري الإيراني في سورية، الجنرال حسين همداني، في كتابه “نداء الأسماك”. فالجزار ابن الجزار “كان يبحث عن مهرب” لولا أن أقنعه همداني بالصمود. قتل همداني وهو يدافع عن نظام بشار الأسد، ولكن الحرس الثوري، بكل إمكاناته، وتسخير مقدّرات الدولة السورية تحت تصرفه، واحتلاله البلاد، إضافة إلى نفوذه السابق، لم يتمكّن من هزيمة الثورة.
خامسا، الاحتلال الروسي. لم ينجح الإيرانيون، بكل إمكاناتهم على الأرض، وما جلبوها من فصائل عراقية وأفغانية ولبنانية، في جعل النظام يصمد، فاضطر هذا إلى جلب الاحتلال الروسي بكل إمكاناته، سواء في فيتو مجلس الأمن أو في قدراته الجوية التدميرية، فضلا عن قدراته الاستخبارية واللوجستية.
سادسا، الدعم الصهيوني الخفي. اشتغل ذلك الدعم في منع وصول السلاح النوعي إلى المعارضة، وفي التأثير على الدوائر الأميركية والغربية، وإقناعها ببقاء بشار ضعيف أفضل من ديمقراطية تنتج نظاما معاديا لإسرائيل، أو فوضى تهدّد أمن حدودها التي يحرسها نظام الأسد منذ عام 1973.
سابعا، الدعم العربي الخفي لبشار. دول عربية كثيرة كانت تدعم النظام السوري سرا، كما تكشّف من الموقف الإماراتي أخيرا، والذي ظل يتظاهر بدعم الثورة والمشاركة في غرفة عمليات الموك. كما أن نظام عبد الفتاح السيسي زوده بالسلاح. وكذلك تغير الموقف السعودي لصالح النظام، بعد وصول محمد بن سلمان زعيم أمر واقع.
ثامنا، “داعش” والتنظيمات المتطرفة. صحيح أن هذه قاتلت النظام وأثخنت به، لكنها خدمته، بحيث نفّرت قطاعا واسعا من السوريين من الثورة، وجعلتهم، كما المجتمع الدولي، يرون في النظام بديلا أقل سوءا. لم يكن نظام الأسد يحلم بجائزة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وبات هذا التنظيم، موضوعيا، شريكا للمجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، بدلا من أن يحارب بوصفه نظاما إرهابيا لا يقل إجراما عن “داعش”.
تاسعا، موقف الرئيس الأميركي السابق، أوباما، المتردّد الذي تحول تواطؤا مع بشار الأسد، فمع أن الأميركان وصلوا، ومن حالفهم، إلى لحظة العمل العسكري ضد النظام، بعد استخدامه السلاح الكيماوي، إلا أن أوباما تردّد، وتمت محاسبة السلاح وتدميره، بدلا من محاسبة المجرم الذي استخدم السلاح.
بعد تسع سنوات، النتيجة تعادل، لا الشعب هُزم ولا النظام رحل. أُحرق البلد وبقي الأسد. يبقى الأمل أن عقد الثورة يتوج العام المقبل بانتصارها.

 

العربي الجديد