سماح النظام السوري بالعودة إلى اليرموك: وعود متجددة بلا ضمانات

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على استعادة قوات النظام السوري السيطرة على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوبي العاصمة دمشق، من يد مجموعات محسوبة على تنظيم “داعش” كانت سيطرت على أكثر من حيّ من أحياء دمشق الجنوبية، بدأ النظام يروج أخيراً للسماح لسكّان المخيم بالعودة إليه من “دون قيد أو شرط”، في ظلّ تشكيك بهذا الإعلان الذي تكرّر أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، من دون أن يجد طريقه إلى التطبيق. وما يزيد من الشكّ، أنه لم تتم حتى اليوم إعادة تأهيل البنى التحتية في المخيم، من مياه وكهرباء وطرق، وفي ظل استمرار الدمار الذي لحق بنحو نصف منازله.

لم تتم بعد إعادة تأهيل البنى التحتية في المخيم، فضلاً عن الدمار الذي لحق به

وأعلن المكتب الإعلامي لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، عن سماح النظام بدخول أهالي مخيم اليرموك، من سوريين وفلسطينيين، إليه، بدءاً من أول أمس الجمعة، مشيراً إلى أن رئيس النظام بشار الأسد وجّه بـ”تسهيل عودة أهالي المخيم من دون قيد أو شرط”. وأشار المكتب، في بيان نشر على وسائل التواصل، إلى “قيام الجهات المختصة السورية، بالتعاون مع الأهالي، بإزالة الركام والردم من البيوت، تمهيداً لدخول آليات محافظة دمشق لإزالة الركام وتنظيف الشوارع الفرعية والحارات الداخلية”، إضافة إلى “استكمال مدّ شبكات المياه والكهرباء والهاتف استعداداً لعودة الأهالي واستقرارهم في مخيم اليرموك”. من جهتها، أشارت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية”، إلى أنه “طُلب من الأهالي التوجه بدايةً إلى أول شارع الثلاثين، حيث ستقوم مفرزة الأمن السوري بأخذ بيانات الهويات الشخصية، وبعدها يمنح صاحب المنزل ورقة بمثابة موافقة، يتم من خلالها السماح بالدخول والخروج بشكل يومي للتنظيف”.

لكن الناشط الإعلامي والحقوقي الفلسطيني من مخيم اليرموك، عمار القدسي، شكّك بقرار السماح لسكّان المخيم بالعودة إليه. وأوضح القدسي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “منذ عام 2018، ونحن نسمع بهذه الوعود، ولكنها لم تكن صحيحة. ما دمنا لم نشاهد الأهالي وقد عادوا إلى المخيم، فلا صحّة لهذا القرار”. ولفت الناشط الفلسطيني إلى أن نسبة الدمار في المخيم “تصل إلى 80 في المائة ما بين دمار كامل أو جزئي في المنازل والشوارع”، مضيفاً أنه “لو كان للنظام نيّة بإعادة الناس إلى المخيم، لكان أزال الأنقاض من الشوارع بالدرجة الأولى، ووفّر خدمات من مستشفيات ومدارس، لذا أشكك بالقرار برمته”.

ومتفقاً إلى حدّ بعيد مع القدسي، رأى الكاتب الفلسطيني نبيل السهلي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن قرار النظام بالسماح لسكّان مخيم اليرموك بالعودة “ليس حقيقياً”، مضيفاً: “لن تكون العودة شاملة، بل لها مقاييس أمنية محددة، ولأعداد قليلة فقط”. وأضاف: “حتى اللحظة، لم تتم عملية إعادة تأهيل للبنى التحتية من مياه وكهرباء وطرق، ناهيك عن عملية التدمير المبرمجة التي طاولت أكثر من 50 في المائة من منازل ومحال المخيم”. واعتبر السهلي أن التصريحات حول عودة أهل مخيم اليرموك “تؤكد أن المخطط التنظيمي الذي صدر العام الماضي للمخيم، هو قرار سياسي من أعلى الهرم، وليس مجرد مخطط من قبل محافظة دمشق”. ووصف السهلي حال من بقي من الفلسطينيين في سورية بـ”البائس، حالهم حال السوريين على حدّ سواء”، مشيراً إلى أن “81 في المائة من فلسطينيي سورية باتوا تحت خط الفقر”.

