في ظلّ المؤشرات التي توحي بأن قطار التطبيع العربي مع النظام السوري يسير بسرعة، لا سيما بعد التطبيع شبه الكامل للإمارات والأردن مع هذا النظام، برز الموقف القطري أول من أمس ليشير إلى رفض التطبيع وإعادة العلاقات مع النظام، وربط ذلك بإنجاز الحلّ السياسي وفق الصيغ التي حددتها الأمم المتحدة، مع إشراك المعارضة في هذا الحل، فيما أعادت الولايات المتحدة التذكير بأنها لم ترفع العقوبات عن النظام السوري.
وبالنسبة لقطر، فقد جدّد وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رفض بلاده لإعادة العلاقات مع نظام دمشق، إذ أعرب أول من أمس الجمعة عن أمله في وقف تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، وذلك في تصريحات له عقب زيارة نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق يوم الثلاثاء الماضي. وجاءت تصريحات الوزير القطري خلال مؤتمر صحافي جمعه بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن في ختام محادثات جرت بينهما في واشنطن. ورد على سؤال بشأن زيارة عبد الله بن زايد، بقوله إن قطر “لا تدرس تطبيع العلاقات مع سورية، وتأمل في عدم تشجيع الدول الأخرى على اتخاذ المزيد من الخطوات مع الأسد”، مؤكداً أن بلاده لا تزال ترى وجوب محاسبة الأخير على جرائمه.
حسام زكي: قرار عودة سورية إلى الجامعة يؤخذ بالتوافق
مع العلم أن وزير الخارجية القطري كان قد أكد في مارس/آذار الماضي عقب محادثات ثلاثية جمعته بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والتركي مولود جاووش أوغلو في الدوحة، أن الأسباب التي أدت إلى خروج سورية من جامعة الدولة العربية ما زالت قائمة، متمنياً حدوث تقدم سياسي في سورية لأنه السبيل الأسلم لعودتها إلى الجامعة.
وإذ تسجل تصريحات آل ثاني حسماً للموقف القطري حيال المسألة، كان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قد أعلن في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، حين أكد أن بلاده لا تفكر في التعامل مع رئيس النظام السوري في الوقت الحالي، مضيفاً في لقاء مع شبكة “سي أن بي سي” الأميركية، أن الرياض تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة. وأتت تصريحات الوزير السعودي بعد تسريبات إعلامية خرجت في مايو/أيار الماضي، أشارت إلى أن المملكة أخذت بمد جسور نحو النظام في سورية، من خلال زيارة رئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد الحميدان إلى دمشق ولقائه بالأسد، لكن الرياض لم تنف أو تؤكد هذه التسريبات. وبرزت معلومات أمس عن لقاء جمع الحميدان بمدير إدارة المخابرات العامة لدى النظام السوري حسام لوقا، على هامش “المنتدى العربي الاستخباراتي” المنعقد في مصر، قبل أن يتبين أن الصورة المتداولة لهما لم تكن متعلقة باجتماع ثنائي بل في إطار لقاء موسع شارك فيه العديد من مسؤولي الدول المشاركة بالمنتدى.
ويأتي كل ذلك على وقع تسارع المعطيات والمؤشرات على دفع دول عربية لإعادة النظام السوري إلى الحظيرة العربية انطلاقاً من القمّة العربية المقرر انعقادها في الجزائر ربيع العام المقبل، وهذا ما أفصح عنه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قبل أيام. ويدعم الجزائر في هذا المسعى كل من الأردن والبحرين والإمارات وموريتانيا وسلطنة عمان والعراق، فيما يبقى الموقف المصري باهتاً في هذا الصدد.
وكانت جامعة الدول العربية اتخذت قراراً في 12 نوفمبر 2011، بتعليق عضوية النظام في الجامعة بسبب رفضه التجاوب مع مبادرة لها للحل في سورية. وطلب القرار سحب السفراء، مع إبقاء الطلب “قراراً سيادياً لكل دولة”. وصدر بموافقة 18 دولة واعتراض ثلاث دول هي سورية ولبنان واليمن، وامتناع العراق عن التصويت.
