الثورة المباركة

 

لقد قفز حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم عام 1963 بعد أن استغل فترة الحرية التي تمتع بها حكم الانفصال، واستأثر بالحكم وحده، ثم قفز  الأسد إلى السلطة عام 1970، وحكم سوريا ثلاثين عاماً بعد أن سجن وقتل واغتال أصدقاءه قبل خصومه، ثم ورّث الحكم إلى ابنه بشار، وكأن سوريا مزرعة له ولعائلته، ثم انبعثت الثورة المجيدة في 18\3\2011، وخرج الشعب في كل قرى ومدن سوريا منادياً بإسقاط النظام، ومطالباً بالحرية والكرامة وبتحقيق العدالة والمساواة، وداعياً إلى رحيل بشار الأسد.

وبلغت بل تعدت بعض المظاهرات 600 الف، كما حدث في حماة وحمص ودير الزور، واستمرت المظاهرات، لكن النظام المجرم قابل تلك المظاهرات بالرصاص والدبابات والطائرات…..، وسقط الآلاف من الشهداء والجرحى، وتم اعتقال عشرات الآلاف، وتم تهجير مئات الآلاف، ومازالت الثورة مستمرة، رغم كل أفعال النظام المجرم.

فما الأسباب التي دفعت الجماهير إلى الثورة؟ وكيف تطورت الثورة؟ وما المشاريع السياسية التي طرحت لحلها؟

الأسباب التي أدت إلى اشتعال الثورة السورية:

1-انعدام الحياة السياسية وتأليه الحاكم:

لا توجد حياة سياسية في سوريا بالمعنى الحقيقي منذ مجيء حزب البعث عام 1963 إلى الحكم، بمعنى أنه ليس هناك رأي للشعب في أوضاعه المختلفة، وبمعنى أنه ليست هناك مشاركة من أطياف الشعب المختلفة في قيادة البلاد وتوجيهها، وبمعنى أنه ليست هناك انتخابات حقيقية وليست هناك محاسبة للمسؤولين وليس هناك تداول للسلطة إلخ…..، بل إن الحياة السياسية اختزلها الحزب –في البداية- بأعضائه، ثم أصبحت أسرة الأسد هي محور الحياة السياسية وجوهرها.

ومن الواضح أن الطبقة الوسطى هي الطبقة الحية في المجتمع السوري والقادرة على بلورة وحمل مشروع سياسي، فقد استطاع حافظ الأسد تهميشها ومحاصرتها بعد عام 1970، من خلال ربطها بالأجهزة الأمنية المختلفة، وأوجب على مفكريها ومبدعيها أن يخضعوا لتلك الأجهزة، ويجب أن يحظوا بمباركتها، وبهذا حصر السياسة بشخصه وأسرته وأزلامه ومن يدور في فلكه، وعندما خلفه إبنه بشار سار على نفس النهج، بل تضخم دور الأجهزة الأمنية، وأصبحت هي التي تصوغ الحياة السياسية، فالانتخابات والنقابات وإتحادات الطلبة ومجلس الشعب والوزراء كلها أدوات وبيارق في أيدي الأجهزة الأمنية. ومن اللافت للنظر في الحياة السياسية السورية هي التركيز على شخصية حافظ الأسد حتى وصل هذا التركيز إلى درجة التأليه، فأصبحت تماثيله في كل مدينة وقرية، وأصبحت صوره تملأ كل الأمكنة، كما أصبحت كل السلطات بيديه فهو رئيس الجمهورية، والقائد الأعلى للجيش والأمين العام للقيادة القومية، والأمين العام للقيادة القطرية وهذا التأليه لم تعهده الحياة السورية في سابق أيامها. لذلك فإن الأوضاع السياسية جعلت الشعب السوري يعيش حالة اختناق سياسي، فما إن انطلقت الثورة حتى تفاعل الشعب معها، وهتف (الله يلعن روحك يا حافظ) تعبيراً عن غضبه عن انعدام أية حياة سياسية في الماضي، وتعبيراً عن تطلعه إلى حياة سياسية جديدة يكون مشاركاً فيها وله قدرة على التأثير فيها.

