حملة رفع العقوبات عن النظام السوري: مَن يقف خلفها؟

جاءت الرسائل التي بعثت بها شخصيات عربية وعالمية إلى فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا لرفع العقوبات الاقتصادية عن نظام بشار الأسد، كإشارة إلى زيادة التحركات في اتجاه المطالبة بإلغاء حزم قانون قيصر على وجه الخصوص، والتي تسببت، حسب زعم الموقعين على الرسائل، في أزمة إنسانية بسورية أثرت على المستوى المعيشي للمواطنين.
واستند الموقعون، وهم 95 شخصية عربية وعالمية، في رسائلهم إلى تقرير خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ألينا دوهان، الذي أكد أن العقوبات، وقانون قيصر أولاً، قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في سورية، وتعرّض الشعب لعقاب جماعي وانتهاكات حقوق الإنسان.
وتصدت شخصيات سورية ومنظمات حقوقية وروحية لتلك الرسالة التي يخشى السوريون أن تجد آذاناً لدى الإدارات الغربية والأميركية، فيتم رفع العقوبات وبدء إعادة إنتاج نظام بشار الأسد لسبع سنين عجاف أخرى تضاف إلى عشرين عاماً سابقة من وراثة بشار الأسد كرسي أبيه واستمرار القصاص من السوريين، عبر تجويعهم وإفقارهم وتدمير معيشتهم.
ويقول الباحث السوري من واشنطن أيمن عبد النور: “ظننا وللوهلة الأولى، أن نظام بشار الأسد هو الذي استخدم هذه الشخصيات ليرفع العقوبات ويستمر بالتحكم بمقدرات البلاد”. ويضيف عبد النور، في حديث لـ”العربي الجديد”: “ولكن بعد اتصالي شخصياً ببعض الموقعين، علمت أن أمين عام قصر الإليزيه (المقر الرسمي لرئيس فرنسا)، هو الذي اتصل بهم، لينقل رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتوقيع على هذه الرسالة (المناشدة الإنسانية) لاستخدامها كرافعة خلال لقائه مع الرئيس الأميركي جو بادين”.

ويبين الباحث السوري أنه بعد البحث بمضمون الرسالة “التي وصلتنا نسخة منها، توقفنا عند جملة لها بعد اقتصادي، وهي أن العقوبات الأوروبية والأميركية، وخاصة قانون قيصر، تقف بوجه دخول المساعدات وتنشيط التجارة والاستثمار الضروري من أجل النظام الصحي السوري والتطوير الاقتصادي كي يعمل بشكل جيد في سورية”.
وهنا تساءلنا: ما دخل رجال الدين بقضايا التجارة والاستثمار، ليرسلوا رسائل لزعماء العالم؟ وإذ كانت القصة لها علاقة بشركات كبرى فرنسية وبالرئيس ماكرون وسعيه لإعادة تأهيل مرفأ بيروت، وحصة الشركات الفرنسية بكعكة إعمار سورية بالمستقبل، ويريدون إلغاء “البلوك” الذي فرضه قانون قيصر، ليتسنى لهم الاستثمار بلبنان المرتبط بشكل وثيق برساميل ورجال أعمال سوريين. فوراء الرسالة، إذاً، تجارة واستثمار وليس أغراضا إنسانية كما يدعون.
وكانت شخصيات سياسية ورجال دين مسيحيون قد أرسلوا رسائل إلى واشنطن وحكومات أوروبية، في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، منهم الأكاديمي والباحث الفلسطيني مكرم خوري مخول، مؤسس “المركز الأوروبي لدراسة التطرف”، في العام 2016، وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، ورئيس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك البطريرك جوزيف عبسي، وغيرهم.
وأشارت الرسائل التي كان فواز الأخرس، والد أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام السوري، ضمن الموقعين عليها، إلى تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي من أن ملايين السوريين يعانون من ضغوط شديدة ناجمة عن الضرر الكبير الذي تعرض له نظام الرعاية الصحية خلال سنوات الأزمة، مجددة التأكيد أن الإجراءات القسرية المفروضة من الولايات المتحدة تفاقم معاناة الشعب السوري.

وزادت مخاوف سوريين من استجابة إدارة جو بايدن للرسالة، خاصة بعد نشر صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن كلًا من وزراء الخارجية والخزانة والتجارة الأميركيين سيتشاورون مع وزير الصحة والخدمات الإنسانية ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لمراجعة العقوبات على سورية.
الأمر الذي دفع الجالية السورية بواشنطن وشخصيات سورية فاعلة بالولايات المتحدة لتفنيد الرسالة التي يرونها مضللة، موضحين للإدارة الأميركية الجديدة أن قانون قيصر لم يشمل غذاء السوريين ودواءهم، كما أن الوضع المتردي للسوريين كان قبل إصدار قانون قيصر، الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وألحقه في 17 يونيو/ حزيران 2020، بأول حزمة عقوبات.
ويعاني السوريون فعلاً من تردي الواقع المعيشي، ما أوصل إلى واقع أن الدخول الشهرية لا تزيد عن 60 ألف ليرة، في حين أن تكاليف المعيشة زادت عن 700 ألف ليرة شهرياً، بحسب مراكز بحثية في دمشق. كما تجاوزت نسبة الفقراء أكثر من 90% وتجاوزت البطالة نسبة 83%.
لكن تلك الأوضاع، بحسب الاقتصادي السوري حسين جميل، سابقة للعقوبات الأميركية وقانون قيصر على وجه التحديد، فحينما تدهور سعر صرف الليرة وبدد نظام الأسد الاحتياطي النقدي الأجنبي بالمصرف المركزي، والبالغ عام 2011 نحو 18 مليار دولار، لم يكن قد طبق قانون قيصر، بل كان المصور قيصر موجودا بدمشق ويعمل مع نظام الأسد، وهو السبب الرئيسي لإصدار القانون بعد كشفه عن صور لفظائع الأسد داخل السجون.
ويضيف الاقتصادي السوري، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه لا يمكن إنكار أثر العقوبات الغربية على السوريين، لكن الأثر الأكبر كان على نظام بشار الأسد، والأهم وقف رشى الاتفاقات التي كان يغدقها النظام لشركائه بالحرب على السوريين، في طهران وموسكو، وتعطل عملية إعادة الإعمار التي كان سيتاجر بها النظام على حساب السوريين.

 

العربي الجديد