فلتان شرق الفرات: “قسد” عاجزة أمام الأزمات الأمنية المتصاعدة

لا يزال الفلتان الأمني السمة الأبرز في مناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، خصوصاً في محافظتي الرقة ودير الزور السوريتين، اللتين تكثر فيهما حوادث القتل ومحاولات الاغتيال التي تطاول وجهاء. في المقابل، تصرّ هذه القوات على أن خلايا من تنظيم “داعش”، ومجموعات مرتبطة بالنظام السوري، تؤدي الدور الأبرز في إبقاء الوضع الأمني مشتعلاً في المنطقة. وفي حادث كان له وقع الصدمة على سكان مدينة الطبقة وريفها، قُتل منذ بضعة أيام ثلاثة أشقاء على يد مجهول، استدرجهم بحجة مساعدته بقطر زورق صيد في بحيرة سد الفرات، فقام بإطلاق النار عليهم وقتلهم مباشرة. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن التحقيق “جارٍ في الجريمة”، التي وصفتها بـ”غير المسبوقة”، مشيرة إلى أن الغموض يكتنفها، فالأشقاء القتلى “يمتهنون الصيد”. وجاء هذا الحادث عقب محاولة اغتيال أحد وجهاء الريف الغربي للرقة أثناء وجوده في مدينة الطبقة، حين أطلق مجهولون النار عليه، وكانوا يستقلون سيارة مدنية في الشارع العريض وسط السوق المركزي بمدينة الطبقة. ونُقل المصاب بحالة حرجة إلى مستشفى لتلقي العلاج. وتقع خلافات عشائرية في ريف الرقة من حين إلى آخر “لكن قوات قسد لا تبذل جهداً كافياً لتطويق هذه الخلافات منذ بدايتها”، حسبما ذكرت مصادر محلية، مشيرة إلى أن هذه القوات تحاول البقاء بعيداً عن أي خلاف عشائري، خصوصاً أن المنطقة متميزة بكثرة عشائرها وتعدد خلافاتها وانقساماتها. وأضافت في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الوعي الموجود لدى أغلب أبناء العشائر هو ما يمنع تطور أي نزاع”، كاشفة أن شيوخ العشائر ووجهاءها “يتدخلون دائماً لوضع حد لأي خلاف خشية تمدده”. وفي مدينة الرقة، كثرت جرائم القتل في الآونة الأخيرة، مع عثور أهالي حي الرميلة على مدني وزوجته مقتولين داخل منزلهما. ويبدو الوضع في ريف دير الشرقي، شمالي نهر الفرات، الذي تسيطر عليه “قسد”، أكثر صعوبة مع وجود ما يُعتقد أنها خلايا لتنظيم “داعش” تنفذ عمليات اغتيال وقتل على نطاق واسع في هذا الريف.

“قسد” تحاول البقاء بعيداً عن أي خلاف عشائري

وفي ريف دير الزور، يكاد لا يمر يوم من دون مقتل مدنيين على يد مجهولين، تصرّ الإدارة الذاتية الكردية على أنهم ينتمون لتنظيم “داعش”. وحول ذلك، قال الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي، المقيم في ريف دير الزور، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن أسباب الفلتان الأمني كثيرة، ومنها عدم جدية “قسد” في إرساء الأمن. وأضاف أن محلات تجارة الأسلحة منتشرة في ريف دير الزور، وعناصر تنظيم “داعش” يتجولون في وضح النهار. ولفت إلى أن قيادات من “قسد” تتعامل مع النظام السوري في التجارة والتهريب عبر المعابر النهرية التي تصل بين ضفتي النهر. وأشار إلى أن النظام والمليشيات الإيرانية “ترسل بشكل دائم خلايا لزعزعة الأمن وخلق الفوضى بمناطق قوات قسد”، مضيفاً أن هذه الأسباب وغيرها، أفقدت قوات “قسد” هيبتها في المنطقة، فضلاً عن تفشي الفساد بين عناصر هذه القوات بسبب قلة الرواتب. وأبدى البوكمالي اعتقاده بأن “قوات قسد تستطيع بكل بساطة إرساء الأمن من خلال زيادة أجور عناصرها وسحب السلاح الفردي من الأهالي، وقطع التعامل العلني والسري مع النظام والمليشيات الإيرانية”. من جانبه، اتهم الباحث المقرّب من “قسد” أزاد حسو النظام السوري وتنظيم “داعش” بالوقوف وراء عمليات الاغتيال التي تطاول وجهاء ومدنيين لـ”لتعميم الفوضى في مناطق سيطرتنا”. وأكد في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن قوات “قسد” وبقية الأجهزة الأمنية التابعة لها “تبذل جهوداً كبيرة للحد من الفلتان الأمني في عموم منطقة شرقي الفرات وغربه”. بدوره، اعتبر المحلل إبراهيم مسلم، المقرّب من الإدارة الذاتية، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هناك مجموعات مرتبطة بالنظام أو تنظيم “داعش” تشن هجمات في مناطق سيطرة قوات “قسد”. كما اتهم مجموعات، قال إنها موالية لتركيا، بشن هجمات أيضاً. وأبدى تقديره بأن “عدم التنسيق بين القوى الدولية والإقليمية المحتلة لسورية يؤدي دوراً في الفلتان الأمني في منطقة سيطرة قوات قسد”، مضيفاً أن المجموعات المسلحة تستغل ظروف الحجر الصحي المفروض بسبب تفشي فيروس كورونا لشن العمليات، وهو ما يساهم في عدم قدرة الأجهزة الأمنية على ضبط الأمن بشكل كامل.

اتهام لمجموعات مرتبطة بالنظام أو تنظيم “داعش” تشن هجمات في مناطق سيطرة قوات “قسد”

 وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فقد قُتل منذ شهر يونيو/ حزيران 2018 نحو 724 شخصاً، وهم مقاتلون ومدنيون وعاملون في المجال النفطي ومسؤولون في جهات خدمية ضمن مناطق سيطرة قوات “قسد” في شرقي الفرات وغربه. كما رصد المرصد خلال الفترة نفسها، اغتيال خلايا مسلحة 254 مدنياً، من بينهم 18 طفلاً و14 امرأة في ريف دير الزور الشرقي وريف الحسكة ومدينة الرقة وريفها ومنطقة منبج، إضافة لاغتيال 461 مقاتلاً من “قسد”، بينهم قادة محليون في المناطق ذاتها، فيما قضى أربعة من عناصر التحالف الدولي. وتسيطر “قوات سورية الديمقراطية” على منطقة شرقي الفرات ومناطق غربي النهر، أي ما يشكل نحو ثلث سورية. ومن الملاحظ أن الفلتان الأمني يبدو أقل في المدن والبلدات ذات الأكثرية الكردية من السكان، تحديداً في عين العرب، وفي عموم محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي للبلاد، التي لا يزال النظام يحتفظ بوجود عسكري وأمني وخدمي في بعض أجزائها. ويبقى مخيم الهول في ريف الحسكة، الذي يضم عائلات مقاتلين من تنظيم “داعش”، النقطة الأكثر سخونة في منطقة شرقي نهر الفرات، مع تحوّله إلى بؤرة للجريمة المنظمة والاغتيالات. وسبق لقوات “قسد” أن أوقفت في أواخر الشهر الماضي عشرات الأشخاص من القاطنين في المخيم، عقب حملة أمنية واسعة النطاق شارك فيها خمسة آلاف عنصر من “قوات سورية الديمقراطية”، والشرطة الداخلية التابعة للإدارة الذاتية (الأسايش).

 

العربي الجديد