19 أبريل 2020
ولا شك أن من ضمن المخاوف المشروعة للأهالي في إدلب وما حولها في هذه الآونة، هو أن يسبب استئناف افتتاح المعابر وعودة الحركة التجارية بين مناطق النظام والمعارضة، انتقال فيروس كورونا من مناطق سيطرة النظام، نحو تلك الخاضعة لسيطرة المعارضة، بعد اكتشاف العديد من الحالات في مناطق النظام، إذ تشير الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة في حكومة النظام إلى أن عدد المصابين بالفيروس وصل إلى 38 حالة، فيما يتوقع خبراء صحة سوريون أن يكون هذا الرقم غير دقيق، لجهة أن الأرقام ربما تكون أكبر من ذلك بكثير، في ظل التواصل الدائم بين مناطق سيطرة النظام وإيران، التي تعد دولة موبوءة بالفيروس. وكان من المقرر أن يُفتتح المعبر يوم أمس السبت أمام الحركة التجارية، بين مدينتي سراقب الخاضعة لسيطرة قوات النظام ومليشيات مدعومة من إيران، وسرمين الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة و”تحرير الشام”، الواقعتين شرقي مدينة إدلب. وأوضحت مصادر لـ”العربي الجديد” أن الهدف من افتتاح المعبر تجاري، ولن يتم استخدامه لأغراض أخرى كمرور المسافرين أو الطلاب والموظفين الراغبين في التوجه نحو مناطق سيطرة النظام.
في المقابل، أفاد المسؤول الإعلامي في “الهيئة”، تقي الدين عمر، في تصريح صحافي، بأن افتتاح المعبر يأتي تلبية لرغبة تجار إدلب، الذين اشتكوا للهيئة من كساد المنتجات والمحاصيل الزراعية، مضيفاً أن هذه البضائع لا تؤثر على تحسن اقتصاد النظام، خصوصاً مع سقوط المناطق الزراعية في الشمال السوري في قبضته بعد الحملة العسكرية الأخيرة. كذلك أشار إلى أن المعبر سيفتح من الاتجاهين، مع إجراءات للتعقيم، ولن يتم السماح بانتقال السائقين والتجار من المنطقة إلى أخرى.
لكن “هيئة تحرير الشام” تراجعت أمس السبت عن افتتاح المعبر، وأعلنت عن ذلك عبر لسان مسؤول إعلامي آخر يدعى أبو أحمد، الذي أشار إلى أنه “يُنظر في القرار منذ أكثر من يومين وأول من أمس الجمعة، لذلك كان القرار النهائي بعدم فتح المعبر، إلى حين انتهاء أزمة كورونا، أو تغير الخريطة الجغرافية إيجاباً، أو إيجاد منطقة أخرى يمكن افتتاح منفذ فيها ومنفس تجاري للمنطقة بعد انتهاء أزمة كورونا”. وسبق إعلان “الهيئة” تراجعها في افتتاح المعبر أو تأجيل الخطوة بحسب المسؤول الإعلامي، تجمهر مدنيين قرب مدينة سرمين وطريقها المؤدي نحو مدينة سراقب، صباح أمس، ما دفع مجموعة من عناصر “تحرير الشام” إلى تفريقهم، مهددة إياهم بالاعتقال، بحسب ناشطين، قبل قرار “الهيئة” النهائي بتأجيل افتتاح المعبر، لتهدأ الاحتجاجات.
الهاجس الثاني مرتبط بوباء كورونا والخشية من انتقاله إلى مناطق النازحين، بعد تسجيل حوالي 40 إصابة في مناطق سيطرة النظام، وسط شكوك في صحة هذه الأرقام. وتشارك الكوادر الصحية والطبية في إدلب ومحيطها الأهالي مخاوفهم، كون انتقال الفيروس إليها سيسبب كارثة كبيرة، في ظل ضعف الإمكانات الطبية، وتراجع عدد المستشفيات والنقاط الطبية بعد سيطرة النظام على معظمها وأهمها خلال الحملات العسكرية الأخيرة، ولا سيما مستشفيات مدينتي معرة النعمان وسراقب ومحيطهما، التي كانت تخدم جزءاً كبيراً من أهالي إدلب صحياً، قبل دخول النظام إلى المدينتين وريفهما.
الهاجس الثالث، وهو استفادة النظام من عودة الحركة التجارية بما يؤمن له سيولات دولارية جديدة هو في أمس الحاجة إليها في ظل جفاف القطع الأجنبي الذي يعانيه مصرف سورية المركزي، لترميم حالة العجز الواضحة في بنيته المالية. ويعزو اقتصاديون السبب في ضعف البنية المالية للنظام في الآونة الأخيرة إلى تراجع دخول القطع الأجنبي من العملات الآتية من مناطق سيطرة المعارضة، بعد انخفاض عمليات التبادل التجاري بسبب المعارك وإغلاق الطرق خلال الفترة الماضية، والتي زادها حدة إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية بسبب الأزمة العالمية التي سببها انتشار فيروس كورونا، ولا شك أن عودة الحركة التجارية والتي ربما تسبب تعافياً نسبياً لتلك البنية المالية، ستتيح للنظام التفكير في استئناف المعارك وقضم أجزاء أخرى من “منطقة خفض التصعيد”، في حال تخلص من مشاكله الاقتصادية.
وتستفيد مناطق سيطرة المعارضة في إدلب من التبادل التجاري الكبير مع تركيا، ما يجعل النظام المستفيد الأكبر من استئناف الحركة التجارية وافتتاح المعابر، نظراً لعدم وجود خيارات أخرى أمامه سوى مناطق سيطرة المعارضة، على الأقل في الوقت الحالي. يذكر أن “مناطق خفض التصعيد” تضم كامل محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي، قبل أن يقضم النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون مساحات واسعة منها عبر حملات عسكرية متعددة بدأت منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي، وانتهت في الخامس من مارس/ آذار الماضي بتوقيع الاتفاق الروسي – التركي القاضي بوقف إطلاق النار.
العربي الجديد