28 يونيو 2020
وفي ذات السياق، انتقد كلثوم الواقع الحالي للمهرجانات السينمائية العربيَّة، إذْ إنّ المهرجانات التونسيَّة مثلاً لا تزال حتّى الآن تعرض أفلامًا تمثّل وجهة نظر النظام السوري. عن ذلك يقول: “سألتُ القائمين على مهرجان (قرطاج)، هل ترضون أن تعرضوا أفلامًا لبن علي، أجابوا لا. فقلت إذاً كيف تعرضون أفلامًا لديكتاتور آخر، حقيقة أنّه يقتل شعبه، صارت مثل حقيقة وجود الشمس”. كما يشير إلى الاستقطاب السياسي في الجو الفني المصري. إذْ إن قسمًا لا بأس به من الطبقة الفنيَّة المصرية لا يزال يحتفظ بعلاقات تبعية مع مؤسسات النظام. “ولكن التاريخ لن ينسى. سيسأل كل مخرجٍ عن أعماله، وروايته عمّا حصل”.
ويشرح كلثوم صعوبات ومراحل نقل المشروع السينمائي من مرحلة التخطيط والكتابة إلى سوق التمويل والدعم، إذْ يرى هذه العمليّة “مصيرًا لا بدّ منه، ويجب التعامل بعقلانية معها”، قائلاً: “يلعبُ موضوع الفيلم دورًا في نيل الدعم، هذا أمر لا شكّ فيه. وعندما تعرض مشروعك المكتوب على جهة مانحة ما، فإنّ هنالك ألف مخرج آخر، قد قام بنفس الشيء. أخيرًا، يتم اختيار ثلاثة أو أربعة مشاريع. وهنا يأتي دور لغتك السينمائيَّة، والتي تشكّل بصمتك الوحيدة في عالم الإخراج. أعتقد بأنّ الفرادة لا تأتي من خلال استثنائيّة موضوع العمل، بل إنّ الفرادة تكمن في اللغة السينمائيّة التي تعالج الموضوع. ليس هنالك مشكلة أنّ يتعدد العاملون على موضوع واحد، هذا أمر لا أراه كارثة على الإطلاق. ما دام كلّ مخرج يجرّب لغته السينمائية الخاصة به. من جهة أخرى، فإنّ الموضوع الفريد فعلاً، ممكن أن يُقتل بلغة سينمائيّة ضعيفة. المعيار لديّ هو اللغة السينمائية فقط. كما أنّي أريد أن أقول بأنّ السينما سوق، مثلها مثل كل شيء، وبالتالي فإن الدخول إلى السوق العالميَّة، يحوّلك إلى (منافس)، هذا أمر لا بدّ منه. المهم في هذه العملية كلها، ألا تتنازل عن وجهة نظرك الفنيّة. بمعنى تحقيق التوازن بين متطلبّات السوق والنزعة الفنية، وهذا الأمر ليس سهلاً فعلاً”.
وعما يسمّى بـ “سينما النظام”، يقول كلثوم: “الماكينة الإعلامية للنظام لا تقلّ خطورة عن براميله المتفجرة وطائراته. أحتقر استخدام إعلام النظام ومؤسساته السينمائية للمدن المدمرة في أعماله التي ينتجها. سينما النظام فعليًا هي برميل من براميله، البراميل التي تقصف الناس بدون توقف، مع دعم روسي وإيراني واضح. نظام يحاصر المدن ويجوع الناس علنًا، وبعدها يطردهم من بيوتهم، ويسرق مملتكاتهم. هذا هو التعفيش المادي الذي يقوم به جنود نظام آل الأسد. وليأتي بعدها العاملون في المؤسسات السينمائية الرسمية التابعة له، كي يقوموا بتعفيش أخطر من التعفيش المادي، وهو تعفيش الذاكرة، تشويه التاريخ وتحريف الرواية. هذا بالنسبة لي إجرام خطير جدًا، سرقة ذاكرة الناس، وتكذيب ما حصل. هؤلاء أشخاص لا يمتلكون أدنى حد من الضمير والوجدان. خذ مثلاً فيلم المخرج جود سعيد الذي صوره على أنقاض مدينة حمص التي دمرها نظامه. تصوّر أنّ هنالك من أنتج فيلماً سينمائيًا ضد أناس، وفي نفس المكان الذي قتلوا فيه، وطردوا منه. لا أعتقد بأنّ هنالك شيئا سيئا أكثر من هذا”.
ويرفض زياد جعل التصنيف معيارًا للنقد الفني، كأن تقول إن هذا فيلم وثائقي أو “فيكشن” أو فيلم طويل أو قصير. “كما قلت سابقًا، هذا كله غير مهم، المهم هو طريقة المعالجة، لأنها وحدها من تقرّر زمن الفيلم المفترض وليس التصنيف… اللغة السينمائية تأتي قبل التصنيف”.