رد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي قال إن دعم الولايات المتحدة لسيطرة إسرائيل على الجولان ليس ثابتاً، بإعلانه أن مرتفعات الجولان ستبقى إسرائيلية.
حكومة دونالد ترامب هي التي اعترضت قبل 3 سنوات على قرار للجمعية العامة بإلغاء سلطة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان. الجمعية العامة تدعو مرة أخرى العام المنصرم تل أبيب للانسحاب من الهضبة وعدم اكتساب الأراضي بالقوة، لكن وزير الخارجية الأسبق بومبيو هو الذي قال لنا بعد زيارته الأخيرة إلى هضبة الجولان إن أميركا عبر قرارها بتبني ما فعلته إسرائيل تكون قد اعترفت بالأمر الواقع وبالامتداد التاريخي للمنطقة. واشنطن الأمس هي التي شجعت نتنياهو على القول إن الجولان سيبقى بيد إسرائيل إلى الأبد، فما الذي يحاول جو بايدن قوله للإسرائيليين غير ذلك؟
منح ترامب تل أبيب اعترافاً أميركياً رسمياً بسيادة إسرائيل على الجولان في عام 2019، في تحول كبير عن سياسة اتبعتها الولايات المتحدة لعشرات السنين. بايدن الرئيس الجديد يعرف أكثر من غيره صعوبة التراجع عن هذا القرار في البيت الأبيض حتى ولو كان يعرف أكثر من غيره انعدام وجود أي دعم دولي لإسرائيل في ملف الجولان ويعرف أن ما جرى لا يؤسس لأية حالة قانونية جديدة طالما أن هناك قرارات أممية واضحة وملزمة وأن عنصر مرور الوقت لا يشرعن ما تقوله تل أبيب.
بايدن لا يبحث عن أزمة مع إسرائيل أو الدخول في مواجهة أميركية إسرائيلية لأنه لو كان يريد ذلك فعلاً لما اختار الكثير من أعوانه من المحسوبين على إسرائيل وسياساتها في المنطقة.
واشنطن ومن خلال هذا السجال تبحث عن بعض الفرص والأهداف التي تريد الوصول إليها قبل الإعلان عن فتح صفحة جديدة من العلاقات الأميركية الإسرائيلية
عندما نسمع بلينكن يردد أن الجولان مهم جداً لأمن إسرائيل القومي، وأنه ما دام بشار الأسد في السلطة، وما دامت إيران موجودة في سوريا والميليشيات التي تدعمها قادرة على الاقتراب من الجولان فإن السيطرة على المنطقة هناك في هذا الوضع تظل ذات أهمية حقيقية لأمن إسرائيل. وإذا كان هذا هو منطق إدارة الرئيس الديمقراطي الليبرالي بايدن في السلطة فما هو الفارق بين ما يقوله وما سبق وأعلنه سلفه ترامب بقبول سيادة إسرائيل على أراض محتلة وإعلان ضمها بالقوة؟
تؤكد اللوبيات والمصالح الثنائية والإقليمية المتداخلة أنه لا توتر أميركياً إسرائيلياً محتملاً في الملفات الإقليمية، لكن واشنطن ومن خلال هذا السجال تبحث عن بعض الفرص والأهداف التي تريد الوصول إليها قبل الإعلان عن فتح صفحة جديدة من العلاقات الأميركية الإسرائيلية:
– يروج الإعلام الروسي والإسرائيلي منذ فترة لأنباء تتحدث عن وساطة متعددة الجوانب والأهداف تقودها موسكو بين تل أبيب ودمشق يتقدمها موضوع النفوذ الإيراني في سوريا. الحديث هو عن صفقة روسية إسرائيلية لا تعرف طهران وواشنطن مضمونها لكن بينها تجاهل الكرملين للهجمات الإسرائيلية شبه اليومية ضد مواقع إيرانية في سوريا. إدارة بايدن تسعى لتذكير تل أبيب بأنها لن تسمح لها بمغازلة روسيا في الملف السوري خصوصاً الشق المتعلق منه بإيران دون موافقتها.
– احتمال آخر هو أن بايدن يريد إبلاغ تل أبيب أنهم ساوموا على مصالحهم هم على حساب شراكتهم مع واشنطن عندما تعاونوا مع الروس الذين قبلوا الغارات التي تنفذها المقاتلات الإسرائيلية ضد إيران لكنهم رفضوا استهداف قوات النظام السوري في إطار خطة تبادل خدمات على حساب واشنطن ومصالحها ونفوذها. الهدف هو تنبيه تل أبيب إلى أن هذا الموضوع لا يعني إسرائيل وحدها وأن ما قالته الخارجية الأميركية اليوم حول الهضبة ستقوله غداً أو بعد غد حول القدس.