2-تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر المدقع:

تعتبر سوريا بلداً غنياً بموارده الطبيعية، فهي تحتوي سهولاً خصبة ومياهاً وافرة، وتحتوي أيادي عاملة ماهرة، كما تحتوي تنوعاً طبيعياً بين جبال ووديان وسهول إلخ….، وقد دأب الحكم على مصادرة الأراضي والادعاء بأنها لأغراض ومنافع عامة، مما اضطر أهلها للهجرة من مكانهم التاريخي (غادر الجزيرة، المنطقة التي كان يقال إنها ستطعم سوريا وجزءاً من الوطن العربي، ما بين ثلاثمائة ألف ومليون مواطن خلال الأعوام الستة الماضية، وقد بدأت المنظمات الدولية توزع هناك ثلاثة وعشرين ألف سلة غذاء يومياً)، وقد هاجر السوريون الذين صودرت أراضيهم ومزارعهم إلى مدن صفيح في ضواحي المدن، تحيط بمدن صفيح أقدم، محرومة من معظم الخدمات الحياتية، هي في حقيقتها سكن عشوائي، يعيش فيها 42 بالمائة من السوريين (المتوسط العالمي 8 بالمائة).

توصل التقرير الوطني الثاني عن الفقر وعدالة التوزيع إلى زيادة نسبة السكان الفقراء ، فوفق تقديرات عام 2010 فإن حوالي 7 مليون نسمة (34,3) بالمائة من إجمالي السكان، أصبحوا تحت خط الفقر، في حين أن خبيراً اقتصادياً قدره ب37 بالمائة  في حال احتسبت عتبة الفقر بثلاثة دولار في اليوم، وب52 بالمائة في حال انطلق الحساب من دولارين.

وتوصل التقرير الوطني الثاني للسكان إلى أن معدل البطالة وصل إلى 16,5 بالمائة (3,7 مليون نسمة عام 2009)، وقدرت البطالة بصورة غير رسمية ب32 بالمائة (7 مليون نسمة عام 2009).

وقد انخفضت قدرة الناس الشرائية بحوالي 28 بالمائة خلال الأعوام العشرة الماضية، وتدنت نسبة استهلاك القوى العاملة (16 مليون سوري) إلى 24 بالمائة من الدخل الوطني.

بالإضافة إلى هذه الصورة القاتمة من تفشي البطالة وتدني مستوى المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية وانتشار الفقر، فإن الحياة الاقتصادية مملوءة بالفساد، فلا بد من الرشوة من أجل إنجاز أية معاملة، ولا بد من إذلال المواطن نفسه أمام أجهزة الأمن، لأن كل شيء مرتبط بأجهزة الأمن المختلفة.

ونستطيع أن نقرر بكل وضوح ودقة بأن سوريا أصبحت قسمين:

الأول: قلة من الناس تملك كل شيء وهم آل الأسد ومن حولهم نهبوا كل خيرات ومقدرات سوريا.

والثاني: وهم معظم الشعب لا يملكون ولا يجدون قوتهم وهم في فقر مدقع. مما أدى إلى ضيق الشعب وانفجاره، وكان هذا العامل الاقتصادي هو أحد العوامل التي فجرت الثورة في 18\3\2011 .

3-عداء الحزب للدين ومحاربة المتدينين:

لقد قام حزب البعث الذي استلم السلطة عام 63 على معاداة الدين ومحاربة المتدينين ، استمر على ذلك النهج طوال أعوامه الخمسين، ووضع المناهج المختلفة لتحقيق ذلك في المدارس والإعلام والثقافة إلخ……، لكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، لأن الشعب السوري متدين، وقد جاءت الثورة التي انطلقت في 18\3\2011 تعبيراً عن ذلك الفشل، فقد انطلقت من المساجد، وقد كان الثوار المتظاهرون الذين عرضوا أنفسهم لخطر الاعتقال وخطر الموت من المتدينين، لذلك فمن الممكن أن نعتبر أن نقمة جماهير الشعب السوري على معاداة الحزب للدين والمتدينين ، ورغبتهم في أن يأخذ الدين حجمه ومكانه الطبيعي في حياتهم هو أحد العوامل التي جعلتهم يثورون من أجل تصحيح هذه الأوضاع الخاطئة.