وكان مخيم اليرموك، والذي يُوصف بأنه “عاصمة الشتات الفلسطيني”، قد تحوّل إلى ميدان صراع كبير على مدى سنوات الثورة السورية، إذ انتقلت السيطرة عليه من طرف إلى آخر، حتى آلت إلى مجموعات مرتبطة بـ”داعش” في عام 2015، سيطرت على أغلب أحياء المخيم. واتخذ النظام وجود “داعش” ذريعة لحصار عشرات آلاف المدنيين، على مدى سنوات، مع بقية الأحياء في جنوبي العاصمة دمشق. وفي مطلع 2018، بدأت قوات النظام ومليشيات تابعة لها، حملة واسعة النطاق لاستعادة المخيم من قبضة “داعش”، ما أدى إلى تدمير أغلب منازل مخيم اليرموك، عبر قصف مدفعي وصاروخي وجوي توقف في مايو/أيار 2018، حين أبرم النظام اتفاقاً (مع “داعش”) لم يُعلن بشكل رسمي، نُقل بموجبه عناصر التنظيم من جنوبي دمشق إلى البادية السورية. ومنذ ذلك الحين، تعرض المخيم لحملات “تعفيش” واسعة النطاق من قبل قوات النظام ومجموعات تمتهن نهب البيوت، بتنسيق مع ضباط في هذه القوات التي لا تسمح عادة بعودة سكّان أي منطقة إليها إلا بعد انتهاء عملية التعفيش.

81 في المائة من فلسطينيي سورية باتوا تحت خط الفقر

وتريّثت محافظة دمشق في تنفيذ مخطط تنظيمي أعدّته لمخيم اليرموك بسبب اعتراضات على هذا المخطط الذي قسّم مساحة المخيم، البالغة 220 هكتاراً، إلى ثلاث مناطق: الأولى (رقم 1) صنّفت على أنّها عالية الأضرار وتبلغ مساحتها 93 هكتاراً، والثانية (رقم 2) صنّفت متوسطة الأضرار ومساحتها 48 هكتاراً، أمّا الثالثة (رقم 3) خفيفة الأضرار ومساحتها 79 هكتاراً. وجُوبه المخطط بموجة رفض كبيرة من قبل الفلسطينيين في سورية، لأنه ينسف فرص عودة سكان المخيم اليه، ويفتح الباب أمام الاستيلاء على بيوتهم وأملاكهم فيه.

ووفق إحصائيات غير رسمية، كان يقطن في مخيم اليرموك في عام 2011 أكثر من 150 ألف شخص ما بين فلسطينيين وسوريين، نزح أو هاجر جلّهم على مدى سنوات الأزمة السورية. وانتشر اللاجئون الفلسطينيون إلى سورية في عام 1948 على أكثر من 10 مخيمات، هي في دمشق وريفها، وفي درعا جنوبي سورية، وفي حمص وحماة وسط البلاد، وفي حلب كبرى مدن الشمال، إضافة إلى مخيم في مدينة اللاذقية.

وفي هذا الصدد، بيّن القدسي أن عدد الفلسطينيين في سورية كان في 2011 نحو 600 ألف شخص، لافتاً إلى أن أكثر من 250 ألف منهم هاجر إلى دول الجوار أو إلى بلدان أوروبية على مدى سنوات الثورة. وأضاف أن غالبية سكان مخيم اليرموك غادروا سورية أو انتقلوا إلى مخيمات فلسطينية في الداخل السوري، مثل مخيم العائدين في حمص، أو الرمل في اللاذقية.
ووفق “مركز توثيق اللاجئين الفلسطينيين”، هناك حوالي 1500 عائلة فلسطينية في الشمال السوري، مُهجّرة من مخيم اليرموك في دمشق ومخيم درعا ومخيم حندرات في حلب وخان الشيح والغوطة الشرقية وغيرها. وتتجمع العائلات الفلسطينية المُهجّرة في إدلب والباب والمعرة وأعزاز وعفرين وأريحا وبنش وجسر الشغور. ووثقت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية”، مقتل 4048 فلسطينياً في سورية، واعتقال 1797، و333 مفقوداً، منذ بدء الثورة السورية حتى اليوم.

 

العربي الجديد