سرقت أحلى سنوات عمرهم.. سوريون بلغوا سن الرشد خلال عقد من الحرب

طال أمد الأزمة السورية، حتى بلغ سوريون سن الرشد، ولم يعرفوا عن وطنهم إلا صور الاقتتال والإرهاب والعنف والانغلاق على الذات، سنوات طويلة. 

ونقلت كالة “رويترز” شهادات بعض الشبان السوريين ممن يتوقون للخروج من البلاد نحو آفاق جديدة، أو على الأقل التعرف إلى العالم بعيداً عن الوطن الذي يحكمه نظام ديكتاتوري منغلق.

المضيفة الجوية المتدربة غنوة، وطالب الهندسة علي، والـ “دي جي” جواد، يعيشون في العاصمة دمشق، التي نجت إلى حد ما من القصف المكثف الذي دمر مدناً بكاملها مثل حلب، ويُعَدّون من بين جيل الشباب السوريين الذين بلغوا سن الرشد خلال الحرب، ويتوق معظمهم اليوم إلى الخروج بحثاً عن واقع أفضل.

فرص ضئيلة لمغادرة سوريا

شهدت سوريا منذ 2011 عقداً من الصراع المسلح، والعقوبات الغربية، والانهيار المالي في لبنان المجاور، ثم وباء “كورونا”، الذي أضر بالاقتصاد السوري المتهالك أصلاً، وانهيار العملة، وأثر هذا المشهد على جميع السوريين وبالأخص فئة الشباب.

وبغض النظر عن المصاعب الاقتصادية، تم تقييد وصول الشباب إلى بقية العالم بشكل كبير، مما ترك لهم فرصة ضئيلة لمغادرة البلاد للعمل أو الترفيه.

كانت حُريّة السفر، السبب الرئيس وراء قرار غنوة التدرب كمضيفة جوية، بعد أن تركت الجامعة حيث كانت تدرس الهندسة المعمارية.

وقالت غنوة، التي تحدثت لوكالة “رويترز” باستخدام اسمها الأول فقط لأسباب أمنية، “أنا سورية ولا يمكنني السفر في الوقت الحالي إلا من خلال هذه الفرصة”، مضيفة “إنها الفرصة الوحيدة التي تجعلني أشعر أنني أستطيع التحرك بشكل أسرع”.

وبعيداً عن مسقط رأسها، في السويداء جنوب سوريا، اضطرت غنوة إلى العمل في وظائف متعددة، تقول إنها فعلت كل شيء، بدءاً من العمل مع الأطفال المصابين بالسرطان، إلى عرض الأزياء.

السفر حلم مشترك

بينما جواد البالغ من العمر 24 عاماً، وهو “دي جي” موسيقا إلكترونية عاد في العام 2019 إلى سوريا التي لا يكاد يتعرف إليها، بعد أن أمضى سنوات الحرب في دبي بحثاً عن الأمان، حيث يقول “نحن متعطشون للسعادة”.

ويشير جواد، الذي درس إدارة الأعمال، إلى أن الموسيقا تساعده على الهرَب من الواقع القاسي للبلد الذي عاد إليه، موضحاً أنه “كانت صدمة كبيرة، كل شيء مظلم، لا توجد كهرباء”، مستدركاً “على الرغم من كل الإرهاق والحزن على وجوه الناس لدينا أمل في إصلاح كل شيء”.

ومثل غنوة، يبقى حلم جواد أيضاً هو السفر ورؤية العالم، لكن أمله في الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا تبدد، وفق قوله.

يشاهد جواد الأفلام الوثائقية عن إسبانيا لأنه لم يستطع الذهاب إليها، ويؤكد أنه كثير الارتباط بالإنترنت، لأن ذلك يساعده على تحاشي البرامج الإخبارية التلفزيونية.

رغم الخطر البقاء هنا أحياناً أفضل

أمّا يارا البالغة من العمر 33 عاماً، فهي محامية في النهار ومختصة في الموسيقا بالليل، تعيش مع والديها فقط، بعد مغادرة ثلاثة من أشقائها للعيش في الخارج.

اعتادت يارا أن تعيش حياة مزدحمة بين عملها واليوغا والطبخ وشغفها بالموسيقا، لكنها الآن تقول إنها لا تستطيع إدارة سوى مهمة واحدة في اليوم، مشيرة إلى أنه “يتطلب مني التزود بالوقود ساعات من الانتظار في الطابور، لا أستطيع فعل شيء آخر في ذلك اليوم”.

وفضلت يارا البقاء في سوريا طوال فترة الصراع على الرغم من المخاطر التي تنطوي عليها.

توضح حول ذلك “لم تعجبني الطريقة التي تعامل بها البلدان الأخرى السوريين، لذلك لم أرغب في أن أفقد الاحترام الذي أحمله هنا، وأن أشعر ببعض الشفقة من الأشخاص الذين لا يعرفون شيئا عنا، حتى لو كان ذلك يعني أن أعيش حياتي في خطر”.

ومثل يارا، يقول علي، الطالب الجامعي البالغ من العمر 25 عاماً، إن الحديث عما يؤلمه وما أثر فيه خلال الحرب، يتطلب عدة أيام، ويضيف متحسراً “لم يمر يوم من دون أن يؤخذ منا شيء نحبه”.

ويضيف علي “لقد كانت تجربة سيئة أن تعيش في منطقة حرب لما يفترض أن تكون أفضل 10 سنوات في حياتك”.