3 أكتوبر 2019
وفي السياق، أعلن الكرملين أمس الأربعاء أن موسكو تراقب الوضع عن كثب بعد تلميح أردوغان إلى أن بلاده قد تتحرك بمفردها لإقامة المنطقة الآمنة. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين في موسكو، إن من حق تركيا الدفاع عن نفسها لكن يجب الحفاظ على وحدة أراضي سورية.
“ |
ومن الواضح أن أنقرة تشعر أن واشنطن تماطل في تنفيذ الاتفاق الذي توصلتا إليه في 7 أغسطس/آب الماضي، ويقضي بإنشاء “مركز عمليات مشترك” في تركيا لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شمال سورية. وليست هذه المرة الأولى التي يلوّح فيها الرئيس التركي بالقيام بعمل منفرد في منطقة شرقي نهر الفرات لتبديد مخاوف أنقرة من توجّه غربي نحو فرض إقليم ذي صبغة كردية في المنطقة التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية ثقلها الرئيسي. وتطالب تركيا بمنطقة آمنة على طول 422 كيلومتراً من حدودها مع سورية، وبعمق 20 ميلاً، ولكن من الواضح أن الطرف الأميركي يعارض هذا التوجه ويدفع باتجاه الاكتفاء بسحب “قسد” أسلحتها الثقيلة لمسافة 5 كيلومترات في عمق الأراضي السورية، وتسليم المنطقة لوحدات محلية مرتبطة بهذه القوات وهو ما تعتبره أنقرة تحايلاً خبرته سابقاً في منطقة منبج غربي نهر الفرات.
ومع حديث أردوغان هذا، تضاربت الأنباء حول إمكان حصول تحرك عسكري تركي، ففيما قال مصدر إعلامي مقرب من الجيش التركي لـ”العربي الجديد”، إن عملية عسكرية تركية بضوء أخضر أميركي “قد تبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة، وستشمل المنطقة الواقعة بين تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وشرق رأس العين في ريف الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سورية بعمق خمسة كيلومترات”، فإن مصادر في الخارجية التركية أكدت لـ”العربي الجديد” أن الحديث عن عملية عسكرية شرقي الفرات غير واقعي، وأقصى ما يمكن عمله هو تقدّم في ريف تل أبيض بشكل محدود. وتهدف تركيا إلى إعادة نحو مليوني لاجئ سوري إلى منطقة شرقي نهر الفرات في أراضيها، في حين تعارض “الإدارة الذاتية” الكردية عودة أي سوري من خارج شرقي الفرات إلى المنطقة.
وفي موازاة هذا الملف، لا يزال الموقف معلقاً في شمال غربي سورية، وسط أخبار متضاربة حيال هدنة بعيدة المدى اتفق عليها الأتراك والروس. وذكر موقع “بلدي نيوز” الإخباري المعارض “أن تركيا أبلغت فصائل المعارضة في إدلب و”الجيش الوطني”، الإثنين، أنها توصلت لاتفاق مع روسيا لوقف إطلاق النار، لمدة ستة أشهر، كمرحلة أولى تتبعها ثلاث مراحل، كل مرحلة بالمدة نفسها”. لكن مصادر الخارجية التركية نفت لـ”العربي الجديد” حصول أي اتفاق جديد حول إدلب. كما أكد محمد رشيد، المتحدث الإعلامي باسم “جيش النصر”، أبرز فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير”، لـ”العربي الجديد”، أنه “لا جديد حتى الآن بخصوص وقف إطلاق النار في شمال غربي سورية”. من جهته، قال قائد العمليات في “جيش العزة”، العقيد مصطفى البكور، لـ”العربي الجديد”: “لم نتلقّ أي إخطار بخصوص هدنة طويلة الأمد في شمال غربي سورية”.
المتحدث باسم “جيش النصر”: لا جديد بخصوص وقف إطلاق النار في شمال غربي سورية |
كذلك نفى القيادي في الجيش السوري الحر مصطفى سيجري في تغريدة على “تويتر” الأنباء عن اتفاق جديد، مؤكداً أنها تندرج في سياق “الإشاعات”، مشدداً على أن الثابت هو ما ذكره منذ أيام. وكان سيجري أكد قبل أيام أن الطرفين التركي والروسي “اتفقا على إنشاء منطقة عازلة جديدة بين قوات النظام وفصائل المعارضة، خالية من السلاح الثقيل. كذلك نصّ الاتفاق على تحديد مسار الدوريات التركية الروسية المشتركة، وإبعاد الشخصيات المصنّفة على لوائح الإرهاب الدولية”، على أن تدخل الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري إلى المنطقة، لتقديم الخدمات مع استئناف الدعم الإنساني الدولي. وينصّ الاتفاق الجديد، الذي أُبرم وفق سيجري خلال قمة أنقرة الثلاثية الأخيرة، على “استكمال الخطوات النهائية بما يخص اللجنة الدستورية، ووضع قانون انتخابات جديد”. وأضاف أن من بنود اتفاق أنقرة حلّ ما يسمى بـ”حكومة الإنقاذ”، التي شكّلتها “هيئة تحرير الشام” (هيئة النصرة سابقاً).
الأمر نفسه تحدث عنه القيادي في الجيش السوري الحر العميد فاتح حسون، الذي نفى الأنباء عن هدنة طويلة المدى في شمال غربي سورية، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “القوات المعتدية الروسية والإيرانية ومليشيات النظام ما زالت تقصف القرى والبلدات، وتحشد على محاور محددة، وتحاول استنزاف القوى المدافعة عن منطقة الكبينة في الساحل”. ومضى بالقول: “لكن يبدو أن قرار الحرب في المنطقة بالنسبة لروسيا قد تم ترحيله لما بعد نتائج اجتماع القمة الرباعية في تركيا الذي سيضم إضافة لتركيا وروسيا كلا من فرنسا وألمانيا”. وأعرب عن اعتقاده بأن روسيا “تحاول أن تضغط سياسياً على الاتحاد الأوروبي لتحصيل بعض أموال إعادة الإعمار، وإن لم تنجح في ذلك من خلال القمة فستلجأ للضغط الميداني الذي سيسبّب مزيداً من موجات نزوح تتخوف منها دول الاتحاد الأوروبي، والتي بدأت الولايات المتحدة بالتخفيف عنها عن طريق تصعيد لهجتها ضد نظام الأسد وداعميه، في رسالة لروسيا بأن أي تحرك عسكري غير متوافق عليه في منطقة إدلب سيعود على النظام وإيران وروسيا بويلات”.
على الصعيد ذاته، من المتوقع عقد جولة جديدة من مباحثات أستانة بين الثلاثي الضامن في سورية (تركيا، إيران، روسيا) خلال الشهر الحالي في العاصمة الكازاخية نور سلطان، وفق ما أعلنه منذ أيام وزير الخارجية الكازاخي مختار تلاوبردي.