4-تخاذل النظام أمام اسرائيل:

من المعلوم أن حافظ الأسد هو الذي سلّم الجولان غنيمة سهلة باردة لاسرائيل عام 1967 عندما كان وزيراً للدفاع، وهو الذي أذاع بيان سقوط الجولان مع أنه لم يكن ساقطاً في الحقيقة، وعندما جاء ابنه بشار إلى الحكم عام 2000 بقيت سياسة أبيه أمام اسرائيل مستمرة فقد قامت اسرائيل خلال العشر سنوات من حكم بشار بعدة عمليات ضد سوريا، منها: تدمير موقع لإنتاج الوقود الذري في منطقة دير الزور، ومنها: تحليق الطيران الاسرائيلي فوق القصر الرئاسي في اللاذقية، ومنها: تدمير القاعدة العسكرية في عين الصاحب في لبنان والتابعة للقيادة العامة (أحمد جبريل) المؤيدة للنظام السوري، والقصد من تلك الأفعال تهديد النظام. ومع ذلك لم يحرك ساكناً، ليس هذا فحسب بل إنه لم يطلق رصاصة واحدة ضد اسرائيل لا هو ولا أبوه خلال 45 عاماً في جبهة الجولان التي سقطت عام 1967، وتعتبر جبهة الجولان أهدأ الجبهات المحيطة بإسرائيل على الإطلاق، إن هذا الاستخذاء أمام اسرائيل مع كل دعاوي الممانعة والتصدي هو أحد العوامل التي دفعت الشعب إلى الثورة، وهو الشعب التواق إلى استعادة الجزء المحتل من أرضه، وهي أرض الجولان التي تعتبر من أخصب أراضي الدنيا وأكثرها مياهاً.

5-انعدام الكرامة:

أحس المواطن السوري بأنه لا كرامة ولا قيمة له، فهو معرض للاعتقال دون أسباب تذكر، وإن اعتقل فلا يعرف أحد في أي فرع قد اعتقل، وقد يبقى السنين الطوال ولا يراه أهله، ولا توجه له أية تهمة خلال سني الاعتقال التي قد تمتد إلى عقد أو عقدين، ولا يقدم إلى أية محاكمة، وقد يتوفاه الله في السجن دون أن يعرف أهله حقيقة ذلك، وهذا الأمر قد حدث مع عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، إن إحساس المواطن بأنه لا كرامة له عند هذا النظام،  لذلك كان هذا الإحساس بانعدام الكرامة عاملاً من العوامل التي دفعت المواطن إلى الثورة من أجل تثبيت حقه في الكرامة.

6- تفشي الظلم وانعدام المساواة:

يعاني المواطن السوري من تفشي الظلم وانعدام المساواة، ولا يصل إلى حقوقه في أي مجال اقتصادي أو تجاري أو سكني أو مالي أو تعليمي إلخ….. بشكل متساو مع المواطن الآخر من أبناء الطائفة العلوية، ولا يصل إلى بعض حقوقه إلا من خلال الأجهزة الأمنية، وإن إحساس السوريين بعدم المساواة كان أحد العوامل التي دفعتهم إلى الثورة على هذا النظام.

7-تغوّل الأجهزة الأمنية وسحقها للمواطن:

عطّل النظام الأسدي كل عوامل الحياة الطبيعية في سوريا من حياة سياسية واجتماعية واقتصادية إلخ ……، وربطها بالأجهزة الأمنية، لذلك نستطيع أن نقول –بكل اطمئنان- أن عصب النظام الأسدي هو الأجهزة الأمنية، لذلك تعددت الأجهزة الأمنية وأصبح عددها (17) جهازاً، عدد العاملين فيها 365 ألف، وبلغت ميزانيتها ضعف ميزانية الجيش السوري، وشكلت –هذه الأجهزة- في مجموعها أخطبوطاً أحاط بالمواطن وأحصى أنفاسه، وحاسبه على كل تحركاته وسكناته، وبث الخوف والرعب اللامحدود في كل كيانه، وجعله قلقاً ومتوتراً من أن يقع في قبضة أحدها، وربط النظام بهذه الأجهزة كل شؤون المواطن من سفر وتصدير وبيع وشراء وتجارة وتعليم وإعلام إلخ…..، وهذا ما جعلها تتغول وتصبح كابوساً في عقل المواطن ونفسه.