ولدى سؤاله عن كيفية عودة سورية إلى مقعدها الحالي في الجامعة، بحسب نظام الأخيرة الداخلي، وما إذا كانت العودة تحتاج إلى إجماع وما نسبته، علماً أن هناك من يشكك بقانونية تجميد العضوية، قال الأمين العام المساعد للجامعة، حسام زكي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن العودة “تحصل كما حدث قرار التجميد، أي أنه لا بد أن يؤخذ قرار على مستوى وزراء الخارجية العرب، يعود عن قرار التجميد الذي اتخذ، وهو قرار يُتخذ بالتوافق، ويمكن أن يكون هناك بعض التحفظ، لكن بشكل عام لاتخاذ القرارات في مجلس الجامعة، يجب التوافق، على الرغم من وجود إمكانية التصويت”.
أما إذا كانت الجامعة قد تلقت طلبات لدعوة النظام لحضور قمّة الجزائر المقبلة، من قبل الجزائر أو دول أخرى، بعدما ألمح لعمامرة إلى إمكانية دعوة النظام إلى القمة، أجاب زكي أنه “حتى الآن لا يوجد أي تحرك رسمي في موضوع عودة سورية، ولا أي طلبات من هذا النوع تمّ طرحها، علماً أنه يمكن أن نرى مثل هذه الطلبات قبل القمة بوقت قصير”. وحول إمكانية أن يقبل المحيط العربي بعودة النظام السوري إلى مقعد بلد عربي في الجامعة، بعد كل الجرائم المتهم بارتكابها، منها استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، رأى زكي أن “هذا الأمر يعود إلى الدول الأعضاء، وهي دول ذات سيادة، وصاحبة القرار في هذه المنظمة، وبالتالي فإنها إذا ارتضت أي أمر، فهي تتوافق عليه ويتحقق”. وأضاف أنه “كما تحقق قرار التجميد، يمكن أن يتحقق أي موضوع آخر، سواء فك التجميد أو رفض فك التجميد أو أي قرارات أخرى”.
وزير الخارجية القطري: لا ندرس تطبيع العلاقات مع سورية
وتعليقاً على ذلك، رأى أستاذ مادة العلاقات الدبلوماسية في جامعة ماردين التركية، وسام الدين العكلة، أن العودة لجامعة الدول العربية تتطلب شقين: خارجي وداخلي. أما الخارجي، فهو يتطلب ضوءاً أخضر أميركياً، لأن واشنطن لا تزال تمسك ببعض الملفات، وترى ضرورة تحقيق بعض التقدم فيها ليتم السماح لبعض الدول بالتطبيع الكامل مع النظام السوري، ومنها ملف الأسلحة الكيميائية الذي لا تزال الإدارة الأميركية توليه اهتماماً كبيراً، وملف حقوق الإنسان الذي يرتبط بعقوبات قيصر والعقوبات الأخرى المتعلقة بالانتهاكات. وأعرب عن اعتقاده بأنه “إذا لم يتم إحراز تقدم في هذه الملفات، فإن الإدارة الأميركية لن تسمح بإقامة علاقات طبيعية بين النظام وأي دولة أخرى، وخصوصاً من الدول التي تعتبر حليفة للولايات المتحدة”.
أما على الصعيد الداخلي، فأشار العكلة، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى ضرورة حصول توافق على مسألة عودة النظام إلى الجامعة العربية، وهو توافق مرهون برأيه بالدرجة الأولى بـ”موافقة السعودية وبعض الدول الفاعلة عربياً، وإذا ما تم التوصل إلى هذا التوافق بعد أخذ الضوء من الإدارة الأميركية، فإن الأمور ستسير بشكل أكثر سلاسة”. لكنه اعتبر أن أسباب إقصاء النظام من الجامعة العربية “لا تزال قائمة، على الأقل من وجهة السعودية من الناحية السياسية”.
