التاريخ الأسود للنظام السوري

  • في أواخر القرن الثامن عشر بدأت القوى العظمى وعلى رأسها البريطانية والفرنسية في استكمال مخططاتهما الإستراتيجية بالإجهاز على الخلافة العثمانية التي آلت للضعف وخسارتها الكثير أراضي الخلافة فكان التركيز الغربي على الشعوب العربية كجزء من المخطط بأن تكون الطعنة الأخيرة في خاصرة الخلافة لإسقاطها فكان الترويج القوي لفكرة القوميات حتى داخل الخلافة (كالقومية التركية وإيقاظها) وكذلك القومية العربية وذلك لفصل العرب المسلمين عن الخلافة العثمانية، فكان الاتجاه لإيجاد قيادة لذلك حيث اختير الشريف حسين القريشي الهاشمي في الحجاز بأن يكون قائداً لتلك المرحلة التاريخية الفاصلة ففي عام 1916 أعلن الشريف حسين الجهاد المقدس ضد الدولة العثمانية في عهد السلطان محمد رشاد الخامس واحتل جيشه منطقة الأردن وذلك باسم قوات الثورة العربية ثم زحف إلى دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسن 1918 فتشكلت الحكومة العربية برئاسة الفريق رضا باشا الركابي بموافقة الأمير فيصل وبعد فترة وجيزة تقسمت سوريا إلى ثلاث مناطق غربية تحت الإدارة الفرنسية وشرقية الأردن وجنوبية فلسطين التي وُضعت تحت الانتداب الفرنسي وكل ذلك حدث بعد تقسيم المنطقة باتفاقية سايكس بيكو عام 1916م بين فرنسا وبريطانيا وموافقة روسية وأمريكية .
  • وفي عام 1920م خضعت سوريا للانتداب الفرنسي لكن الشعب السوري انتفض وثار مباشرة عام 1921 وعام 1925 بالثورة السورية الكبرى واستمرت الثورات حتى عام 1942م إلى أن اختير الشيخ تاج الدين الحسيني رئيساً للجمهورية واعترف الحلفاء باستقلال سوريا وإثر وفاة الحسيني انتخب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية عام 1943م وفي عام 1945 طالبت الحكومة السورية فرنسا بالجلاء عن البلاد فرفضت فرنسا وقامت بقصف دمشق والمدن السورية الأخرى بالمدافع والطيران ومُثل بالمواطنين أبشع تمثيل واحتجت سوريا في مجلس الأمن وعرضت المشكلة في المجلس حتى تقرر منح سوريا الإستقلال في إبريل عام 1946م والذي أصبح العيد الوطني لسوريا ويوماً للاستقلال.
  • وفي عام 1947م أجريت انتخابات وأعيد انتخاب القوتلي بعد تعديل الدستور، وفي عام 1948م كانت الحرب في فلسطين والتي اشترك فيها الجيش السوري إلى جانب الجيوش العربية وخسر الحرب كغيره من الجيوش العربية وأدى ذلك إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية، فقام الانقلاب العسكري الأول بقيادة حسني الزعيم في مارس (1942م) واستولى على الجيش واعتقل السياسيين وأعلن نفسه رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء
  • ولم يستمر الانقلاب طويلاً فبعد أربعة أشهر حصل الانقلاب الثاني بزعامة سامي الحفاوي مؤيداً للإتحاد مع العراق غير أن إنقلابا ثالثاً في أواخر عام 1949 بقيادة فوزي سلو والعقيد أديب الشيشكلي الذي وقف ضد مشروع الإتحاد مع العراق واجتمعت الجمعية التأسيسية وتم انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية وشكل ناظم القدسي الوزارة وبعد عامين 1951م غير الشيشكلي الدستور وأصبح بموجبه رئيساً للجمهورية وهذا يعد الإنقلاب الرابع وبعد الإطاحة بالشيشكلي وإعادة هاشم الأتاسي جرت انتخابات نيابية ثم اختير ثانية شكري القوتلي رئيساً للجمهورية وذلك عام 1955 وكان حكماً نيابياً وفي ظل الحكم النيابي الذي وصف بالضعيف عادت الأحزاب التقليدية إلى الحكم وظهر منها حزب البعث والحزب الشيوعي وبدأ الطائفيون يتغلغلون في الحكم من خلال حزب البعث العربي الإشتراكي، وفي عام 1958 جاءت اتفاقية الوحدة مع مصر وأعلنت الجمهورية العربية المتحدة واختير عبد الناصر رئيساً لها وتنازل القوتلي عن منصبه ولكن لم تدم الوحدة طويلاً بسبب تعسف حكم عبد الناصر مع ضباطه وخاصة في الإقليم السوري والتمييز الواضح فكان الانفصال في 1961م بانقلاب عسكري بقيادة مأمون الكزبري وعبد الكريم النحلاوي وأنتخب ناظم القدسي رئيساً وحكومة برئاسة معروف الدواليبي وفي تلك الفترة ظهرت قوة البعثيين حيث أنهم أطاحوا بانقلاب على ناظم القدسي وذلك في 8 آذار عام 1963م برئاسة لؤي الأتاسي وزياد الحريري قائد الجبهة فأسندت رئاسة مجلس الثورة إلى لؤي الأتاسي ورئاسة الوزراء إلى صلاح البيطار الزعيم البعثي المعروف الذي قتله حافظ أسد في باريس فيما بعد، ثم جاء انقلاب البعثيين الآخرين من مجموعة نور الدين الأتاسي وحافظ أسد وصلاح جديد ويوسف زعين حيث تولى نور الدين الأتاسي رئاسة الجمهورية وهو لا يمكن أن يحرك ساكن آنذاك وعين الزعين رئيس الوزراء ولكن الجيش تركز على أبناء الطائفة النصيرية فعين صلاح جديد رئيساً للأركان وحافظ أسد وزيراً للدفاع وهو الشخص الأقوى والمدعوم من القوى العظمى الخفية والذي كان يحكم البلاد حقيقة من وراء الستار خلال الخمس سنوات قبل توليه الحكم بانقلابه العسكري وحيث أن حافظ أسد كانت مكافئته باستلام الرئاسة بعد تسليمه الجولان وانسحابه الطوعي في حرب الستة أيام عام 1967م إلى إسرائيل وبعد (النكسة) أدخل حافظ أسد طائفته بكل مفاصل الجيش والدولة وقام بتصفيته الضباط السنة وغيرهم من المفاصل المهمة ثم أنقض على الحكم بأكمله بانقلاب عسكري وخيانات كانت واضحة حتى عن أبناء جلدته مثل صلاح جديد وكان ذلك عام 1970 ثم قام بعدها بتصفية ما تبقى من الضباط والسياسيين والرموز والأحرار في كل دوائر الدولة العسكرية منها والمدنية وسمى ذلك بالحركة التصحيحية الذي ضلل بها بقية الشعب السوري وعندما استقرت له الأمور دخلت سوريا في عتمة التاريخ الموحشة وكيف قامت أجهزته الأمنية والتشكيلات العسكرية المجرمة والتي كانت لحمايته وحماية طائفته مثل سرايا الصراع وسرايا الدفاع بقيادة أخيه رفعت أسد الذي أشترك معه في كل المجازر والقمع والإرهاب قمعوا وأرهبوا كل الشعب السوري بسحق كل حر وأبي في البلاد وعاثوا في البلاد فساداً واستباحوا البلاد والعباد كان الأسد مدعوماً من القوى الخفية المناصرة لإسرائيل في الخفاء وكان داعماً أساسياً لإيران بحربها ضد العراق وضد كل الدول العربية وقام بحرب صورية وتمثيلية واضحة بحرب 73 ليصنع من شخصه بطلاً والتي أضاع فيها أجزاء من سوريا حكم على كل الشرفاء والأحرار بالموت

