سيد “بيدرسن”، التزم بولايتك ونفّذ مهمتك!

بالأمس، وقف المبعوث الدولي للقضية السورية “غير بيدرسن” على باب قادة ميليشيات إيران وحرسها الثوري العابثين في سوريا، والأمل يحدوه بأن طهران ستساعده في مهمته للحصول على موافقة لزيارة فيصل مقداد في دمشق؛ علّ “نظام الأسد يرضى” بمشروع (الخطوة بخطوة) لإيجاد حل للقضية السورية المستعصية.

ويبدو أنه لم يبق أمام “بيدرسن” إلا “حسن نصر الله”، ليزجّ به طرفاً في مهمته! فها هو يقلّد إدخال روسيا لإيران كـ “ضامن” لما سُمي “خفض التصعيد” كبديل لـ “وقف شامل لإطلاق النار في سوريا” حسب القرار الدولي، عندما يزج بإيران كوسيط في الحل الدولي. وليس خفياً أن الرجل على درجة من “الذكاء الخبيث” ليعرف أن إيران بالنسبة للحل السياسي أكثر عرقلةً من منظومة الاستبداد في دمشق. ولكن -ضمن عُزلة إيران كدولة مارقة تسيطر على أربع عواصم عربية بمخططاتها الخبيثة الإجرامية- رأى ربما بدء مشروعه في “الخطوة بخطوة” من إيران؛ فيقدِّم لها رشوة واهتماماً خاصاً من الأمم المتحدة، كمبعوث لها، ويدخلها في قضية ذات اهتمام وقيمة عالمية!

رحلته القادمة ربما تكون إلى تل أبيب ليطلب من قادتها، الذين أسهموا في الحريق السوري أكثر من أي جهة أخرى؛ تسهيل مهمته. وغداً سنراه ربما يلتقي مع مصنعي “الكبتاغون” ومروجيه في سوريا الأسد ومصدريه للعالم، كي يتدخلوا لدى ماهر الأسد، كي يضغط قليلاً على أخيه، للسماح له بزيارة جديدة واللقاء مع “نساء سوريا” كداعم مُسرٍ لجهوده.

في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، يبشرنا السيد “غير” بأن المعاناة السورية لا تزال على أشدها والعنف في كل مكان: ضربات جوية، عبوات، قصف، حوادث أمنية، عداء، مخدرات، داعش، فقر، خراب… إلخ. ولكن كل ذلك يطرحه بصيغة “المبني للمجهول”؛ تماماً كما في إحاطاته السابقة بخصوص المفاوضات، “الفاعل مجهول”؛ أي مَن يعرقل، غير محدد. وهنا يسعف نفسه بالقول إنه مجرد “ميسّر”، دون أن يكون ناطقاً بالحق لجهة مَن يعرقل ويرفض بالاسم؛ وبالطبع كل ذلك تحت يافطة الكياسة والدبلوماسية، كي لا يُجَفِّل “النظام”؛ وتخرب مهمته كمبعوث.

يعرف السيد المبعوث كم يعني إعادة إحياء شبح (داعش) للنظام وإيران وروسيا وقسد؛ كي تستمر الأسطوانة الأساسية في “محاربة الإرهاب”

يعرف السيد المبعوث كم يعني إعادة إحياء شبح (داعش) للنظام وإيران وروسيا وقسد؛ كي تستمر الأسطوانة الأساسية في “محاربة الإرهاب”، كذريعة لاستمرار المأساة السورية. ونعذره ها هنا إذا لم يبح بعلاقات داعش العضوية بالاطراف المذكورة أعلاه. ولكن الحديث عن هذا الشبح يحتل نسبة لا بأس بها من إحاطته “الإرعابية” لأعضاء المجلس. وغايته أن يعرفوا في أي بيئة خطيرة يعمل؛ وكم هو ضروري ومهم استمراره في حقل الألغام هذا!

في النقطة الثالثة من إحاطته، يورد السيد المبعوث إحصاءات سورية بالملايين للنازحين، والفقراء، والخيام، والمعتقلين، والمفقودين، والمغيبين؛ ويأتي على ذكر العمليات الإجرامية، و”الكبتاغون”، وتمزيق البلد، وطالبي الخروج من ذاك الجحيم؛ ولكنه لا يذكر كلمة حول الفاعل والمتسبب بكل هذه الكوارث؛ وكأنه يراها أقداراً تقع.

