يحيى العريضي
غداً يتم انتخاب مَن سيكون الرجل الأقوى في العالم، رئيس الولايات المتحدة الأميركية. ينتخبه بلدٌ عدد سكانه لا يتجاوز الأربعة في المائة من سكان كوكبنا، ولكنه بلدٌ يمتلك الاقتصاد الأقوى في العالم، عملته مقاس النقد ومعياره، تَقَدّمُه التقني على مسافة شاسعة من أية دولة، وخاصة في إبداعات الذكاء الصنعي artificial intelligence ، سيد عالم الغد.
لا أضيف جديداً عندما أروي قصص نجاحات ذلك البلد؛ لا أحسد آباءه المؤسسين، عندما جعلوا الحرية والقانون فوق كل اعتبار، بل أغبطهم. غداً سيتربع هذا الرجل على عرش القوة العالمية، تعزّز سلطته مؤسسات تحترم نفسها: القانون هدايتها، والانتظام منهجها، والحريّة إكسير حياتها. لن يكون هذا القادم إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية عرضة لأي ابتزاز. فإن كانت ولايته الأولى الدخول إلى حكم القوة الأقوى في العالم، فستكون ولايته الثانية دخول التاريخ من أوسع أبوابه.
سيتربع على عرش تلك القوة رجل حاول صغارٌ أن يستخدموا الإنترنت، التي اخترعتها بلده، ليلعبوا لعباتهم الصغيرة في انتخاباته الأولى؛ ولكنهم صغروا أكثر. سيتربع مَن كَشَفَ خبث ملالي طهران، ومَن مرر لهم ذلك الاتفاق النووي، وترك الحبل على الغارب للملالي ليعبثوا في كل منطقتنا. وسيكون اليوم يوم لطميات بالنسبة لهم؛ سيأتي من يعرف إجرامهم. هذا القادم القديم الجديد يرى في مَن يغزو أرضنا ويشرد شعبنا مخاليق صغيرة للاستخدام كبوتين وخامينائي؛ رجل وصف رئيس منظومة الاستبداد التي تأخذ بلدنا رهينة بالحيوان، ولأنه يقتل “شعبه” بالسلاح الكيماوي.
كثرٌ نالوا شهاداتهم العليا من جامعات ذلك البلد، وكانوا يتوقون لمحاكات ذلك في بلدانهم، ولكنهم عادوا واعترفوا بالفشل؛ فرغم مساهمة شعبهم بالحضارة الإنسانية، ورغم كون وطنهم منزل الديانات، وبيت الأبجدية؛ وعبقري من بلدهم اخترع للأميركان “اللاب توب”؛ فإن هناك ما ومَن يخنق أي طموح وأي رؤية أو خطة للتغيير. هناك منظومات طغيان تحول دون ذلك.
من منظارنا، هذا الرجل خدم محتل أرضنا أكثر من أي رئيس أميركي قبله؛ اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، اعترف بضم جولاننا لإسرائيل، وفتح باب التطبيع لبعض المأزومين من الكيانات العربية؛ ولكن كل ذلك قابل للمراجعة، عندما يتغيّر حالنا. فلسطين ستقوم، وستكون القدس الشرقية عاصمة لها، والجولان سوري ويحتاج رجاله الحقيقيين ليثبتوا انتماءه، ويعيدوا ملكيته لسوريا؛ أما مَن يطبع لمأزوميته، فسيكون خارج التاريخ، ومثله مثل من استخدم “الممانعة والمقاومة” للمساومة. هذه الأميركا ستكون مع من له حق، والقانون سيكون فوق كل اعتبار. لا نريد أن نرمي أحداً في البحر؛ ونريد العيش بسلام وحرية وقانون، ودون كذب أو خداع أو مؤامرات. نريد أن نكون أقوياء لاحترامنا القوة.
مَن قتل واعتقل وشرّد السوريين؛ مَن استدعى الاحتلال ليحتفظ
لسنا إرهابيين، ولا متطفلين على الحضارة الإنسانية. ابتُلينا بقيادات هاجسها البقاء، والتآمر على شعوبها، وبيع أوطانها
بسلطته، مَن وهب الاحتلال خيرات وموارد سوريا للمحتل، ومَن يعتقد أنه قابل للتكرار أو إعادة التأهيل، واهم؛ إنه صفحة سوداء ستُطوى، ويعود السوري إلى انتشال وطنه من كل هذا الخراب. الاستبداد والاستعمار طوارئ لا حياة لها.
لسنا إرهابيين، ولا متطفلين على الحضارة الإنسانية. ابتُلينا بقيادات هاجسها البقاء، والتآمر على شعوبها، وبيع أوطانها؛ قيادات استحقت الاحتقار من أي جهة تحترم نفسها وقانونها وحريتها عالمياً؛ قيادات استخدمت كل ما هو غير مباح لتبيع أوطانها كي تبقى في السلطة.
كل ذلك يعتمد علينا كأمة تكاد تصبح خارج الزمن. لا علاقة لنا بالإرهاب، الذي سهرت حكوماتنا النتنة على إلصاقه بنا، كي تُضعفنا وتستبد بنا وتشوهنا أمام العالم، ليلتهمنا وحقوقنا كلقمة سائغة. مَن تدخل لقمع الثورة السورية خشية على عروش تهتز، ومن أجل نظام سلّف المخابرات العالمية خدمات رهيبة، وتآمر مع اليمين الإسرائيلي وبوتين وأوباما وعروش عربية بائسة؛ ما كان ليستطيع تنفيذ مخططه، لو كنا في حالة القوة الذاتية الشعبية المطلوبة؛ والتي ستعود حتماً.
من أنجب موسى وعيسى و محمد، ومن علّم العالم الأبجدية وأعطاها الزراعة والدولاب والصفر و”اللاب توب” لا يمكن إلا أن يكون حضارياً ومتسامحاً ومبدعاً وخلاقاً، ولا بد من أن يظهر فيه جيل يعيده إلى المساهمة في الحضارة البشرية؛ ويمد يده إلى القوى الخيّرة في العالم للعودة إلى المساهمة في إعمار هذا الكوكب.
علينا أن نثق بأنفسنا أولاً، نثقفها، نلغي تلك الواسطة بيننا وبين خالقنا- فالله أبوابه مفتوحة دون تدخل من امتطى الدين ليحل عقده- لا أحد يستطيع إلغاؤك إن لم تكن قابلاً للإلغاء. لنعش وندع الآخرين يعيشون، عملاً بمقولة: “live and let live”. بذا تنتهي الأنانية والدكتاتورية والإقصاء؛ ويسود كل ما هو خيّر وبنّاء. ” إنّ الله لا يُغيّر ما بقوم، حتى يغيّروا ما بأنفسهم”. المشكلة فينا؛ لنتغيّر، فسنجد أن العالم قد تغيّر. مَن يمتلك تلك الجينات العبقرية المبدعة؛ مَن وضع ركائز الحضارة البشرية، لن يعجز عن العودة للمساهمة بها ثانية وبقوة. مبارك للقادم، رغم عدم غرامنا به؛ ونحن مستعدون.
تلفزيون سوريا