أمين العاصي
31 أكتوبر 2019
لم تهدأ الاشتباكات في منطقة شرقي نهر الفرات السورية رغم سريان الاتفاق الروسي التركي حول المنطقة، والذي كما يبدو يواجه تحديات، تحاول موسكو وأنقرة التغلب عليها، في ظل تهديد الأخيرة بتوسيع نطاق “المنطقة الآمنة” التي نص عليها الاتفاق، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن هدوءاً دائماً في الشمال الشرقي من سورية لا يزال بعيد المنال، في ظل إصرار جميع اللاعبين على الحصول على الحد الأعلى من المكاسب على الأرض.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الأربعاء، أن “اشتباكات عنيفة” تدور بين “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) وقوات النظام من جهة، والقوات التركية و”الجيش الوطني السوري”، التابع للمعارضة، من جهة ثانية على محور قرية عريشة ومحاور أخرى تابعة لمنطقة أبو رأسين في ريف الحسكة، وذلك بعد أقل من يوم من إعلان الجانب الروسي انسحاب “وحدات حماية الشعب” الكردية مسافة 30 كيلومتراً عمقاً وفق الاتفاق الروسي التركي. وأشار إلى أن فصائل المعارضة السورية المنضوية في “الجيش الوطني” تحاول “قضم مزيد من المواقع والنقاط”، وذلك بإسناد جوي من قبل طائرات تركية مسيرة، موضحاً أنه وثق مقتل 3 عناصر من قوات النظام في القصف التركي والاشتباكات، وأن أكثر من 400 عائلة نزحت من قرى في المنطقة باتجاه بلدة تل تمر على خلفية القصف والاشتباكات.
”
دعت وزارة دفاع النظام السوري مقاتلي “قسد” إلى الانخراط في قواته لمواجهة العدوان التركي
”
من جانبها، ذكرت مصادر محلية أن اشتباكات تدور بين “الجيش الوطني” و”قسد” في قرية العريشة جنوب شرقي مدينة رأس العين بريف الحسكة. وأشارت إلى أن معارك تدور بين الطرفين على محور يمتد نحو كيلومترين، في سعي من “الجيش الوطني” للسيطرة على قرية أبو رأسين وقرى مجاورة لقطع الطريق أمام قوات النظام للوصول إلى الحدود السورية التركية. إلى ذلك، يواصل النظام السوري محاولاته للاستفادة من الهجوم التركي، إذ دعت وزارة دفاعه، أمس الأربعاء، مقاتلي “قسد” إلى الانخراط في قواته لمواجهة “العدوان التركي”. وأعلنت وزارة دفاع النظام، في بيان، أنه “بعد بسط سيطرتها على مناطق واسعة من الجزيرة السورية تدعو عناصر المجموعات المسماة بقسد إلى الانخراط في وحدات الجيش للتصدي للعدوان التركي الذي يهدد الأراضي السورية”. وأعلنت أنها “مستعدة لاستقبال العناصر والوحدات الراغبين في الانضمام إليها من هذه المجموعات وتسوية أوضاع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والمطلوبين أمنياً”. وأضافت “نواجه عدواً واحداً ويجب أن نبذل مع أبناء سورية الموحدة، من عرب وأكراد، دماءنا لاسترداد كل شبر من أراضي سورية”.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، عزم بلاده توسيع مساحة “المنطقة الآمنة” في سورية إذا استدعى الأمر، مؤكداً، في خطاب أمام الكتلة البرلمانية لـ”حزب العدالة والتنمية” الحاكم في أنقرة، أن تركيا “سترد بأشد الطرق على الهجمات التي قد تأتي من خارج المنطقة الآمنة. وإذا استدعى الأمر سنعمل على توسيع مساحة المنطقة الآمنة”. وناقض أردوغان وزارة الدفاع الروسية، مشيراً إلى أن “وحدات حماية الشعب” الكردية لم تكمل انسحابها إلى عمق 30 كيلومتراً على الأقل بعيداً عن الحدود التركية. وأعلن أن السلطات الروسية أبلغت أنقرة بأن نحو 34 ألف عنصر من “المجموعة الإرهابية” انسحبوا، إضافة إلى 3260 قطعة من الأسلحة الثقيلة، من