يفتقر النازحون إلى الكثير في مخيّمات الشمال السوري، وتتشابه احتياجاتهم وإن اختلف بعضها من حين إلى آخر. وتأتي الأحوال الجوية في فصل الشتاء لتضاعف حاجة هؤلاء ومعاناتهم، في ظلّ ضعف الاستجابة.
تتصدّر مواد التدفئة والخيام والأغذية قوائم احتياجات النازحين في مخيّمات شمال غربي سورية، المنظّمة منها أو العشوائية، إذ إنّ قاطني هذه المخيّمات يعيشون ظروفاً استثنائية وواقعاً صعباً في ظل شبه انعدام فرص العمل وعدم القدرة على توفير مداخيل. ويقول ماجد المحمد مدير “مخيّم الراعي” الواقع شمالي مدينة معرّة مصرين في ريف محافظة إدلب الشمالي لـ”العربي الجديد” إنّ “الناس هنا في المخيّم، بأغلبهم، تركوا أراضيهم ومصادر أرزاقهم، مع العلم أنّ فرص العمل هنا قليلة جداً والبطالة مرتفعة جداً. بالتالي، صار هؤلاء في حاجة إلى كلّ شيء. ومهما يُقدَّم لهم، يبقوا في حاجة إلى المزيد”.
يضيف المحمد أنّ “ثمّة منظمات تعمل في المخيّم وقد قدّمت لنا خياماً، فمعظم المتوفّر منها هنا مهترئ ولن يصمد شهرَين أو ثلاثة في ظلّ الأحوال الجوية السيئة”. ويلفت المحمد إلى أنّ “أبرز احتياجات المخيّم هي السلّة الغذائية الشهرية والتغطية الطبية والتعليم وفرص العمل”، مشدداً على أنّ “المشاريع الخاصة بتشغيل الشباب تبقى من أهمّ الاحتياجات”.
من جهتها، تتحدّث نورية العلي وهي نازحة من قرية سنجار في ريف حماة الشمالي وتقيم حالياً في هذا المخيّم، عن واقعها وواقع أفراد أسرتها وما يحتاجونه. فتخبر “العربي الجديد”: “نحن عشرة أشخاص نقيم في خيمة من النايلون، ولا نملك الحطب ولا العوازل”، لافتة إلى أنّ “العودة إلى بلدتنا أشرف لنا، فنحن هنا نحتاج كلّ شيء… التدفئة والخبز والأرزّ والبرغل”.
وتفيد دراسة أعدّتها منظمة “الدفاع المدني السوري” شملت 192 مخيّماً ونُشرت نتائجها في 27 يناير/ كانون الثاني الجاري، بأنّ فصل شتاء العام الفائت خلّف أضراراً في 160 مخيّماً، بنسبة 83 في المائة من العيّنة، وقد أعيد السبب إلى إنشاء النازحين أنفسهم مخيمات عشوائية كثيرة “من دون أيّ تخطيط أو مرافق وبنى تحتية ومن دون دراسة حول طبيعة الأرض، ما يجعل هذه المخيّمات عرضة لكثير من المخاطر”. واستعرضت الدراسة الصعوبات التي تعرّضت لها المخيّمات المشمولة بها، فأشارت إلى أنّ الفيضانات أغرقت 81 في المائة منها، وقد عانت 78 في المائة منها من عدم توفّر وسائل تدفئة، فيما تشكّلت مستنقعات ووحول في 69 في المائة منها نتيجة سوء حالة الطرقات والأرصفة. كذلك سُجّل في 66 في المائة من المخيّمات تمزّق للخيام واقتلاع أعداد منها نتيجة الرياح العاتية والأمطار، في حين تعرّضت 40 في المائة لصعوبات نتيجة عدم قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إليها بسبب سوء حالة الطرقات المؤدية إلى المخيّمات.
وبحسب دراسة “الدفاع المدني السوري” نفسها، بلغت نسبة عمليات الاستجابة الإنسانية في المخيّمات المشمولة بها 40 في المائة، وقد تعرّض 64 مخيّماً لحوادث وصعوبات فيما لم يُسجَّل تدخّل لمساعدة النازحين في 96 مخيّماً، أي بنسبة 60 في المائة. أمّا التدخّل الأبرز في 70 في المائة من المخيّمات ارتبط بفتح مسارب لتصريف مياه الأمطار، كذلك فُرشت الطرقات بالرمل والحصى في 20 في المائة من المخيّمات، ونُصبت خيم ووضعت عوازل في تسعة في المائة منها، وأُجلي مدنيون في تسعة في المائة من المخيّمات، بالإضافة إلى سحب سيارات وتوفير وقود في ثلاثة في المائة منها. وتَبيّن كذلك من خلال الدراسة نفسها أنّ التدخّل اقتصر على 42 في المائة من المخيّمات المشمولة بها في الوقت الذي لم يسجّل فيه أيّ تدخّل لحلّ المشكلات في 37 مخيّماً، 18 مخيّماً منها في ناحية معرّة مصرين في ريف إدلب و12 في ناحية الدانا شمال غربي إدلب، وبقيت المشكلة الكبرى والتي لم تُحَلّ في معظم النواحي هي فتح مسارب لتصريف المياه.