ولقد كانت هذه الأجهزة الأمنية وتغولها عاملاً رئيسياً في دعوة السوري إلى الثورة ليتخلص وإلى الأبد من عذابات وإرهابات هذه الأجهزة الأمنية.

هذه أهم العوامل التي دفعت المواطن السوري إلى الثورة، لأنه يريد أن يعيش حياة عادية يمارس فيها حقوقه وواجباته، ويساهم في بناء وطنه وإعلاء كيان أمته، فثار على هذا النظام، وكانت البداية متواضعة وبعد أن انتصرت الثورتان في تونس ومصر، و قام بعض أطفال درعا بكتابة شعارات تندد بحكم الأسد، وهنا بدت وحشية النظام فاستدعى الأطفال وعاملهم بوحشية واستدعى الأهالي وتعامل معهم بطغيان وتجبر.

ومن هنا كانت البداية، فاشتعلت الثورة في مدينة درعا , فتنادت المحافظات الأخرى لنصرة أهل درعا، وهكذا استمر اشتعال الثورة ،وعمت المظاهرات معظم المدن السورية وقراها مطالبة بالحرية والإصلاح والمساواة والعدل إلخ…….، وكانت المظاهرات سلمية، لكن النظام قمعها بالقوة، وقتل عشرات المتظاهرين -في البداية- واعتقل الآلاف، وأصر الشعب على سلمية الثورة واستمر الأمر على هذا المنوال، لمدة ستة أشهر دون أن يتغير شيء على الأرض مما اضطر بعض الجنود والضباط إلى التمرد على القيادات التي تأمرها بالقتل، والانشقاق عنها، وقد تشكل “الجيش الحر” من هؤلاء المنشقين من أجل حماية المدنيين، وبهذا تشكل جناح عسكري للثورة، كان القصد منه الدفاع عن المدنيين ورعايتهم من بطش النظام الوحشي وتنكيله.

ونحن الآن سنتحدث عن بعض النتائج لبطش النظام، فسنتحدث عن الشهداء، والجرحى، واللاجئين ومجازر النظام والتطورات السياسية التي وقعت على الأرض.

نتائج الثورة السورية على الشعب السوري:

1- الشهداء:

لم تتوقف الثورة منذ أن انطلقت في18\ 3\2011 عن القيام بفعاليات التظاهر والدعوة إلى إسقاط النظام، والتطلع إلى الحرية والكرامة والعدالة والمساواة إلخ….. لكن النظام استعمل في مواجهة الثورة كل آلته العسكرية من دبابات وطائرات وراجمات صواريخ ومدرعات، فقتل عشرات الآلاف، وجرح مئات الآلاف، واعتقل كذلك مئات الآلاف، ودمر أحياء وقرى بكاملها بالإضافة لاستخدامه الأسلحة المحظورة دولياً كالأسلحة الكيماوية والقنابل العنقودية والفراغية .

2- الجرحى:

أدى قصف الأحياء والقرى المدن إلى إصابة عشرات الآلاف بجروح متعددة، وقد تؤدي إلى إعاقة بعضهم أو إلى وفاتهم، وهؤلاء المجروحون يبتعدون عن الذهاب إلى المستشفيات والمستوصفات الحكومية لأنهم يخافون أن يتعرضوا إلى القتل أو الاعتقال والتحقيق والاتهام والمحاسبة مع أنهم يكونون في الحقيقة ضحايا النظام، لذلك تجد معظم الجرحى يداوون في مشافي ميدانية، أو يذهبون إلى الدول المجاورة مثل لبنان أو الأردن أو تركيا، والمشافي الميدانية لا تمتلك الحد الأدنى من الأدوات الطبية ومن مستلزمات العلاج، وقد نقلت القنوات الفضائية صوراً لهذه المشافي الميدانية، وأشارت إلى قصورها.

