روسيا تتحدى العقوبات الأميركية وتزيد من دعمها النظام السوري

يبدو أن زيارة الوفد الروسي إلى دمشق تأتي كخطوة لإظهار التحدي الروسي للعقوبات الأميركية المفروضة على النظام، بعكس بعض التحليلات التي أشارت إلى أن الوفد، الذي ترأسه نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، والتحق به وزير الخارجية سيرغي لافروف، جاء إلى دمشق ليبلغ الأسد بالانخراط جدياً في العملية السياسية بناء على القرار 2254 في طريق إنجاز التسوية السورية.
 وبحث الوفد الروسي فعلياً تطوير العلاقات الاقتصادية مع النظام، بما يعني الحصول على استثمارات جديدة، فيما كان الحديث عن الشق السياسي يندرج ضمن الرؤية المعروفة والمعتادة للنظام وحلفائه، دون جديد يذكر.
وخلال مؤتمر صحافي تلا اجتماعا لبوريسوف ولافروف بوليد المعلم وزير خارجية النظام، قال لافروف إن “بعض الدول والقوى الخارجية تحاول تمرير مخططاتها الخاصة وخنق الشعب السوري باستخدام العقوبات الاقتصادية”، مضيفاً: “بالدعم الحاسم من روسيا انتصرت سورية على الإرهاب الدولي وعلى القوى الخارجية الداعمة له والتي سعت لتدميرها”.
وقال لافروف: “في إطار المناقشات المطولة مع الرئيس بشار الأسد ناقشنا الوضع الراهن في سورية، واتفقنا على أن يتسم الوضع الميداني بالهدوء وعلى السوريين توحيد جهودهم داخلياً”، وتابع: “أكدنا مجدداً التزامنا بسيادة ووحدة وسلامة أراضي سورية واستقلالها السياسي، علاوة على احترامنا لمبدأ أن السوريين أنفسهم هم من يحددون مصيرهم بناء على قرارات مجلس الأمن”، مشيراً إلى أن “روسيا ستواصل جهودها للدفاع عن مبدأ احترام وحدة الأراضي السورية”.
وعلق لافروف على توقيع “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد) مذكرة تفاهم مع حزب “الإرادة والتغيير”، أحد مكونات “منصة موسكو”، برعاية روسية، قائلاً: “شددنا على التزامنا باستقلال سورية وسلامتها ووحدة أراضيها عند اجتماعنا مع (مسد) و(منصة موسكو)، ودور موسكو كمنصة مناصرة لمختلف القوى السورية تبلور منذ فترة طويلة” مضيفاً: “(مسد) و(منصة موسكو) يعبران في الوثيقة عن التزامهما الكامل باستقلال سورية وسلامتها ووحدة أراضيها”.
ونبّه لافروف إلى اختلاف الرؤى بين كل من إيران وروسيا وتركيا حول الحل في سورية، إلا أن ما يجمعها جميعاً هو تفادي سيناريو العراق.
وحول إدلب، قال لافروف إن “منطقة إدلب لخفض التصعيد هي أهم مجالات تعاوننا مع تركيا، ومن أهم اتفاقاتنا مع تركيا هي العمل على الفصل بين المعارضة المعتدلة والمتطرفين”، لافتاً إلى أن “كل المواثيق التي خرجت عن مسار أستانا وكل الاتفاقات الثنائية الروسية التركية تنص على التزام ثنائي بسيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية”.
وحول عمل اللجنة الدستورية قال لافروف: “يستحيل أن يوضع برنامج زمني في ما يخص عمل اللجنة الدستورية”، وتابع: “موضوع الانتخابات هو قرار سيادي لسورية، وطالما لم يتم التوصل إلى دستور جديد أو تعديل للدستور الحالي، فإن سورية ستستمر وفق الدستور القائم”.
ونبّه بشكل مباشر إلى التفاف بلاده على سلة الحكم الانتقالي، التي تعد إحدى السلال التي طرحها المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا بالقول: “زملاؤنا الغربيون حاولوا تمرير فكرة هيئة الحكم الانتقالي عبر المبعوث الخاص الأممي ستيفان دي ميستورا، ولإخراج هذه العملية من المأزق الذي وقعت فيه، تم إنشاء مسار أستانا، وتم عقد مؤتمر الحوار السوري السوري في سوتشي، وبناء على مخرجات مؤتمر سوتشي تم تشكيل اللجنة الدستورية وعلينا السماح لها بتنفيذ عملها”.
من جهته، أشار وليد المعلم وزير خارجية النظام خلال المؤتمر، إلى أن “مستقبل العلاقات مع الأصدقاء في روسيا مستقبل واعد ومبشر بالخير”، معتبراً أن “العلاقات الاقتصادية تنمو وتتطور بما يحقق مصلحة الشعبين الروسي والسوري، وأنا متفائل بالوضع الاقتصادي العام وشعبنا سيشعر بالتحسن القادم”.
