لا يكاد يمر يوم من دون تطور سياسي أو ميداني في الشمال السوري، الذي بات اليوم في قلب المشهد السوري المعقد، إذ يشي ما يجري بأن هناك تحركات غير معلنة هدفها تجنيب هذا الشمال عمليات عسكرية ربما تلقي بظلالها السلبية على الملف السوري برمته، وتدفع الجهود التي تُبذل لإيجاد حلّ سياسي له إلى الوراء. ولا تزال الأطراف الفاعلة في الشمال السوري في مرحلة استعراض القوة، ما قد تكون محاولة لتحسين شروط التفاوض الذي لا يُتوقع أن ينتهي بحصول الجانب التركي على مكاسب ميدانية، إما في غربي الفرات أو شرقه، والتزام “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بعدم شن هجمات على القوات التركية في سورية.
وفي هذا السياق، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن رتلاً تركياً دخل أول من أمس الجمعة إلى مدينة الباب ضمن منطقة “درع الفرات”، في ريف حلب الشمالي الشرقي، يتألف من دبابات ومدفعية ثقيلة وناقلات جند مجنزرة وعربات مدرعة. كما أشار إلى أن الجيش التركي استقدم مع فصائل المعارضة السورية الموالية تعزيزات عسكرية إلى مناطق “نبع السلام” في شرقي نهر الفرات، وإلى الحدود السورية – التركية مقابل مدينة عين العرب (كوباني)، خلال الأيام والساعات الماضية.
تعزيزات عسكرية كبيرة لقوات النظام وصلت إلى مناطق ريف منبج الشمالي
في المقابل، تعزز قوات النظام السوري منذ أيام عدة وجودها في مناطق خاضعة لها في محيط منطقة منبج، غربي نهر الفرات. وفي هذا الصدد، قالت مصادر محلية إن تعزيزات عسكرية كبيرة لقوات النظام وصلت إلى مناطق ريف منبج الشمالي على كامل خط الساجور، بدءاً من منطقة العريمة وصولاً إلى منطقة عون الدادات، مشيرة إلى أن هذه القوات نشرت تعزيزات على الطريق الدولي “أم 4″، في قسمه المار من شرقي مدينة منبج.
وكانت منطقة شرقي نهر الفرات قد شهدت خلال الأيام القليلة الماضية مناورات عسكرية بين الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية في استعراض واضح للقوة، خصوصاً أنها جاءت بعد انتهاء مناورات بين الجانب الروسي وقوات النظام و”قسد” كل على حدة. وهدأت في الأيام القليلة الماضية حدة الوعيد التركي تجاه “قسد”، على الرغم من التعزيزات العسكرية إلى مواقع داخل الأراضي السورية في شرقي الفرات وغربه.
وحول التطورات في الشمال السوري، رأى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أن “تركيا تنتظر ترجمة على الأرض لنتائج لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي جو بايدن في روما (على هامش قمة الـ20 يوم الأحد الماضي)”، مذكّراً في حديث لـ”العربي الجديد”، بأن أردوغان “صرح بعد اللقاء بأن بلاده لمست بوادر إيجابية من واشنطن في العديد من الملفات الخلافية بين البلدين”. وبيّن طه عودة أوغلو أن وسائل إعلام تركية أشارت إلى أنه من المتوقع أن تستضيف العاصمة أنقرة الأسبوع المقبل لقاء تركياً – روسياً لبحث التطورات في شمال سورية، خصوصاً منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، معتبراً أن كل هذه التطورات “هي إشارات واضحة بأن تركيا لا تزال تترك باب الدبلوماسية مفتوحاً لحل المشاكل بعيداً عن العمل العسكري، ولكن هذه التطورات أيضاً لم تمنع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن للتأكيد مجدداً أن الهجوم قد يحصل ذات ليلة، وفجأة”.
من جهته، أكد القيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غرب سورية، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هناك تعزيزات وجاهزية كاملة منذ فترة على كامل الجبهات، سواء في غربي الفرات أو في شرقه، وحتى في محافظة إدلب شمال غربي سورية”. غير أن عبد الرزاق لا يتوقع بدء أي معركة “خلال الأيام المقبلة”، مضيفاً أنه “لا تزال هناك تجاذبات سياسية، خصوصاً مع دخول روسيا بقوة وتعزيزها لمواقعها واعتماد قواعد جوية لها في منطقة شرق نهر الفرات”. وأشار إلى “أن الإعلان عن حلقة جديدة من مسلسل مسار أستانة الشهر المقبل، يوحي بعدم قرب المعركة”، لافتاً إلى أن “القوات الهجومية لم تتحرك حتى الآن إلى مناطق العمليات، لنقول إن المعركة خلال أيام أو ساعات”. وكانت وزارة الخارجية الكازاخية قد أعلنت أخيراً أن الجولة المقبلة من مباحثات أستانة (مسار أستانة السوري) ستعقد منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل، مشيرة إلى أنها تلقت طلبات من الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (تركيا، روسيا وإيران) بهذا الخصوص. وكانت عقدت منتصف العام الحالي جولة مباحثات في إطار مسار أستانة، الذي انطلق بدايات عام 2017، من دون تحقيق أي نتائج. وربما جاء الإعلان عن الجولة الجديدة من جولات أستانة بمثابة ترحيل للأزمة في الشمال السوري إلى ما بعدها، فإما اتفاق يجنّب الشمال السوري عمليات عسكرية واسعة النطاق، أو فشل جديد يعقبه تسخين لكل الجبهات.
طه عودة أوغلو: تركيا لا تزال تترك باب الدبلوماسية مفتوحاً لحل المشاكل
وعلى وقع التطورات العسكرية المتلاحقة واحتمالات شن الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية “عملية مفاجئة” إما في غرب الفرات أو شرقه، برزت على السطح تطورات سياسية، إذ بدأ حزب “الاتحاد الديمقراطي”، وهو المهيمن على “قسد” من خلال ذراعه العسكرية (الوحدات الكردية)، في التقرب من النظام السوري. وفي هذا الصدد، كرر ألدار خليل، وهو عضو الرئاسة في “الاتحاد الديمقراطي”، في تصريحات تلفزيونية منذ أيام، رغبة حزبه الحوار مع النظام على أساس “اللامركزية” في البلاد. ومن الواضح أن التهديدات التركية ربما تدفع هذا الحزب إلى تقديم تنازلات كبيرة للروس والنظام لتفادي عمل عسكري تركي قد يهدد وجود هذا الحزب ويخرجه من المشهد السياسي.
من جهتها، بدأت قوى سياسية منافسة لـ”الاتحاد الديمقراطي” تحركاً باتجاه الجانب الروسي، لتكون جزءاً من أي معادلة حل سياسي للأوضاع في منطقة شرقي نهر الفرات. وفي هذا السياق، التقى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أول من أمس الجمعة، وفداً من حركة “جبهة السلام والحرية” المعارضة، برئاسة زعيمها أحمد الجربا، في العاصمة الروسية موسكو. وتشكلت الجبهة عام 2020، من أربعة كيانات معارضة للنظام السوري في منطقة شرق الفرات، هي: المجلس الوطني الكردي، تيار الغد السوري، المجلس العربي في الجزيرة والفرات، والمنظمة الآثورية الديمقراطية.
العربي الجديد