كما تحدثت منظمات طبية أهلية كمنظمة “أطباء بلا حدود” عدداً من المرات عن نقص في الدواء والعلاج، وأشارت إلى ضرورة إمداد الداخل ورفع القيود عن مثل تلك الحاجات، ولكن النظام رفض كل تلك الطلبات وتجاهلها, كما تم استهداف النقاط الطبية والمشافي الميدانية مباشرة من النظام كنوع من استهداف الجرحى وعدم السماح لعم بالتداوي والعلاج , وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات الصلة .

3- المعتقلون:

ذكرت مكاتب حقوق الإنسان أن عدد المعتقلين في سوريا أكثر من 282,195 الف  شخصاً في حين أن الذين تعرضوا للاعتقال من بداية الاحتجاجات يصل إلى مائة ألف، وقد تحدث تقرير منظمة العفو الدولية عن أنواع التعذيب في السجون السورية وأحصى التقرير (39) نوعاً من التعذيب، ننقل منها: الضرب، الفلقة، الدولاب، بساط الريح، العبد الأسود، الكرسي الألماني، الكرسي السوري، الغسالة،الكهرباء , إطفاء السجائر في أي جزء من الجسم، الفرّوج، الشبح، الحرق، ثقب ظهر الضحية أو صدرها بقضيب معدني مدبب وساخن، تعليق الضحية من العنق بطريقة لا تكسر الفقرات، تعليق الضحية بمراوح السقف وضربه وهي تدور، قلع أظافر القدمين واليدين إلخ……

4- مجازر النظام:

شهدت سوريا منذ بدء الثورة مجازر وعمليات دامية نفذها الجيش النظامي، قتل فيها آلاف من الأطفال والنساء والرجال على غرار ما حدث في مجزرة الغوطة الشرقية بـريف دمشق والحولة بـحمص, وفي التريمسة ببحماة وغيرها. وقد وقعت عدة مجازر في سوريا من أبرزها مجزرة الحولة 2012، ومجزرة الكيماوي ، ومجزرة دوما، وقد ذهب ضحيتها المئات من الشهداء معظمهم من النساء والأطفال، وقد ساهم فيها جيش النظام بأن قصف المنطقة بالمدفعية، وشكل غطاء للشبيحة الذين هاجموا قرى الحولة وذبحوا بعض ضحاياهم بالسكاكين، وقتلوا الآخرين بالرصاص عن قرب، ولم يسمح النظام  لأية لجنة تحقيق دولية أو محايدة في تقصي حقيقة المجزرة.

5-صور من التدمير الذي لحق القرى والمدن:

وقد دمر النظام عدداً من القرى وعدداً من الأحياء في عدد من المدن، ويمكن أن نذكر من تلك القرى التي دمرت في ريف حمص: دير بعلبة، تلبيسة، القصير إلخ……، ودمر عدداً من الأحياء في حمص منها: حي بابا عمرو الذي حاصره وسلط عليه مدافعه وصواريخه لما يقرب من شهر، وقد دمر أحياء أخرى في حمص مثل: حي الخالدية، والبياضة، وباب السباع وكرم الزيتون إلخ……، وتذكر التقارير أن النظام دمر ثلثا مدينة حمص التي أصبحت مهجورة وشبه خالية.

ودمّر النظام السوري عدداً من القرى في محافظة درعا، وإدلب ودير الزور، ودمّر جانباً من المدن الثلاث، كما دمّر عدداً من القرى في ريف دمشق، كما أتلف النظام بعض المحاصيل الزراعية في بعض القرى.

6- اللاجئون:

فرّ السوريون من قراهم ومدنهم، خوفاً من بطش النظام وتنكيله ووحشيته، ولجأوا إلى الدول المجاورة، وهي: تركيا والأردن ولبنان إلخ..، وفرّ آخرون إلى مناطق داخلية.

احصائيات :

احصائية ضحايا جرائم النظام السوري في سوريا حتى حتى نهاية تشرين أول/أكتوبر 2015 وذلك طوال 55.5 شهراً / 1,691 يوماً .

