مع اقتراب موعد انعقاد اللقاء الأول لأعضاء اللجنة الدستورية، التي شُكلت بعد مفاوضات ماراثونية على مدى العامين الماضيين، في العاصمة السويسرية (جنيف)، في 29 و30 من الشهر الحالي، بدأت التحليلات والتساؤلات حول النتائج التي يمكن أن تخرج بها اللجنة، سواء تهيئة السياقات لبدء حل سياسي ينهي النزاع، وإجراء انتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة، أو الدخول مجددًا في أتون التجاذبات السياسية بين الدول ومحاولة كل لاعب فرض حل بما بتناسب مع مصالحه.
ويأتي انعقاد اللقاء الأول في ظل انقسام وشرخ سياسي بين النظام السوري والمعارضة، فرغم تأكيد كل طرف منهما أنه سيعمل من أجل إنجاح عمل اللجنة، يلقي فقدان الثقة بين الطرفين بالمسؤولية على الأمم المتحدة ورغبة الدول الداعمة لهما بالضغط باتجاه التوصل إلى توافق ما، وهو ما أشار إليه المبعوث الأممي، غير بيدرسون، مرارًا عبر لقاءاته وتصريحاته المتكررة بعد الإعلان عن تشكيل اللجنة.
المعارضة تتهيأ والنظام صامت
وشهد الأسبوع الماضي استنفارًا لـ”هيئة التفاوض العليا” المعارضة، قبل انطلاق عمل اللجنة، عبر عدة اجتماعات في العاصمة السعودية (الرياض)، بهدف “مناقشة الخيارات الدستورية التي أُنجزت من خلال اللجان الفرعية، وحسم تلك الخيارات للخروج برؤية ثورية موحدة حيال ما ينبغي فعله في أثناء اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف”، بحسب ما أعلنت “الهيئة” عبر حسابها في “تويتر”، في 6 من تشرين الأول الحالي.
كما نظمت “الهيئة” عدة ورشات لمناقشة مضامين دستورية لدراستها واقتراح المناسب بشأنها، وفقًا لقرار الأمم المتحدة 2254، واختارت عضو “الهيئة”، هادي البحرة، كرئيس مشترك (مع رئيس من جانب النظام لم يُسمَّ رسميًا بعد) في اللجنة الدستورية، إضافة إلى تسمية مرشحيها للجنة الصياغة (التي تتألف من 15 اسمًا) موزعين على منصات المعارضة (منصة موسكو والقاهرة وهيئة التنسيق الوطنية ومستقلين).
لكن في الجهة المقابلة خيم الصمت على استعداد النظام السوري لاجتماعات اللجنة الدستورية وغابت التغطيات الإعلامية عن أي تحضيرات بشأنها، إذ تركزت تغطية الإعلام الرسمي على التنديد بالعملية العسكرية التي شنتها تركيا ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، تحت اسم “نبع السلام” في منطقة شرق الفرات.
كما لم يعلن النظام عن أسماء اللجنة المصغرة، في حين نقلت صحيفة “الوطن”، المقربة من النظام، عن مصادر وصفتها بـ “المطلعة”، الخميس 17 من تشرين الأول الحالي، أنه تم اختيار عضو مجلس الشعب، أحمد الكزبري، رئيسًا مشاركًا للنظام في اللجنة الدستورية، إلى جانب اختيار الدكتورة أمل يازجي، رئيسة للوفد الممثل للنظام، وهو ما لم يؤكده مصدر رسمي.
تحركات سياسية تسبق اللجنة
ومع احتلال العملية العسكرية التركية في شرق الفرات الحيز الأكبر من الاهتمام السياسي للدول المعنية بالملف السوري، بدا واضحًا اهتمام روسيا باللجنة الدستورية قبل انعقادها، عبر إيفاد المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرينتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، إلى كل من إيران وتركيا ولقاء مسؤولين في البلدين.
كما التقى الوفد الروسي الرفيع المستوى في تركيا برئيس هيئة التفاوض العليا، نصر الحريري، ورئيس اللجنة المشترك، هادي البحرة، بحسب ما أعلنت الخارجية الروسية، الخميس الماضي، قبل التوجه إلى دمشق لعقد لقاء مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الجمعة 18 من تشرين الأول الحالي، بحسب ما أعلنت “رئاسة الجمهورية السورية” عبر “فيس بوك”.
وفي ضوء الترتيبات والاستعدادات لجلوس أعضاء اللجنة على طاولة واحدة، من المتوقع أن تثير نسبة التصويت على أي مادة من مواد الدستور من أجل تمريرها إشكالية، لأن أي مادة تحتاج إلى نسبة تصويت 75% أي ما يعادل 113 صوتًا من أجل إقرارها، بحسب القواعد الإجرائية.
وستكون نسبة التصويت عائقًا أمام إقرار أي مادة في الدستور، وهو ما أشار إليه رئيس “هيئة التفاوض”، نصر الحريري، الذي أكد في جلسة حوار مع إعلاميين سوريين حضرته عنب بلدي، الأربعاء 16 من تشرين الأول الحالي، في مدينة اسطنبول، أن “الهيئة” ضامنة لـ 75 صوتًا من أصل 150 اسمًا (عدد أعضاء اللجنة)، أي إنه سيكون بمقدور كل طرف من الطرفين إفشال تمرير أي مادة يحاول الطرف الآخر تمريرها.
وتحدث الحريري عن صعوبة الاتفاق بين أعضاء اللجنة، مؤكدًا أن إنجاح اللجنة متروك إلى الإرادة الدولية وعملية الضغط التي ستقوم بها الدول الداعمة للنظام، وخاصة روسيا، من أجل إنجاح العملية والتوصل إلى صياغة دستور جديد.
مرة أخرى يرتبط الحل السياسي في سوريا بإرادة الدول التي تسعى كل منها إلى إيجاد صيغة نهائية تحفظ فيها مصالحها، في حين لا يزال الشعب يعاني من النزاع وآثاره منذ ثماني سنوات دون بوادر للحل.
عنب بلدي