على أرض سوريا وُلدت أهم الحضارات، وأقدمها، وأغنى الإنسان منذ قديم الزمان أرضها بالتراث والمواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى 8 آلاف عام قبل الميلاد. فإذا بدأنا من شمالها في مدينة حلب حيث قلعة حلب الأثرية تمسك توازن المدينة من مركزها، وتنتشر الأسواق القديمة حولها تحتضن التاريخ وتحرسه، وتجسد مدينة حلب روح التاريخ ففي كل ركن من المدينة ترى مواقع أثرية يعود كل منها إلى حقبة تاريخية معينة. أما في الشرق وتحديداً في تلال الحسكة الأثرية كتل “حموكار” الذي اُكتشف فيه أقدم نظام تكييف ومدينة أثرية يمكن أن تعتبر أقدم مدينة في العالم حيث يعود تاريخها إلى الألف الخامسة قبل الميلاد. ومنها إلى الرقّة التي تزدهر بمدينة الرصافة ويُطلق عليها “لؤلؤة البادية”، هذه المدينة الضخمة التي وطأت أرضها حضارات مختلفة تسحر عين الناظر آثارها المتنوعة. وانتهاءً بدير الزور التي تتألق بأقدم المنشآت العمرانية وتذهلك فيها عاصمة مملكة ماري التي تُسمى الآن “تل عشارة”. وقلعة الرحبة الآرامية المطلة على سهل الفرات البديع والأسواق المسقوفة العثمانية. أما في الغرب وبدءاً من محافظة إدلب، حيث تتفتح مساحة التاريخ الشاسعة التي تتركز في تلك البقعة الجغرافية والممتدة أبوابها على حضارات عظيمة ومدن تاريخية مثل حضارة إيبلا، وآثار كنيسة قلب لوزة البيزنطية التي كانت مصدر إلهام لبناء كاتدرائية نوتردام في باريس، و مدن أثرية كثيرة ترى أطلالها على يمين الطرق ويسارها والتي تعتبر ثلث آثار سوريا والتي تعمد نظام الأسد اهمالها حتى أطلق الأهالي على إدلب “المحافظة المنسية”، وفي وسط سوريا؛ تتمركز حماة أولًا حيث قلعتها الحصينة التي تتمركز في وسط المدينة ومن الأوابد التاريخية التي ستسحرك هي نواعير حماة الآرامية التي تعطي للمدينة قدرها ومكانتها التاريخية. وإلى الغرب من حماة يتمركز سهل الغاب وفيه قلعة أفاميا التاريخية، وإلى جنوب حماة تتمركز حمص، حيث قلعة الحصن الأثرية ومن حمص ستأخذك الدروب إلى ربوع بادية الشام وسط سوريا حيث تتربع على عرشها مملكة تدمر التي ستثير مشاعرك بأسلوب الفن الفريد في النحت والعمارة فترى فيها شارع الأعمدة الطويل والمعبد الروماني الجميل. وفي غربها بعد الجبال يطل الساحل المتوزع بين محافظتي طرطوس واللاذقية وحضارة أوغاريت الضاربة في التاريخ، ففي مدينة أوغاريت وُجدت أوّل أبجدية مدونة عرفها التاريخ يقدر أنها تعود إلى 1500 قبل الميلاد والتي اشتقت منها الأبجديات السامية واليونيانية واللاتينية، إضافة إلى أقدم مقطوعة موسيقية مدونة، والعديد من القلاع والحصون الممتدة على جبال الساحل وكل دروب الحب تنتهي في دمشق- أصالة الماضي وكنز الحاضر- العاصمة والمدينة الأقدم والأبهى بجامعها الأموي وأسواقها و بيوتها التاريخية فحين تطرق باباً خشبياً سيفتح لك تاريخاً من الحضارات ليأخذك إلى عصر الازدهار والعلم ما يجعل منها جنة حقيقية أخاذة، جنبا إلى جنب مع قلعتا التاريخية، وأبوابها السبع، وسوقها الشهير ” سوق الحميدية” وأحيائها التي تفوح من جنباتها رائحة التاريخ كحي ساروجا الأثري والذي أحرقه مغول العصر في إطار محاولاتهم المستمرة للتغيير الديمغرافي لسكان المنطقة وطمس هوية سكانها الأصليين الرافضين التخلي عن مدينتهم، ومن دمشق، تتجه شمالاًإلى مدينة معلولا الأثرية وأوابدها التاريخية المسيحية العملاقة والتي منا يزال أهلها يتحدثون اللغة الآرامية (لغة السيد المسيح عليه السلام) حتى اليوم. ومن دمشق إلى سهل حوران حيث يتجسّد ألق المكان وابتكارات الإنسان. وبروعة تنوع المنطقة التاريخي كبصرى الشام حيث المسرح الروماني الكبير وكاتدرائية بصرى البيزنطية ومدينة شهبا المشهورة ببواباتها الأثرية المحيطة من جوانب المدينة الأربعة فالدخول من أحد هذه الأبواب يعني وطأ أرض حضارات موغلة بالقدم والمعالم الأثرية. وبالطبع ساحر جمال سهول حوران البديع فهي أيضاً لها تاريخ مع الحضارات وكانت تُسمى بأهراء روما فهي كانت مصدر التموين لإمبراطورية روما.