  • عدد الشهداء الموثقين بشكل كامل: 151,685 شهيداً بينهم 3,600 فلسطيني، و 16,970 شهداء أطفال، و 16,155 شهداء نساء: ، 12,010 شهداء تحت التعذيب.
  • نسبة الشهداء الأطفال: 11.19%، نسبة الشهيدات النساء: 10.65%، نسبة الشهداء تحت التعذيب: 7.92%.
  • عدد الشهداء التقديري: 280,000 شهيداً (82% منهم مدنيين)
  • عدد الجرحى التقريبي: فوق 262,270
  • عدد المعتقلين التقريبي: فوق 282,195 (يشمل جزء من المعتقلين الذين خرجوا)
  • عدد المفقودين التقريبي: فوق 109,535
  • عدد اللاجئين خارج سوريا: فوق 4,450،940
  • عدد النازحين داخل سوريا: فوق 9,100,000
  • مجموع عدد ضحايا العنف 14,356,625 (شهداء، جرحى، معتقلين، مفقودين، لاجئين، نازحين)
  • عدد افراد العائلات المتأثرة 70% من تعداد الشعب السوري: 19,719,680 (عائلات الشهداء، عائلات الجرحى، عائلات المعتقلين، عائلات المفقودين، اللاجئين، النازحين).
  • عدد العائلات التي أصبحت بدون معيل: حوالي 144,000عائلة (حوالي مليون فرد)

تفيد الأعداد الإجمالية بالمعدلات التالية (بحسب الأعداد الموثقة بشكل كامل):

  • كل 4 دقائق……. يعتقل النظام مواطناً
  • كل 10 دقائق…. يجرح النظام مواطناً
  • كل 13 دقيقة….. يغيّب النظام مواطناً
  • كل 15 دقيقة….. يقتل النظام مواطناً
  • كل يوم…يقتل النظام 8 أطفال
  • كل يوم…يقتل النظام 4 مواطنين تحت التعذيب
  • كل يوم…. هجّرالنظام 2,600 مواطناً، وأجبر 5,300 مواطناً على النزوح في الداخل.

التطورات السياسية في قضية الثورة السورية:

خرجت المظاهرات في سوريا في 18\3\2011 مطالبة: بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وبالمشاركة في القرار السياسي، وبإنهاء الفساد، وإبعاد الفاسدين، وكف قبضة الأجهزة الأمنية عن التدخل في كل صغيرة وكبيرة إلخ.. لكن النظام السوري استخف بالثورة السورية في بدايتها، واعتبر أن ما حدث في تونس ومصر لا ينطبق على سوريا، وأن سوريا غير تونس ومصر، وظن أنه يمكن أن يحل مشكلة  الثورة بالقبضة الأمنية التي امتلكها، والتي عالج بها أزماته السابقة، لذلك بطش بالأطفال الذي خرجوا في درعا متأثرين بما شاهدوه على القنوات القضائية، هاتفين: “إجاك الدور يا دكتور”، كما بطش بأهاليهم، وهدّد المحافظة جميعها، وهدّد جميع الوفود التي توسطت لحل الموضوع، لكن استمرار المظاهرات، وإصرار الناس على مطالبهم جعله يلجأ إلى خطة ذات ثلاث شعب:

الأولى: تهديد جماهير الشعب السوري بقبضته الأمنية، وتخويفهم، وإرهابهم، من أجل ألا يعودوا إلى التظاهر، واستخدام القوة معهم، واللجوء إلى الاعتقال والتعذيب والقتل أحياناً إلخ…، لكن كل ذلك لم يرهب الجماهير ولم يخفهم، بل استمروا في التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام.

