أصدرت المكتب الأوروبي لدعم اللجوء (EASO) يوم الثلاثاء 5/ أيار/ 2020 تقريراً عن الوضع الأمني في سوريا لتقييم الحماية الدولية ووضع اللاجئين، واعتمد التقرير على مصادر حقوقية عدة جاءت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في المرتبة الثانية من تلك المصادر.
ومن المصادر التي اعتمدها المكتب “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، ومشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة (ACLED): 203، إضافة إلى مصادر رئيسة أخرى مثل: مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ومكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومركز توثيق الانتهاكات، ومجموعة دراسة سوريا التابعة للمعهد الأمريكي للسلام، وهيومان رايتس ووتش، وقد قمنا بمراجعة التقرير، الذي جاء في 329 صفحة، ونستعرض بشكل موجز أبرز ما ورد فيه.
وينقسم التقرير إلى محورين رئيسين: المحور الأول: تحدَّث عن التطورات السياسية وحالة النزاع المسلح في سوريا والوضع الأمني في أنحاء سوريا خلال عام 2019 والشهرين الأولين من عام 2020، وركَّز على طبيعة العنف وتأثيره على المدنيين.
المحور الثاني: قام التقرير بدراسة كل محافظة على حِدة، وتناول تفصيل الوضع الأمني في كل منها وحصيلة الضحايا والحالة الأمنية والمواجهات المسلحة والتشريد القسري وعودة النازحين والأضرار التي تعرضت لها البنية التحتية.
وتحدث التقرير في بدايته عن التطورات السياسية للصراع المسلح في سوريا، ثم انتقل للحديث عن تغير مناطق السيطرة لأطراف الحرب، مُشيراً إلى استعادة قوات النظام السيطرة على معظم مساحة البلاد بما في ذلك أبرز المدن الكبرى (دمشق وحلب وحمص وحماة) ومعظم مراكز المحافظات.
وذكر التقرير أنه على الرغم من استعادة النظام السيطرة على معظم مناطق سيطرة المعارضة بدعم حليفيها الروسي والإيراني، إلا أن سيطرة النظام خارج دمشق تعتبر ضعيفة، ويرجع ذلك جزئياً إلى افتقارها إلى القوى لتأمين المناطق التي تستعيدها، إضافة إلى اتباعها سياسات عقابية ضد السكان المحليين.
وبحسب التقرير فقد أدى النزاع إلى ضعف قدرة قوات النظام على السيطرة الأمنية على المناطق بعد استعادتها؛ الأمر الذي دفعها للاستعانة بمصادر خارجية لمجموعات متعددة في شكل قوات شبه عسكرية موالية للنظام وقوى أجنبية وميليشيات محلية.
وذكر التقرير أن صراعات بين فصائل الميليشيات الموالية للنظام حصلت بشكل متكرر خلال النزاع المسلح بغرض الدخول والسيطرة على مناطق، واعتبر التقرير أن الدافع الرئيس وراء هذه الصراعات هو الجرائم التي ترتكبها هذه الفصائل العصاباتية (سرقة الممتلكات والفساد، وتهريب السلاح والمخدرات، والخطف والابتزاز وانتهاكات أخرى بحق المدنيين)، كما أشار التقرير إلى وقوع ضحايا مدنيين بسبب هذه المواجهات في محافظات حلب وحمص وحماة.
وتحدث التقرير عن هشاشة الوضع الأمني في المناطق التي استعادت قوات النظام السيطرة عليها من خلال اتفاقات “مصالحة” مثل محافظة درعا، والغوطة الشرقية بريف دمشق، والقنيطرة، وذلك بسبب تعدد الأطراف المعنية بكل اتفاق وتضارب مصالح هذه الأطراف.
وأشار التقرير إلى انتهاكات أطراف أخرى إضافة إلى النظام السوري حيث ذكر وقوع ضحايا مدنيين جراء مواجهات بين فصائل مختلفة في المعارضة المسلحة، إضافة إلى حالات خطف واحتجاز وتعذيب وابتزاز وقتل مدنيين على يد فصائل في المعارضة المسلحة، كما ذكر التقرير وقوع انتهاكات عديدة على يد قوات وحدات الحماية الكردية (YPG) مثل: تفجير عبوات ناسفة، كمائن، خطف وإعدامات.