وأصدر حكماً بجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام ووصفهم بالخونة والعملاء لإسرائيل وقام بأكبر مجزرة في التاريخ في القرن الماضي عام 1982 مجزرة حماة التي سقط فيها ما يقارب خمسين ألف شهيد وقام بمجازر في حلب وجسر الشغور ودير الزور ودمشق وحمص وحوران وفي كل أرجاء سوريا، دخل محتلاً للبنان عام 1975 ولأكثر من 25 عام وأذاق الناس هناك كل أنواع الاضطهاد والفتن، قام بضرب حركة المقاومة الفلسطينية وكذلك الشعب الفلسطيني الأعزل بمخيماته، دمر تل الزعتر وذهب أكثر من 25 ألف فلسطيني ضحية الهجوم حيث كان تل الزعتر معقل قوي للمقاومة الفلسطينية دمر المخيم بأكمله قام بمجازر مروعة في صبرا وشاتيلا إلى جانب الجيش الإسرائيلي وقف مع التحالف الدولي ضد العراق عام 1991 استنزف دول الخليج بإدعائه الصمود والتصدي، قام باغتيال شخصيات دينية وسياسية سورية وعربية، وهذا جزء يسير من التاريخ الأسود لحاكم ادعى بأنه عربي سوري إلى أن تسلم ابنه بعد موته الحكم بمؤامرة حيكت مع أذناب السلطة والوصوليون إلى تثبيت بشار بدون أي قاعدة قانونية أو أي انتخابات كان ذلك بالإجبار وتغيير القواعد الدستورية بالبلاد لتثبيته على سدة الحكم حيث أن عمره لا يدرج ضمن القانون السوري فاستمر بشار أسد باستعباده للشعب السوري بأدواته الإستخباراتية والفساد العائلي والطائفي الذي استشرى بشكل كبير جداً إلى أن جاءت الثورة السورية وانتفاضة الشعب الأعزل مطالباً بالحرية والكرامة في 18/3/2011 وما آلت له البلاد من القمع والقتل والتعذيب بجلب بشار أسد لكل قوى الظلم والإستعمار من إيران وروسيا وميليشيات مرتزقة من كل مكان وتأجيج حرب طائفية بلا هواده كان يقودها نظام الأسد فدمر الإنسان والحجر والشجر وما أنتجه من إرهاب دولي منظم ومازال الأمر مستمر , وكذلك ستبقى الثورة مستمرة حتى تنتهي عهود الظلم والطغيان والاستبداد وتدحر قوى الشر في المنطقة لتعيد للشعب السوري حريته وكرامته ومواطنته المسلوبة .

دكتور / بسام خليف الطائي

باحث في علم التراث المعماري العربي والإسلامي