الثانية: اعترافه بأن هناك حاجة لإصلاح الأوضاع المتردية في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلخ… منذ مجيء بشار إلى الحكم، وأكد ذلك في المؤتمر القطري الذي انعقد في عام 2005، لكن ذلك لم يتحقق –حسب زعمه- بسبب احتلال أمريكا للعراق عام 2003، وتقديم الأمن على الإصلاح، لذلك فإن النظام بعد أن اشتعلت الثورة بدأ بدراسة تغيير الدستور وبالذات المادة التي ترهن سوريا بيد حزب البعث، والتي تعتبر أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، وبالفعل أجرى بعض الرتوشات على وضعه، فأصدر قانوناً جديداً للانتخاب، وأصدر قانوناً جديداً للأحزاب إلخ…، ثم أجرى انتخابات جديدة في شهر أيار (مايو) من عام 2012 من أجل انتخاب مجلس شعب جديد إلخ..، لكن الشعب استخف بكل هذه الإجراءات، واعتبرها غير حقيقية، لأن النظام كان قد فقد مصداقيته، لذلك استمرت جماهير الشعب في التظاهر مصرة على مطالبها في الحرية والعدالة والمساواة والأمن والكرامة وأن يقيم دولته  دولة المواطنة للجميع .

الثالثة: ادعاء النظام أن مجموعات إرهابية هي التي تقود هذه الجماهير الثائرة، وأن هذه المجموعات ممولة من الخارج، وهذا الإرهاب تحارب به القوى الخارجية سوريا عقاباً لها على موقفها في التصدي لإسرائيل والامبريالية العالمية، ثم اتهم صراحة كلاً من قطر وتركيا والسعودية بأنهما وراء هذه الحملة الإرهابية، لذلك  لجأ النظام إلى القتل والبطش والتدمير والاعتقال والتعذيب إلخ.. مستخدماً كل أجهزته الأمنية التي بناها، والتي ظن أنه ستحل له هذه الأزمة، لكنه تجاهل أنه هو سبب هذه الأزمة، وأن أجهزته الأمنية هي عامل رئيس في هذه الأزمة، وتجاهل أن الشعب مصر على أن يحيا حياة جديدة ملؤها الكرامة والحرية والمساواة والعدل والبناء والحضارة والسلم إلخ….

ماذا تريد الثورة والثوار؟

إن النظام السوري غير صادق في دعواه قبول المشاريع المختلفة، وقد خسر مصداقيته أمام الشعب، وهو لا يريد أي تغيير حقيقي، وكل ما وضعه من قوانين، وأجراه من مراسيم لا يغير شيئاً من حقيقة الوضع، وهو يريد استمرار القتل والتشريد والتدمير ونشر الخوف من أجل أن يستمر مسيطراً على سوريا وقدراتها، لذلك فإن المعارضة تطالب المجتمع الدولي أن يوقف القتل المستمر بالشعب السوري، والذي يتزايد يوماً بعد يوم، لذلك هي تطالب بعدة أمور:

الأول: إجبار النظام السوري على إيقاف قتل الشعب تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما استعملته في أماكن أخرى مثل الصرب وكوسوفو، لأن البند السابع يسمح باستعمال القوة مع النظام السوري من أجل إجباره على إيقاف قتل الشعب وتدمير بيوته وتشريده.

الثاني: تطلب الثورة السورية إيجاد ملاذات آمنة يلجأ لها السوريون في الأراضي السورية المحاذية لتركيا أو لبنان أو الأردن هرباً من القتل وتحميها قوات دولية، وتطلب المعارضة أيضاً إيجاد طرق آمنة في الداخل توصل إلى تلك الملاذات الآمنة، وهو ما قامت به الأمم المتحدة في أكثر من مكان من أوروبا وآسيا.

الثالث: تطلب الثورة السورية السماح بتسليح الجيش الحر من أجل أن يدافع عن المدنيين، وأن يتصدى لآلة القتل التي تفتك بالشعب السوري الأعزل.

الرابع: تطالب الثورة السورية –أيضاً- بفرض الحظر الجوي على طائرات النظام السوري، لأن النظام قد استعمل طائراته الحربية ومروحياته بعض الأحيان في قصف بعض الأحياء والتجمعات والقرى.