تاريخ سوريا الحديث
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقعت سوريا تحت الانتداب الفرنسي عام 1920، إلا أن الشعب السوري سرعان ما انتفض في وجه الاحتلال من عام 1925حتى 1927، فيما عرف باسم “الثورة السورية الكبرى”. أجبرت الثورة السورية القوات الفرنسية إلى الانسحاب بعد توقيع معاهدة الاستقلال عام 1936.
لتعيش بعدها سوريا فترة ازدهار سياسي تميّزت بمناخ ديموقراطي وتداول سلمي للسلطة. وأُجريت في سوريا انتخابات نيابية فاز فيها هاشم الأتاسي كأول رئيس سوري مُنتخب وقام بتشكيل حكومة وطنية.
عمل الأتاسي على قدسية الدستور واحترام القوانين ولذلك سُمّي “أبو الدستور”، وعاشت سوريا في ربيعها الديموقراطي الذي تميز بالتعددية واحترام قدسية حرية التعبير والحكم المدني.
وجاء عصر الرعب عام 1963 بعد سيطرة حزب البعث على الحكم إثر انقلاب عسكري وحشي عام 1970، وأنهى التجربة الديموقراطية التي آمن بها الشعب السوري منذ تأسيس الدولة السورية، وبدأ عصر الاستبداد في سوريا. شيئاً فشيئاً استولى جحيم الاستبداد على الحكم وتجلّت المشكلة في تكريس “سلطة الفرد” التي حاول حافظ الأسد فيها السير على خطى الديكتاتوريات العالمية، عبر تبنى خطابات زائفة ادّعها فيها أنه سيحمل أحلام الأمة وآمالها ويجعل من سورياً بلد الاستقرار والجمال، لكن هذه الكلمات كانت حبراً على ورق، فسوريا أضحت في قبضة عائلة الأسد منذ ذلك التاريخ دولة قمعية، سجون معتمة متعفنة ومغيبون قسرياً، وسلطة مطلقة لجهاز الأمن، وفساد متأصل.
لكن الشعب السوري أبى الاستسلام لهذا الظلم الممنهج الذي سلبه حريته وحرمه أدنى مقومات الحياة الأساسية.
فكانت شمس الربيع العربي تتجلى على عرشها ويعلو صوت شعوبها على الأنظمة الاستبدادية، لتشرق على سوريا في آذار 2011 وانطلقت ثورتها السلمية معبّرة عن آمال ملايين السوريين في نيل حريتهم وحفظ كرامتهم وأملهم أن تبصر هذه الأرض حلم الحرية واقعًا، وتتحرر البلاد من الاستبداد والديكتاتورية، فعلا صوت الثائرين بنداء “حريّة للأبد” محطمة جدار الخوف. فكانت الصرخة صادمة للنظام الذي عمل طويلاً لإخفاء جرائمه، إلا أن الثورة السورية كشفت الوجه الأكثر دموية وبشاعة وقبحاً لنظام بشار الأسد الذي اتبع سياسة الأرض المحروقة وواجه الثورة السلمية بالنار مستخدماً فيها الطائرات والدبابات والراجمات وما رافقها من اعتقال وتهجير وهجمات كيميائية ، ورغم التضحيات الكثيرة التي قدمها ويقدمها السوريون من تدمير منازلهم والهجرة عن مدن وقراهم واعتقال أبنائهم وبناتهم، ما يزال أمل الحرية في وطن حر، كريم، ديمقراطي يضمن حقوق كل المواطنين على اختلاف أعراقهم وأديانهم وانتماءاتهم، هو الذي يدفعهم للحياة.