– قال السفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف: إن واشنطن لن تبدل من استراتيجيتها في سوريا في عهد الرئيس جو بايدن بالتوازي مع بروز تقارير إعلامية روسية تحدثت عن مواصلة القوات الأميركية تعزيز وجودها في قواعد عسكرية جديدة في شرق البلاد. رد أميركي واضح على التحركات الروسية عبر رفض أية تفاهمات على حسابها حتى ولو كانت إسرائيل هي من يقوم بذلك.
– ثم هناك تساؤل هل من علاقة بين رسائل المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون أمام مجلس الأمن الدولي حول المرحلة الحرجة التي وصل إليها الملف السوري والتعقيدات التي تقف في وجهه وضرورة وجود تدخل وتنسيق دولي جاد من أجل التقدم في الملف وبين المواقف الأميركية الأخيرة لإسرائيل وروسيا على السواء؟ وهل دعوة بيدرسون لتشكيل مجموعة دولية جديدة ترفع مستوى التنسيق بين الدول ذات الشأن في الملف السوري تعني الرفض الأميركي لهذا الحوار الروسي الإسرائيلي الإيراني وضرورة توسيع رقعة المشاركات الإقليمية والغربية؟
البيت الأبيض لن يزعجه حدوث مفاجأة في الانتخابات الإسرائيلية وحدوث تحول حزبي وسياسي تحدث فيه المفاجأة التي تبعد نتنياهو عن الحكم
– رسالة بايدن أيضاً لها الطابع الإقليمي في التوازنات الأخيرة التي عقدها ترامب مع بعض العواصم العربية والتي هي متصلة بالملف السوري شئنا أم أبينا وهي تذكير الجميع في المنطقة أن ما فعلته الإدارة السابقة لن يلزم الإدارة الجديدة إذا لم يأخذ التوازنات القائمة كلها بعين الاعتبار وفي مقدمتها الإصغاء إلى ما يقوله الجانب الفلسطيني والأردني أيضاً.
– توحي تعقيدات المشهد أن البيت الأبيض لن يزعجه حدوث مفاجأة في الانتخابات الإسرائيلية وحدوث تحول حزبي وسياسي تحدث فيه المفاجأة التي تبعد نتنياهو عن الحكم والدليل أن الأخير ما زال جالساً أمام سماعة الهاتف ينتظر اتصال بايدن الذي لم يفعل ذلك حتى الآن. بايدن يغازل الناخب الإسرائيلي الليبرالي في محاولة لتسجيل اختراق سياسي حقيقي في الذهنية الإسرائيلية. قد لا ينسف التفاهمات التي عقدت بين إسرائيل وبعض العواصم العربية لكنه سيطالب بإعادة الملف الفلسطيني إلى قلب النقاش.
– يعلن الوزير بلينكن التزام إدارة بايدن بالإبقاء على السفارة الأميركية في القدس، بعد أن اعترفت إدارة ترامب بالمدينة عاصمة لإسرائيل. ويقول البيت الأبيض إنهم سيعيدون العلاقات مع الفلسطينيين بعدما قطعها ترامب، وسيستأنفون المساعدات، ويرفضون الإجراءات الأحادية الجانب مثل بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة. بايدن يبحث عن قيادة إسرائيلية جديدة أكثر اعتدالاًٍ وانفتاحاً على الحوار مع الجانب الفلسطيني لكنه يريد أيضاً توجيه رسائل انفتاحية إلى العديد من العواصم العربية باتجاه كسب دعمها لتسوية شاملة للنزاع العربي الإسرائيلي.
احتمال أن تكون “صفقة القرن” شملت تفاهمات سورية إسرائيلية تعلن لاحقاً وبينها موضوع الجولان والتواجد الإيراني في سوريا وهي النقطة التي يعترض بايدن عليها في إطار محاولة بناء سياسة أميركية إقليمية جديدة بدأها من خلال إطلاق هذه التحذيرات لتل أبيب. لم نسمع قيادات النظام في دمشق تتحدث كثيراً عن الرسائل السياسية المتبادلة بين واشنطن وتل أبيب في موضوع الجولان هل هي على علم بكل ما يجري أم أن الأمر لا يعنيها أساساً؟