من أين استمد النظام السوري القدرة على قمع الثورة والقدرة على الاستمرار في البطش والقتل والتدمير؟

هناك عدة أطراف لعبت في تمكين النظام في استمرار التصدي للثورة هي:

أولاً : روسيا

ثانياً : إيران

ثالثاً : حزب الله

رابعاً : المليشيات الطائفية والمذهبية القادمة من العراق وأفغانستان وغيرها والتي تدعمها إيران

أولاً:  روسيا:

يمكن أن نعتبر روسيا عاملاً رئيسياً في دعم النظام السوري، وفي تغذية قدرته على البطش والقتل والتدمير من خلال دورين: السياسي، والعسكري

أما الدور السياسي فإن روسيا هي التي وقفت في المحافل الدولية مانعة أية إدانة للنظام، ومدافعة عنه، وحائلة دون اتخاذ قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الذي يسمح باستعمال القوة لحماية المدنيين.

وكانت السبب في إيقاف أربع قرارات لمجلس الأمن لصالح الثورة السورية إلا أنه تم إيقافه بحق النقض الفيتو .

أما الدعم العسكري فهي الدولة الرئيسية في بيع السلاح له، وفي تجديد ترسانته العسكرية، وفي تمويله بكل ما يحتاج من أجل قتل الشعب السوري , وفي التدخل المباشر عندما أحتلت الأجواء السورية من خلال منظومة طيران متطور ومنظومة مضادات للطيران , واحتلالها لعض مناطق الساحل بحجة حماية مطارات تابعة لها .

ومن ثم التدخل السافر بطيرانها وقواتها الغاشمة لقصف المدنيين والأبرياء تحت حجة محاربة الأرهاب.

الثورة انطلقت في سوريا، ولن تتوقف –بإذن الله- إلا وهي محققة لأهدافها في اقتلاع هذا النظام الذي أهلك الحجر والبشر، وأفسد العقول والنفوس، ومن الواضح أن العالم الخارجي لم يتحرك التحرك المناسب مع جسامة التضحيات التي يقدمها الشعب السوري.

ثانياً :  إيران:

لعبت إيران دوراً رئيسياً في دعم النظام منذ بداية الثورة، وقد قدمت هذا الدعم منطلقة من مصالح طائفية، ونستطيع أن نؤكد أنه لولا هذا الدعم لسقط النظام خلال شهر أو شهرين، وقد تنوعت أشكال الدعم الإيراني لسوريا فقد اشتملت على:

أ‌- الدعم المالي: فقد ضخت دولة إيران مليارات الدولارات من أجل دفع رواتب موظفي النظام ورجال الجيش، وموظفي الأجهزة الأمنية، ولولا هذا الدعم المالي لأفلس النظام وانهار بأسرع مما نتصور.

ب‌-       الدعم الاقتصادي: فقد أمدت إيران النظام السوري بالمحروقات التي يحتاجها في تحريك آلته العسكرية وبمختلف المواد الاقتصادية التي يحتاجها في وجوده وحياته.

ت‌-       الدعم المخابراتي: فقد وضعت إيران خبراتها في استعمال الأجهزة الالكترونية من أجل التنصت على جماهير الشعب، وفي كيفية تفريق المظاهرات، وفي أساليب انتزاع الاعترافات من المعتقلين تحت يد أجهزة أمن النظام السوري مما ساعده في رفع كفاءة أجهزته الأمنية وزيادة قدرته على التصدي للثورة.

ث‌-       الدعم العسكري: دعمت إيران النظام السوري بالأسلحة حيناً، وبالخبراء العسكريين حيناً آخر، وبالجنود حيناً ثالثاً، وقد أكد الحقيقة الأولى مصادرة تركيا لشحنات أسلحة كانت محمولة في طائرات إيرانية عبر الأجواء التركية، وقد أكد الحقيقة الثانية اعتقال الجيش السوري الحر لعدد من هؤلاء الخبراء في مناطق مختلفة من سوريا.

ثالثاً: حزب الله:

أيد حزب الله النظام السوري علناً، وصرح بالوقوف إلى جانبه، ودعمه، وقد أكد أهل الثورة في الداخل أن هناك مقاتلين من حزب الله يقفون إلى جانب النظام ويتصدون للثورة السورية. وتعدت مساندة حزب الله النظام السوري داخل سوريا إلى مساندته في لبنان، فهو يتجسس  على السوريين الهاربين من بطش النطام، ويساعده على اختطافهم وإرسالهم إلى سوريا.

بالتصرف من مقالة للدكتور/ غازي التوبة

أكاديمي وكاتب