وحول اللجنة الدستورية، أكد المعلم كلام لافروف بأنه “لا يوجد جدول زمني لإنجاز الدستور، ولا يمكن إنجازه بضغوط خارجية، بل إن ذلك سيتم بما يحقق طموحات الشعب السوري”. وأوضح المعلم رداً على سؤال فيما إذا لم تنهِ اللجنة أعمالها قبل استحقاق الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل بالقول: “ستجري الانتخابات الرئاسية في سورية وستكون نزيهة، وفي ما يتعلق بشرط الإقامة لمن يريد الترشح، فهذا شأن اللجنة العليا للانتخابات، ومن حيث المبدأ كل من تتوفر فيه شروط الترشيح بإمكانه أن يترشح، أما في ما يتعلق بالدستور السوري القادم فإن هذا سيكون نتاج ما يتوصل إليه أعضاء اللجنة الدستورية، وأي نتائج تتوصل إليها هذه اللجنة فستعرض على الاستفتاء الشعبي”، مؤكداً أن “الدستور سيتواصل النقاش به، ولا علاقة له بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في موعدها العام المقبل”.
أما بخصوص رفع العقوبات الأميركية، قال: “يكون الإنسان ساذجا إذا ظن أن أميركا يهمها الشعب السوري وحسن حياته ومستقبله، وهي تفرض العقوبات علينا لأنه لا يعجبها القرار السوري المستقل وموقفنا من إسرائيل ومن المقاومة للاحتلال، والعقوبات فرضت على سورية منذ عام 1978 وليست جديدة”.
من جهته، قال يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء الروسي ورئيس الوفد خلال المؤتمر: “حققنا إنجازا هاما في إطار اللجنة المشتركة، وإن كانت لم تصل بعد ‏إلى المستوى المأمول، فإن مرد ذلك عاملان، الأول الحصار والعقوبات ‏الاقتصادية المفروضة على سورية، بما في ذلك قانون قيصر الذي يمنع قدوم ‏الاستثمارات الأجنبية للاقتصاد الوطني، ونعمل على تجاوز هذه القانون”‎، مشيراً إلى أن “العامل الثاني متعلق بجائحة فيروس كورونا وآثارها التي أسفرت عن ‏أزمة اقتصادية عالمية شاملة وبتنا نشهد انهياراً لأهم المستلزمات وغيرها من ‏الموارد‎”.
وتطرق بوريسوف لتوزع السيطرة على مكامن الثروات في سورية بالقول: “علينا أن نعترف بأن معظم المناطق الغنية وحقول النفط والغاز تقع خارج سيطرة الحكومة السورية، وهذا الواقع يمنع الحكومة من استخراج النفط الذي يشكل موردا هاما للميزانية السورية، والأمر نفسه ينطبق على الموارد الزراعية، ما يضر بالأمن الغذائي لسورية”.
وكان الوفد الروسي برئاسة يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء، قد التقى بالأسد اليوم بعد أن انضم إلى الوفد وزير الخارجية سيرغي لافروف وزير الخارجية الذي وصل دمشق صباح اليوم التي لم يزرها منذ العام 2012، وسبق ذلك اجتماع ضم الوفد الروسي مع وفد حكومي سوري برئاسة وفد حكومة النظام حسين عرنوس.
وعن لقاء الأسد بالوفد الروسي، نقلت وكالة “سانا” التابعة للنظام بأن “الجانبين عبرا عن ارتياحهما للمستوى الذي وصل إليه التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، وتم التأكيد على الإرادة المشتركة لدى موسكو ودمشق لمواصلة تطوير هذا التعاون والارتقاء به بما يحقق مصالح الشعبين الصديقين”.
وتابعت: “على الصعيد الاقتصادي، جرى خلال اللقاء بحث مجريات تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين ومساعيهما للتوصل إلى اتفاقيات جديدة، بما يساهم في تحقيق مصالح البلدين والتخفيف من آثار سياسة العقوبات القسرية التي تنتهجها بعض الدول ضد الشعب السوري، وكان هناك اتفاق على أهمية البدء بتنفيذ الآليات الكفيلة بتجاوز الحصار الاقتصادي والضغوط على الشعب السوري”.
وأشارت الوكالة إلى أنه في الجانب السياسي، “أكد الوفد الروسي استمرار دعم روسيا الاتحادية لسورية ومساعدتها في مساعيها السياسية على المسارات المختلفة رغم محاولات بعض الدول الغربية عرقلة الوصول إلى أي تفاهمات أو اتفاقات تصب في مصلحة الشعب السوري، مشددين على التمسك والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها وسيادتها واستعادة دورها الإقليمي والدولي”.
فيما نقل موقع قناة “روسيا اليوم”، أن الأسد قال إن روسيا وسورية نجحتا في إحراز تقدم في تحقيق “حل مقبول للطرفين في العديد من القضايا”، دون تحديد ماهية تلك القضايا.
وبالعموم، فقد يقرأ من الزيارة عدد من النقاط، أهمها محاولة روسيا الهيمنة على مزيد من الاقتصاد السوري من خلال الاستثمارات، ويدلل على ذلك ترؤس بوريسوف للوفد الروسي، وهو كذلك رئيس مشترك عن الجانب الروسي في اللجنة الاقتصادية المشتركة مع النظام، إلا أن الواضح من الزيارة هو مزيد من الدعم السياسي وربما العسكري للنظام، في رسالة لا يمكن قراءتها إلا في إطار التحدي الروسي للولايات المتحدة بعد فرض عقوبات قانون قيصر.
العربي الجديد