وذكر التقرير أنه على الرغم من خسارة داعش آخر نقاظ سيطرته، إلا أنه تم تسجيل تفجيرات واغتيالات ضد قوات سوريا الديمقراطية أو مدنيين على صلة بهذه القوات.
تحدَّث التقرير عن التصعيد العسكري على شمال غرب سوريا منذ نيسان 2019، والذي أدى إلى ارتفاع كبير في حصيلة الضحايا المدنيين إضافة إلى الدمار الواسع في البينة التحتية، مُشيراً إلى تصاعد في وتيرة العمليات العسكرية تلك منذ كانون الأول 2019.
وأوضح أنه ما بين كانون الأول 2019 وشباط 2020 تم تهجير نحو مليون شخص قسرياً، كما حمَّل التقرير النظام السوري والقوات الموالية له المسؤولية عن مقتل ما نسبته 92 % من حصيلة الضحايا.
وجاء في التقرير أن سوريا اعتبرت البلد الأكثر تضرراً بالعنف عن طريق التفجيرات على مستوى العالم في عام 2018 على الرغم من انخفاض أعداد الضحايا وعدد التفجيرات مقارنة بالعام الأسبق 2017. وأكد التقرير مسؤولية القوات الحكومية عن نحو 77 % من مجمل حصيلة الضحايا المدنيين، موضحاً أن ما نسبته 53 % من إجمالي حصيلة الضحايا المسجلة سقطوا بسبب ضربات جوية.
وتحدث التقرير عن الاستهداف المباشر للمنشآت المدنية الحيوية، حيث ذكر أن عام 2019 قد شهدَ تنفيذ قوات النظام والقوات الموالية لها هجمات عشوائية ومباشرة على مدنيين ومنشآت مدنية باستخدام القصف الجوي والمدفعي؛ ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات في إدلب وحماة في شمال غرب سوريا.
وأكد التقرير على استخدام أسلحة محرمة دولياً في هذه الهجمات كالأسلحة العنقودية والحارقة، ولفت إلى أن قوات النظام والقوات الموالية لها استهدفت البنية التحتية المدنية في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال الغربي بما في ذلك المنشآت الطبية والمدارس والأسواق والمخابز وعمليات الإغاثة ومنازل المدنيين، وتم توثيق حالات استهداف مباشر لمخيمات النازحين في عام 2019؛ ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين.
وفي معرض حديثه عن استخدام الأسلحة غير المشروعة في سوريا، أشار التقرير إلى مسؤولية قوات النظام عن 98 % من إجمالي الهجمات الكيميائية المبلغ عنها في سوريا، ولفت إلى أنَّ كل المحافظات السورية -باستثناء طرطوس- جميعها قد تعرضت لهجمات بأسلحة عنقودية منذ عام 2012. موضحاً أن معظم الهجمات العنقودية الموثقة في عام 2018 والنصف الأول من 2019 وقعت في محافظة إدلب.
وقد اعتبر التقرير أن قوات النظام هي المسؤول الرئيس عن استخدام الأسلحة العنقودية في مناطق سيطرة المعارضة، مشيراً إلى وجود أدلة قوية على وجود مخازن أسلحة عنقودية روسية في سوريا في قاعدة حميميم الجوية، ومؤكداً على استخدام القوات الروسية لهذه الأسلحة على الأقل في عمليات مشتركة مع قوات النظام منذ 30 أيلول 2015. مستشهداً بتصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الأسلحة العنقودية هي “أحد أساليب الحرب القانونية” و”أن القوات العسكرية الروسية تلتزم بمبادئ القانون الدولي الإنساني”.
وسجل التقرير استخدام تنظيم داعش أيضا لذخائر عنقودية في عام 2014، فيما لم يسجل استخدام قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل لأية أسلحة عنقودية في سوريا، وأضاف التقرير أيضاً بأنه لا يوجد معلومات عن استخدام المجموعات المسلحة الأخرى للذخائر العنقودية.