وبالنسبة للتصويت داخل إطار الجامعة، لفت العكلة إلى أنه “عندما تمّ تجميد عضوية النظام، لم يكن هناك أي بند ينص على تجميد العضوية، إنما كان هناك بند ينص على فصل أي دولة تخالف المبادئ التي قامت عليها الجامعة، وهذا الفصل يحتاج إلى إجماع، لكن ما حصل في 2011 هو قرار بحرمان ممثلي النظام من حضور اجتماع الجامعة ريثما تلتزم دمشق بمبادرتها آنذاك، وإذا ما أراد طرف عودة النظام، فإن أي قرار في هذا المنحى سيعرض للتصويت، ولن يتم تمريره إلا بالإجماع”. ورأى أنه “يمكن الانتقال إلى خطوة أخرى وهي موافقة ثلثي الأعضاء على هذه العودة، لكن كل المؤشرات تدل أن ذلك غير متاح لعدم وجود توافق سياسي إقليمي”.
وكانت مصادر إعلامية عربية تحدثت أول من أمس الجمعة عن خطة أعدها الأردن وناقشها الملك عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين الصيف الماضي، تتمحور حول إحداث “تغيير متدرج” في سلوك نظام الأسد، مشيرة إلى “ملحق سري” يتحدث عن مطالب وحوافز تقدم إلى النظام، وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، بهدف الوصول إلى حل في سورية، ومن بين الحوافز، خطوات عربية للتطبيع مع النظام.
وتقود روسيا، أو تدعم على الأقل، عودة النظام للحاضنة العربية، وقد حاول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دفع كل من الرياض والدوحة نحو تطبيع العلاقات مع النظام، لكنه تلقى في ربيع العام الحالي إجابات حاسمة من المسؤولين هناك بأن العودة السورية ترتبط بشكل تام مع إنجاز الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة.
وكانت الجهود الروسية في هذا الإطار تصطدم بالعقوبات والموقف الأميركي الرافض مطلقاً لقبول النظام دولياً وإقليمياً، لا سيما في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي كان له إخراج قانون قيصر للعقوبات إلى النور. وفي حين سجلت إدارة بايدن بروداً نحو الملف السوري بالعموم، فإن الشكوك دارت حول عدم استخدام الإدارة لعقوبات قيصر في وجه الدول المطبعة. لكن الخارجية الأميركية دفعت أول من أمس بتحذير ضمني عبر أحد مسؤوليها، الذي قال في تصريح إعلامي إن بلاده، لم ترفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، مشيراً إلى أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن “أوضح أننا لم نرفع العقوبات عن سورية، ولم نغير موقفنا إزاء معارضة إعادة إعمارها، إلى حين تحقيق تقدم لا عودة عنه تجاه حل سياسي نعتبره ضرورياً وحيوياً”. وأضاف أنه “في حين أن المساعدات الإنسانية إلى سورية مستثناة من العقوبات، إلا أن استثمارات أخرى في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ليست كذلك”.
وكانت الولايات المتحدة فرضت العام الماضي، عقوبات على نظام الأسد بموجب قانون قيصر، تقضي بمعاقبة أي شخص يتعاون مع النظام في قضية إعادة الإعمار، وذلك بهدف المحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان، والدفع باتجاه حل سياسي في سورية. ومنذ دخول القانون حيز التنفيذ الفعلي صيف العام الماضي، فرضت الإدارة الأميركية السابقة على النظام وكيانات مرتبطة به 6 حزم من العقوبات، بيد أن إدارة بايدن لم تستخدم عقوبات القانون ضد النظام أو المرتبطين به من شركات أو أفراد أو دول إلى الآن.
العربي الجديد