تغيرت خريطة السيطرة في مناطق شمال غربي سوريا، منذ 24 من نيسان 2019، وتقدمت قوات النظام السوري والحليف الروسي على حساب المعارضة، وسيطرت على مدن وبلدات استراتيجية، إضافة إلى الطريق الدولي دمشق- حلب (M5).
حملات عسكرية متتالية فصلت بينها اتفاقات تهدئة أو وقف إطلاق نار، كانت بمثابة إعداد وتنظيم صفوف واستقدام تعزيزات وتحصين، ثم إعداد خطط الهجوم من قبل قوات النظام المدعومة بغطاء جوي روسي وميليشيات إيرانية على الأرض، لتنتهي بالسيطرة على مزيد من الأراضي على حساب المعارضة.
نيسان 2019.. سقوط أولى قلاع المعارضة
مع انعقاد مؤتمر “أستانة 12” بين الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران)، كانت قوات النظام وروسيا والميليشيات التابعة لإيران تقصف بمدفعيتها وسلاح الجو مدن وبلدات خاضعة لسيطرة المعارضة.
وبدأت المعارضة بخسارة أولى مناطقها الاستراتيجية، وهي بلدة كفرنبودة بريف حماة الشمالي الغربي، تبعها سقوط قلعة المضيق في أيار 2019، التي تمثل بوابة سهل الغاب، وتعتبر الخزان الزراعي والتجاري الذي ترتكز عليه قرى ريف حماة، كما أنها إحدى خواصر جبل شحشبو، الذي يعد امتدادًا لجبل الزاوية في الجزء الشمالي الغربي من مدينة حماة.
واستمرت قوات النظام في السيطرة على قرى في ريف حماة الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي، مع استمرار استهداف المناطق السكنية بالبراميل المتفجرة والغارات الجوية، حتى إعلان الدول الضامنة لمسار “أستانة” (روسيا وتركيا وإيران)، في 2 آب 2019، التوصل مع وفدي النظام والمعارضة لاتفاق هدنة “مشروطة” في شمال غربي سوريا.
إلغاء التهدئة واستئناف المعارك
قوات النظام ألغت الاتفاق وبدأت بعمليات عسكرية بعد اتهام فصائل المعارضة بخرق الهدنة وعدم الالتزام باتفاق “سوتشي”، وسيطرت في آب 2019 على مدن وبلدات (بريفي إدلب وحماة)، الهبيط وكفرزيتا واللطامنة ومورك وخان شيخون، وتعتبر الأخيرة من أهم المدن في المنطقة كونها نقطة التقاء محافظتي إدلب وحماة، وتقع على الطريق الدولي دمشق- حلب (M5).
وفي 30 من آب 2019، وافق النظام السوري على وقف إطلاق النار، الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع الروسية، في منطقة إدلب، بعد لقاء الرئيسين، الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان، في موسكو.
لكن النظام وروسيا استمرا في قصفهما للمناطق السكنية، ومع نهاية العام 2019 سيطرت قوات النظام على مساحة ألف كيلومتر مربع من مساحة إدلب، بمعدل 114 قرية، لتبقى المساحة المتبقية بيد الفصائل خمسة آلاف و609 كيلومترات مربعة، بنسبة كثافة سكانية تصل إلى 821 نسمة في الكيلومتر المربع، بحسب ما وثقه فريق “منسقو استجابة سوريا”.
وفي 12 من كانون الثاني الماضي، وقّع الطرفان الروسي والتركي اتفاق “تهدئة”، إلا أن النظام تابع هجماته بمساندة روسيا على مناطق إدلب وريف حماة وريف حلب بعد ثلاثة أيام من توقيع الاتفاق.
وسيطر النظام على معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، وجبل شحشبو وسراقب وكفرنبل بريف إدلب، وعندان وحريتان والعيس وغيرها من مناطق ريف حلب، وأنهى هجماته بالسيطرة على الطريق الدولي دمشق- حلب بالكامل، وتوقفت العمليات العسكرية بتوقيع اتفاق موسكو، في 5 من آذار الماضي، بين أردوغان وبوتين، وقضى بوقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على طريق حلب- اللاذقية (M4).
اتفاقات هشة ألقت بثقلها على المعارضة المسلحة
المحلل العسكري العقيد أحمد حمادي، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أن الاتفاقيات التي جرت في مناطق شمال غربي سوريا هشة لأن روسيا وإيران الداعمتين للنظام كانتا تريدان نقضها منذ توقيعها، كما أن عدم وجود ضمانات دولية عن طريق الأمم المتحدة أو عن طريق دول فاعلة بشكل كبير، وترك الولايات المتحدة الأمريكية المعارضة دون تسليح ودون قيادة فاعلة أيضًا، زاد من هشاشتها وسهولة خرقها، واقتصرت الاتفاقيات على مسار “أستانة” بين الروس والإيرانيين والنظام من جهة والأتراك من جهة أخرى.
وبُرمجت الساحة السياسية لاحقًا في اتفاقات ضمت الروس والأتراك وأبعدت الإيرانيين عن ساحات السياسة، وبقي وجودهم وتعزيزهم العسكري على الأرض في ازدياد، ما غيّر خارطة السيطرة في المنطقة.
لذلك نرى النظام والروس والإيرانيين يضعون قنبلة ضمن هذه الاتفاقيات، بحسب العقيد حمادي، وهي “التنظيمات الإرهابية التي يجب محاربتها”، واستغلال هذه الذريعة من أجل نقد الاتفاقيات.
فالروس والنظام كانوا دائمًا يريدون السيطرة على كامل الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة، لأن ذلك يمكنهم من الاستئثار بكل الوضع السوري، ووضع دول العالم أمام أمر واقع وراهن في المسألة السورية.
وفي 22 من نيسان الحالي، عقد وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران اجتماعًا ضمن مسار “أستانة”عبر تقنية الفيديو، وتباينت تصريحات الدول الثلاث حول مخرجات الاجتماع، ما يبقي الوضع في شمال غربي سوريا ضبابيًا.
وبحسب بيان للخارجية الروسية، فإن الوزراء الثلاثة ناقشوا الوضع في إدلب، واحترام الدول غير المشروط لسيادة ووحدة سوريا وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، إلى جانب أهمية اللجنة الدستورية.
ووفقًا لبيان الخارجية الإيرانية، ناقش الوزراء، إلى جانب إدلب واللجنة الدستورية، ضرورة رفع العقوبات من جانب واحد، وضرورة توسيع النظام السوري سيطرته على كامل الأراضي السورية ومكافحة “الإرهاب”.
بينما قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن الاجتماع “ناقش مكافحة كورونا، وآخر التطورات، والعملية السياسية، والوضع الإنساني وعودة النازحين خاصة في شرق إدلب والفرات”.
المصدر : عنب بلدي