توسَّع التقرير في الحديث عن الوضع الأمني في سوريا، مشيراً إلى وقوع 17655 حادثة بحسب ACLED في عام 2019، توزعت بحسب النوع إلى: 2814 حالة سجلت كمعركة، و13674 تفجير/ عنف عن بعد، و1167 حالة عنف ضد مدنيين. معظم الحوادث سجلت في إدلب (6447)، ثم حماة (5119)، فحلب (2370)، فدير الزور (1029)، فيما كان عدد الحوادث الأقل قد سجل في طرطوس (2)، ثم القنيطرة، (25) فدمشق (38).
وسرد التقرير في حيِّز مهم منه عن حصيلة الضحايا المدنيين في سوريا، مُشيراً إلى سقوط ما لا يقل عن 500 ألف مدني منذ بدء الأحداث في سوريا في عام 2011 حتى الآن. وقد اعتمد التقرير بشكل أساسي في توثيق إحصائيات الضحايا على توثيق كل من الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومركز توثيق الانتهاكات.
انتقل التقرير في الحديث عن حالة حقوق الإنسان في سوريا منذ نهاية عام 2018، مشيراً إلى وجود 11.7 مليون شخص بحاجة مساعدة إنسانية في سوريا، 5 مليون منهم بحاجة ماسة، وبحسب أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) فإنَّ من بين الـ 11.7 مليون هناك نحو 4.7 مليون طفل، و1.3 مليون من ذوي الاحتياجات الخاصة والنساء الحوامل أو حديثي الولادة.
وأشار التقرير إلى ما ذكر في تقرير لمجلس الأمن الدولي في كانون الأول 2019 عن المزيد من التدهور في الوضع الإنساني للمدنيين في كافة أنحاء سوريا. وتُشير التقديرات إلى وجود 7.2 مليون شخص بحاجة مساعدة إنسانية في مناطق سيطرة النظام.
وأشار التقرير إلى وجود قيود من قبل قوات النظام على قدرة وصول المنظمات الإغاثية للمدنيين، أو إيصال الدعم للمدنيين المحتاجين، وهو أسلوب مصمَّم للتَّحكم بالدعم الإغاثي لتحقيق أكبر فائدة للسلطة الاستغلالية على حساب إيصال الدعم للمدنيين بدون معوقات.
وتحدث التقرير عن مصاعب أخرى تواجه إيصال المساعدات الإغاثية في كافة أنحاء سوريا من أبرزها ضمان سلامة عمال الإغاثة ومخاطر التفجيرات، ذكر التقرير أنه قد تم تسجيل قرابة 2 مليون نازح داخلياً في عام 2019، 68 % منهم نزوح ضمن المحافظة نفسها، ومعظمهم في محافظة إدلب.
أضاف التقرير أنَّ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد سجل عودة طوعية لقرابة نصف مليون نازح داخلياً، 77 % منهم عادوا من مناطق نزوحهم إلى مناطقهم الأصلية ضمن المحافظة ذاتها. وسجلت معظم أرقام العودة في محافظة درعا.
وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان على أنها مستعدة للمساهمة في التقارير الدولية عن حالة حقوق الإنسان في سوريا، وتضع قاعدة البيانات وما تحتويه من معلومات واسعة تم تسجيلها خلال تسع سنوات في خدمة إظهار حقيقة ما يجري بحق المواطن والدولة السورية، وتأمل أن يكون ذلك خدمة لتسجيل تاريخ وسردية ما جرى في سوريا بموضوعية، ومنعاً من محاولات حثيثة من قبل مرتكبي الانتهاكات وفي مقدمتهم النظام السوري وروسيا وإيران لإنشاء منظمات تابعة لهم تهدف إلى تغيير سردية الأحداث ونفي الانتهاكات وتبريرها.
وشددت الشبكة على أنها ستبذل أكبر جهد ممكن في توثيق ما تتمكن من انتهاكات وحوادث بموضوعية ومصداقية سعياً منها إلى تحقيق هدف حماية المدنيين في سوريا، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات كافة، والبدء في مسار التغيير نحو الديمقراطية، وشعارها هو: لا عدالة بلا محاسبة.
المصدر : شبكة شام الإخبارية