منطقة تمتد 30 كيلومتراً من الحدود التركية السورية. وقال “المعطيات لدينا تشير إلى أن ذلك لم يكتمل تماماً” في إشارة إلى الضمانات الروسية. وأضاف “سنعطي الرد الضروري بعد أن ننفذ العمل على الأرض”. وأعلن أن الدوريات المشتركة بين تركيا وروسيا في سورية ستبدأ غداً الجمعة في قطاع بعمق سبعة كيلومترات. وأضاف “نحتفظ بحقنا في تنفيذ عمليتنا العسكرية بأنفسنا إذا تبيّن لنا عدم إبعاد الإرهابيين إلى خارج عمق 30 كيلومتراً أو إذا استمرّت الهجمات من أي مكان كان”. على الصعيد ذاته، نقلت وسائل إعلام تركية رسمية عن وزير الدفاع خلوصي أكار قوله إن المحادثات بين مسؤولين أتراك وروس بشأن التطورات في شمال شرق سورية اختتمت، وتم “إلى حد بعيد” التوصل إلى اتفاق. ونقلت وكالة “الأناضول” عن أكار قوله إن “المحادثات مع روسيا اختتمت. تم إلى حد بعيد التوصل إلى اتفاق. جهودنا مستمرة بشكل مشترك وبناء ويتسم بالتفاهم”.
وتؤكد الاشتباكات، التي لا تزال محتدمة في شرق الفرات أن تنفيذ الاتفاق التركي الروسي كما هو مرسوم له يواجه تحديات على الأرض، وهو ما اعترف به وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أمس الأربعاء، إذ أكد أن مذكرة التفاهم التي أبرمتها موسكو وأنقرة حول منطقة شرقي نهر الفرات في 22 الشهر الحالي تنفذ بصعوبة، مشدداً على أنها السبيل الوحيد للحفاظ على سيادة البلاد. وقال شويغو، خلال لقاء عقده مع الرئيس الأذري إلهام علييف في باكو، إن “مذكرة التفاهم التي وقعها الرئيسان الروسي (فلاديمير بوتين) والتركي (أردوغان) تُنفذ لكن بصعوبة، لكننا نعتقد أن ذلك هو السبيل الوحيد لإرساء السلام في سورية والحفاظ على وحدة أراضيها”. وكان الجانبان التركي والروسي قد أبرما اتفاقاً في سوتشي يخص منطقة شرقي الفرات، التي تسيطر “قوات “سورية الديمقراطية” على أغلبها. ونصّ على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر “قسد” وأسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية شرق الفرات، بالإضافة إلى إخراج جميع عناصر “الوحدات” الكردية مع أسلحتهم من منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب. وكان شويغو قد أعلن، أول من أمس الثلاثاء، أن عملية سحب القوات التابعة للفصائل الكردية من “المنطقة الآمنة” التي تخطط تركيا لإقامتها في شمال شرق سورية، اكتملت قبل الموعد المقرر لها.
ومن المفترض أن تبدأ القوات الروسية والتركية، وفقاً للاتفاقية، دوريات مشتركة في منطقة أضيق بعمق عشرة كيلومترات غرباً وشرقاً من منطقة العمليات باستثناء مدينة القامشلي، على الجانب السوري من الحدود. ومنحت الاتفاقية الجانب التركي سيطرة مطلقة على الشريط الحدودي ما بين مدينتي تل أبيض ورأس العين على طول نحو 100 كيلومتر وعمق نحو 30 كيلومتراً، وهي المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي منتصف الشهر الحالي. ونصّ الاتفاق على أن تنشر روسيا قوات لها على الحدود السورية المتبقية، والبالغة نحو 300 كيلومتر في ريف الحسكة، شرق مدينة رأس العين وفي ريف حلب الشمالي الشرقي غرب مدينة تل أبيض. كذلك نصّ على أن ينشر النظام قوات مهمتها حراسة الحدود، وهو ما تحقق إلى حد بعيد، إذ أكدت وكالة “سانا” التابعة للنظام أن قوات الأخير انتشرت خلال الفترة الماضية على الحدود السورية التركية في ريف الحسكة الشمالي، من ريف رأس العين الشرقي غرباً وصولاً إلى القامشلي شرقاً، وثبتت نقاطها على محور يمتد بنحو 90 كيلومتراً.