أمّا الاحتياجات الأساسية للمخميّات المشمولة بالدراسة، فكانت فرش الطرقات بالحصى ورصفها بنسبة 59 في المائة من المخيّمات، بالإضافة إلى حفر قنوات للصرف الصحي تحتاجها 44 في المائة من المخيّمات، فيما تحتاج 23 في المائة من المخيّمات إلى وسائل تدفئة وإلى استبدال الخيام الحالية بأخرى جديدة وتوفير عوازل وبناء كتل إسمنتية وتجهيز قواعد وأسقف إسمنتية للخيام بنسب متفاوتة. كذلك ثمّة احتياجات في مجال الصرف الصحي، وفي إنشاء مسارب لتصريف مياه الأمطار وطرقات مرصوفة، وتوفير ألواح طاقة شمسية.
وأوضح القائمون على الدراسة أنّ الخدمات التي نفّذها “الدفاع المدني السوري” في المدّة المذكورة بلغت 61 ألف عملية خدمية في كلّ مخيّمات الشمال السوري، من بينها 32 ألف عملية خدمية تتعلق بالبنى التحتية في المخيّمات، بالإضافة إلى أكثر من 17 ألف عملية تعقيم، وخدمات أخرى.
والدراسة شملت 179 مخيّماً منظماً و13 مخيّماً عشوائياً موزّعة على 45 قرية وبلدة في شمال غرب سورية، علماً أنّ العدد الأكبر من تلك المخيّمات (102 مخيّماً) كان في ناحية الدانا نظراً إلى احتوائها على العدد الأكبر من المخيّمات في المنطقة. وتمّت الدراسة وفق محدّدات، منها نوع مكان الإيواء في تلك المخيّمات والتي شملت 68 ألف وحدة سكنية شكّلت خيم القماش 51 في المائة منها، فيما 43 في المائة من الخيام ذات جدران إسمنتية مسقوفة بعوازل مطرية، لتمثّل منازل الإسمنت ثلاثة في المائة والكرفانات واحدا في المائة. ومن تلك المحدّدات نوع ملكيّة الأرض التي أُقيمت عليها المخيّمات، ومساحة المخيّمات، وعدد الأفراد فيها، وبالتالي حصّة كلّ فرد من المساحة.
وقد قدّمت دراسة “الدفاع المدني السوري” ستّ توصيات: تقديم الخدمات ومعالجة المشكلات إذ ما يُقدَّم لا يرتقي إلى المستوى المطلوب كون عدد الثغرات كبيرا، بالإضافة إلى ضرورة التوجّه نحو المخيّمات العشوائية ومحاولة تنظيمها قدر المستطاع لأنّها ما زالت الأكثر عرضة للكوارث والمخاطر في فصل الشتاء، ومحاولة تنظيم البنى التحتية في المخيّمات العشوائية من خلال حفر قنوات الصرف الصحي ورصف الطرقات بطرق تخصصية، وتزويد المخيّمات بالحمّامات ودورات المياه حرصاً على تأمين النظافة العامة ومنع انتشار مزيد من الأمراض والأوبئة خصوصاً في ظلّ انتشار فيروس كورونا الجديد، ومراعاة المعايير الإنسانية في تأمين متطلبات الفئات المستضعفة من نساء وأطفال ضمن المجتمع لجهة توفير دورات مياه وحمّامات خاصة بها، كذلك لا بدّ من قياس أثر المشاريع المنفّذة في المخيّمات من قبل جهات مختصة لتقدير مدى فائدة هذه المشاريع وأثرها الإيجابي.
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد مخيّمات النازحين في شمال غربي سورية بلغ 1489 مخيّماً يسكنها نحو مليون ونصف مليون نازح، من بينها 452 مخيما عشوائياً. وتتعرّض المخيّمات للتقلّبات المناخية الطبيعية، وقد ألحق هطول الأمطار أضراراً بـ537 مخيّماً ودمّر 3187 خيمة.
تلفزيون سوريا