كانت الفقرات 8 و9 و10 هي الأخطر في إحاطة السيد بيدرسن الأخيرة، حيث قدّم ملامح مشروعه “الخطوة بخطوة” أمام مجلس الأمن، آملاً إضفاء الصفة الرسمية أو “القانونية” أو “الشرعية” عليه. وأتى ذلك باستخدام عبارة جذابة سمّاها “إجراءات بناء ثقة”، أي أن يتم تقديم الأطراف لبعضها البعض ما هو مفيد وجذّاب، كي يكون هناك حل أو ممر تمهيدي لحل سياسي. ولـ “حسن نيته” و”إخلاصه” لمهمته المقدسة كمبعوث لأشرف قضية في عصرنا الحديث، لم يذكر تلك الأطراف بالتحديد؛ ولكن هناك “طرف” واضح وهو “نظام الأسد وحلفاؤه”، وما يجب أن يُقدَّم لهم فرادى ومجتمعين؛ وما يمكن أن يقدموه -وخاصة “النظام”- لبقية العالم، وللكثير من الأطراف؛ حيث أضحت علاقتهم مع العالم وليس مع أهل سوريا ومعارضتهم، المكلف السيد “بيدرسن” بإيجاد حل لقضيتهم.

تحدث بيدرسن عن “العطاءات” المتوقعة من النظام دون أن يسميه: المعتقلين -البيئة الآمنة لعودة اللاجئين- وبعض الدبلوماسية؛ ومقابل ذلك يحصل من العالم على: مساعدات اقتصادية- رفع مقاطعة- تعافٍ مبكر- واستعادة سوريا لوحدة أراضيها وسيادتها فقط. وذكر في مقابلة له أنه ما من خلافات استراتيجية بين أميركا وروسيا حول سوريا.

في الظاهر، مَنْ ذاك الذي لا يريد هذه الخطوات والأهداف النبيلة كإطلاق سراح المعتقلين، أو وقف القتل والدمار، أو عودة اللاجئين، أو الأمان والخلاص من العقوبات، أو استعادة سوريا لسيادتها ووحدة أراضيها؟ ولكن إذا بعد كل هذه السنين، وهذه المحاولات لتحقيق أيٍ من هذه الأهداف النبيلة؛ لم يتحقق أي شيء مِن هذا، ولم يُقْدِم النظام على أي منها؛ بل حرص على اشتعالها المستمر؛ فأي هدف لـ بيدرسن من طرحها إلا إعادة لتأهيل منظومة الاستبداد، ومسح جرائمها، والدعس على قرارات الأمم المتحدة، التي تنص على اعتبار معظمها أموراً مسلماً بها، أو فوق تفاوضية؟

أليس هذا ذراً للرماد في العيون من قبل مَن هو مؤتمن ومكلف بولاية تتضمن التطبيق الحرفي للقرار الدولي 2254 دون لف أو دوران؟ من جانب آخر، أشكُّ جداً بالتفاهم الروسي- الأميركي الذي يتحدث عنه في مقابلته؛ فالمؤشرات لا تشي بذلك.

أخجل من التذكير بسخف قيام الرجل بزفِّ “خبر سعيد” للمجلس بأنه على موعد مع ما سمّاه “المجلس الاستشاري لنساء سوريا”؛ وكأن بوابة سماء الحل في سوريا قد فتحت. وليعلم السيد بيدرسن أن نساء سوريا لسنَ “بلطجيات النظام”. سيد “بيدرسن”؛ إنهن مَن أخذت سوريا اسمها منهنَّ، إنهن نساء المخيمات، وأمهات الشهداء، ومن يحملن عائلات قتل الأسد شبابها؛ إنهن ضحايا مَن تُستَخدَم كأداة لإعادة تعويمه؛ هنَّ الشور والمشورة وبذرة عودة سوريا إلى الحياة.

 سيد “بيدرسن” لا تزال توصّف مشروعك الجديد بـ “العصف الذهني”؛ وتقول إنك ستسعى لإقناع فيصل المقداد به؛ ولكن عليك أن تعلم، ورسمياً بأن صوت ملايين السوريين يقول لك: توقف سيد “غير بيدرسن” عن الهروب من العجز والفشل. نذكّرك بأن جوهر مهمة المبعوث الدولي حماية قرارات ومقاصد الأمم المتحدة، وليس إيجاد المخارج للمجرمين وحُماتهم للتخلص من أعباء التزاماتهم في تنفيذ قرارات مجلس الأمن. لا تسهم بمسح الجريمة! لا تشترك بتضييع حق السوريين! نَفّذْ مهمتك حسب الولاية التي مُنحَت لك! اسأل مجلس الأمن الذي تقدم إحاطتك أمامه: هل تريدون تطبيق القرار 2254  حرفياً، وبكل بنوده؟ وإن كان جوابهم بالإيجاب، تقدم بخطة تنفيذية للتطبيق. عندها فقط، تدخل التاريخ كمساهم بحل أعقد وأشرف قضية؛ وإلا دخولك سيكون إلى مكان آخر.