”
هدد أردوغان بأن تركيا سترد بأشد الطرق على الهجمات التي قد تأتي من خارج المنطقة الآمنة
”
من جانبه، أكد “مركز المصالحة الروسي في سورية”، في بيان، أن روسيا نفذت مذكرة التفاهم حول الأمن على الحدود التركية السورية بالكامل. وأشار إلى أن قوات النظام السوري نصبت 84 نقطة على الحدود مع تركيا، 60 منها في منطقة القامشلي في ريف الحسكة أقصى الشمال الشرقي لسورية، و24 في منطقة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي. وكان أردوغان قد أعلن أن روسيا سحبت على ما يبدو القوات الكردية من المناطق المحاذية للحدود بالكامل، لافتاً إلى أن بلاده لا تسعى للسيطرة على النفط السوري. وقال، لمناسبة عيد الجمهورية الثلاثاء الماضي، إن “المعلومات التي حصلنا عليها من روسيا تفيد بسحب المجموعات الإرهابية من المنطقة”.
وحققت تركيا جانباً مهماً من أهدافها في منطقة شرقي نهر الفرات، حيث سيطرت على نحو 1600 كيلومتر مربع في المنطقة، وأبعدت “قسد”، التي تشكل “الوحدات” الكردية عمودها الرئيسي والتي تعتبر بنظر أنقرة منظمة إرهابية، نحو 30 كيلومتراً عن حدودها. وكان الجيش التركي قد بدأ في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي عملية عسكرية لطرد “الوحدات” الكردية من شرق نهر الفرات. وفي 17 الشهر الحالي تم تعليق العملية بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب “الوحدات” الكردية من المنطقة، ثم جرى اتفاق روسي تركي بشأن الوضع في شرق الفرات، بينما لا يزال الوضع في غربه معلقاً حيث لم يحسم البلدان مصير مدينتي منبج وتل رفعت. وتأمل تركيا أن تعيد عشرات آلاف اللاجئين على أراضيها من اللاجئين السوريين إلى المنطقة التي سيطرت عليها في شرق نهر الفرات. وكانت أنقرة تخطط للسيطرة على كامل الحدود السورية التركية في شرق الفرات بطول 444 كيلومتراً، وبعمق 30 كيلومتراً، لكنها لم تستطع القيام بهذا الأمر بسبب رفض أميركي وروسي.
إلى ذلك، ذكرت مصادر مطلعة أنه من المفترض أن تحل، خلال ساعات، مشكلة 18 عنصراً من قوات النظام أسرتهم فصائل “الجيش الوطني السوري” في ريف الحسكة. ومن المرجح أن تقوم وزارة الدفاع التركية بإعادتهم عقب وساطة من الطرف الروسي. وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت أسر 18 مسلحاً في منطقة رأس العين، مرجحة أن يكونوا عناصر في قوات النظام. ونقلت وكالة “الأناضول” عن وزارة الدفاع التركية أنه “تم القبض على 18 شخصاً ادعوا أنهم من عناصر النظام خلال أنشطة التمشيط والاستطلاع وبسط الأمن جنوب شرقي رأس العين”. في غضون ذلك، ذكرت شبكة “الخابور” الإخبارية المحلية أن “الجيش الوطني” بدأ، أمس الأربعاء، بالسماح بعودة المدنيين تدريجياً إلى مدينة رأس العين بعد أن أزال الألغام وردم الأنفاق الرئيسية التي كانت “الوحدات” الكردية حفرتها.
العربي الجديد