نقل موقع الإذاعة العامة الأميركية “آن بي آر” قصة مؤثرة لمواطن أميركي كان محتجزا في سجون النظام السوري لأكثر من ثلاثة أعوام، ومرافقته لسجين بريطاني كان معه في المعتقل، تدور القصة حول المصور الصحفي “كيفن داوز” الذي تم احتجازه عام 2012، حيث كان النظام السوري ينكر حبس مواطنين أجانب خلال تلك الفترة.
وتصدر داوز عناوين الأخبار بعد 3 سنوات ونصف، من إطلاق سراحه بمساعدة روسيا، حيث أنه نجا بينما الكثير من الأجانب واجهوا نهاية مروعة في سوريا، واعتقل نظام الأسد، آلاف الأجانب دون اعتراف رسمي و”أخفاهم” في غرف التعذيب في سجون البلاد.
ولم يتحدث داوز عن محنته حتى الآن، وتقول إذاعة “آن بي آر” التي كشفت أن “قصته في الواقع تتمحور حول قصة رجلين التقيا في سجن سيء السمعة في دمشق، وحول الاتفاق الذي أبرماه”، ولم يعترف النظام السوري باحتجاز داوز حتى أعلن سجين آخر، وهو جراح عظام بريطاني، يدعى عباس خان، أن أميركيا محتجز في الظلام.
وبعد خمس سنوات من إطلاق سراحه بدأ داوز في اتخاذ إجراءات قانونية ضد النظام السوري بسبب سجنه وسوء معاملته، وبعد الإفراج عن داوز، في إبريل 2016، لم يُعرف عن سوريا أنها أطلقت سراح سجناء أميركيين إضافيين أو اعترفت باحتجاز أي منهم.
عندما اتصلت به إذاعة “آن بي آر” قبل بضعة أسابيع في سان فرانسيسكو، أجاب داوز البالغ من العمر 39 عامًا من سيارته في موقف للسيارات، يقول إنه كان بلا مأوى على مدى السنوات الثلاث الماضية ويعاني من الآثار الجسدية والعقلية للتعذيب المروع، الذي تعرض له في سجون سوريا.
ويضيف “أعاني من تلف دائم في الأعصاب في قدم واحدة على الأقل وفي معصمي، لا أعرف، لكن كل شيء يبدو أصعب”، وفي تفاصيل قصة اتفاقه مه الجراح البريطاني، عباس خان، عندما احتجزا في شتاء 2012، في مركز تابع للمخابرات العسكرية السورية يُعرف باسم “الفرع 235، أو فرع فلسطين، يقول داوز إن زنزانتيهما كانتا متجاورتين تحت الأرض، ولا يوجد ضوء نهار. كان يسمع فقط معاملة خان بوحشية. يقول: “كانوا يرشونه بالماء الساخن ويضربونه”.
في عام 2011، انجذب الرجلان إلى إلحاح موجة الربيع العربي من الاحتجاجات والانتفاضات ضد الحكام المستبدين التي اجتاحت الشرق الأوسط، وأراد خان “إحداث فرق”، وفقا لما قالته شقيقته سارة، من منزلها في لندن.
كان شقيقها، الذي كان يبلغ من العمر 30 عامًا، وأب لطفلين، قد أنهى مؤخرًا تدريبه الطبي في King’s College London، حيث تأثر بالأزمة الطبية التي شهدها أطفال سوريا الجرحى، فقرر الذهاب للمساعدة وتقول سارة: “لقد خرج في أغسطس 2012 للعمل في المستشفيات الميدانية على الحدود التركية، لقد كان متحمسًا للغاية”.
وبحلول نوفمبر من نفس العام، عبر خان إلى سوريا، للعمل في مستشفى ميداني للمعارضة قرب حلب، وتتذكر أخته: “لقد دخل في 20 نوفمبر، وتم اعتقاله في 22 نوفمبر، ولكن خلال تلك الساعات الـ 48، أعتقد أنه عمل في أربعة مستشفيات ميدانية مختلفة وأجرى أكثر من 20 عملية جراحية”.
في المقابل، بدأت رحلة داوز قبل عام في ليبيا، حيث انضم إلى مجموعة من الصحفيين المستقلين والمسعفين، ويقول: “اعتقدتُ أنني سأحضر مع كاميرا وأذهب إلى جميع الأماكن التي لم يزرها أحد، في الواقع وجدت أنني أستطيع ذلك”، قبل أن يضيف “لقد خرقت العديد من القواعد ولم أكن محبوبًا”.
كان الصحفيون المحترفون حذرين منه، يرتدون زي المعركة والنظارات الشمسية الملتفة، وعندما انتقلت وسائل الإعلام الغربية من ليبيا إلى سوريا، انتقل داوز أيضًا، وفي أكتوبر 2012، عبر إلى شمال غرب سوريا، حاملاً خوذة وسترة واقية من الرصاص وإمدادات طبية وأملا لا أساس له أن حظه سيجعله يقوم بعمل لافت.
وبعد فترة وجيزة، تم القبض عليه من قبل الموالين للنظام السوري عند نقطة تفتيش، قال إنه كان مقيّد الرأس واليدين ونُقل بسرعة إلى سجن في العاصمة السورية حيث كانت استجواباته مستمرة وقاسية، وكان مستجوبوه يقولون له إنه تابع لوكالة المخابرات المركزية، يقول داوز قبل أن يضيف “كانوا يصيحون ويضربوني” ثم كشف أنه سمع نفس المعاملة عندما وصل خان إلى الزنزانة المجاورة له.
ونشأت بين الإثنين علاقة صداقة وثيقة، رغم أنه لم يكن باستطاعتهما إلا الهمس في الظلام، ويقول داوز إنهما انهمكا في عقد اتفاق بينهما مفاده “من يخرج أولاً يتحدث عن الشخص الذي ترك وراءه”، ويضيف “كما ترى، كان السوريون يخفون حقيقة أنهم كانوا يحتجزونني”.
وعندما حصل خان على الفرصة الأولى ليخبر العالم الخارجي عن كيفن داوز، فعل ذلك، وهو أمر يسر داوز كثيرا وفق موقع إذاعة “آن بي آر”، وأوفى عباس خان على عهده، إذ أخبر عائلته التي نجحت في الاتصال به عن الأسير الأميركي في الزنزانة المجاورة وحث على تنبيه المسؤولين الأميركيين حول ذلك.
تقول شقيقته سارة: “تلقينا مكالمة من مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد ذلك بوقت قصير وأخبرناهم بما نعرفه”، ومباشرة بعد أن افتضح أمر اعتقاله، تحسنت معاملة داوز في السجن، وتوقفت جلسات التعذيب اليومية، وفق ما ذكره موقع الإذاعة الأميركية.
ويقول داوز: “لقد وضعوني في زنزانة مضاءة على عكس الزنزانة السوداء المليئة بالقمل التي كنت محتجزًا فيها حتى ذلك الحين” ثم تابع “أنا مدين لعباس بالكثير”، في المقابل، ازدادت معاملة السجانين التابعين للنظام السوري لخان سوءا، حيث تروي شقيقته سارة أن والدته دُعيت إلى دمشق في ديسمبر 2013.
وأسرّ الأم ذلك الخبر، حيث اعتقدت أنه سيتم إطلاق سراح ابنها في النهاية، قبل أن يخرج عليها ضابط سوري ويقول لها: “أريد أن أقدم لك تعازيّ”، وزعم مسؤولو الحكومة السورية أن خان كان مكتئباً وشنق نفسه، وهو أمر لا يصدقه داوز، الذي يقول: “في هذه الزنازين، لم تكن هناك أي طريقة لشنق نفسك، ولا حتى أي شيء لتشنق نفسك عليه” ثم تابع “لم يكن لديه سبب للانتحار، كان ذاهبًا إلى المنزل”.
وتم إرسال جثة خان إلى لبنان ثم شُحنت في النهاية إلى بريطانيا، وفي أكتوبر 2014، عقب تحقيق بريطاني رسمي، وفقًا لتقارير إخبارية بريطانية، قالت هيئة محلفين إنه لا يمكن التأكد من السبب الطبي للوفاة، لكنها خلصت إلى أن “الدكتور خان قُتل عمداً دون أي مبرر قانوني”.
وفي ربيع عام 2016، شكرت وزارة الخارجية الأميركية، روسيا، علنًا على مساعدتها في إطلاق سراح داوز ، بينما وبّخت الحكومة الروسية، الداعمة لنظام الأسد، داوز في بيان لها “لدخوله سوريا بطريقة غير شرعية” وحذرته من العودة، قائلة: “نأمل ألا يضع نفسه في موقف مماثل مرة أخرى”، وفق موقع “الحرة” الذي نشر التقرير.
شبكة شام الإخبارية