يسود الترقب في أحياء درعا البلد بمدينة درعا في جنوب سورية، بعدما قدم الجانب الروسي خريطة حل لوفد الأهالي المفاوض والمنبثق من “اللجنة المركزية” في عموم محافظة درعا، لوضع حد للأزمة التي افتعلها النظام السوري، بعدما فرض حصاراً على الأهالي، في إطار مساعيه لوضع يده بالقوة على كامل محافظة درعا. وتشير معطيات من درعا البلد، إلى أنّ هذه الخريطة لم تجد قبولاً من الأهالي، بسبب تضمنها بنداً حول تسليم السلاح الموجود لدى المدافعين عن السكان في هذه الأحياء، إضافة إلى تهجير من لا يقبل الخضوع لسلطة النظام.
تجمع أحرار حوران: الخريطة نسخة مشوّهة من اتفاقات 2018
وكشف المتحدث الرسمي باسم “لجنة المفاوضات في درعا”، المحامي عدنان المسالمة، بنود مشروع الاتفاق الذي تم التداول فيه أول من أمس الأحد، بين “اللجنة المركزية” في درعا والنظام السوري، برعاية روسية. ويتضمّن الاتفاق، الذي لم يقر رسمياً حتى أمس، تسليم السلاح الموجود في درعا البلد بكل أنواعه، وتسوية أوضاع من يرغب في البقاء، وتهجير الرافضين للاتفاق إلى الشمال السوري. وأوضح المسالمة، في منشور عبر حسابه بموقع “فيسبوك”، أنه “جرى الأحد تشكيل مركز التنسيق المكلف بتنظيم وإجراء مفاوضات ومحادثات لإيجاد حل في درعا البلد بالطرق السلمية، والإشراف على الأوضاع ومراقبة تنفيذ خريطة الطريق”، مؤكداً أنّ “اجتماع (الأحد) حضره كل من ممثلي روسيا والنظام السوري واللجنة المركزية في درعا”.
ولفت المسالمة إلى أنّ اللجة المركزية قدمت لائحة بأسماء جميع المعتقلين، وطالبت بإطلاق سراحهم، ووقف كل الخروقات التي تقوم بها القوات المحاصرة لدرعا البلد، والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار. ولكنه عاد ليؤكد أن “نشر اللجنة لبنود خريطة الحل، لا يعني الموافقة عليها، بل من واجبنا إطلاع الجميع على ما يردنا، وليس هناك ما نخفيه عن أهلنا”.
ومن الواضح أن بنود خريطة الحل تصبّ في صالح النظام السوري الذي يخوّله الاتفاق بسط سيطرته على أحياء درعا البلد، وتهجير كل المعارضين الذين يشكلون خطراً عليه، مع نشر حواجز لقواته وأجهزته الأمنية في هذه الأحياء. وفي السياق، نقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، عن مصادر وصفتها بـ”وثيقة الاطلاع”، تأكيدها “أن مضمون خريطة الحل الشامل في درعا، والتي سلّمتها اللجنة الأمنية (تابعة للنظام) لما تسمى اللجان المركزية، تتضمّن جمع كل السلاح الموجود لدى المسلحين، وترحيل الرافضين لها، وتسوية أوضاع الراغبين من المسلحين”. وأكدت أنّ الخريطة “تتضمّن تسليم السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل ودخول قوات النظام إلى كل المناطق، مع التفتيش على السلاح والذخيرة، وعودة مؤسسات النظام إلى كل المناطق”.
وتعيد خريطة الحل الروسي إلى الأذهان الاتفاقات التي جرت في غوطة دمشق الشرقية في عام 2018، إذ تضمنت البنود نفسها التي سرعان ما تجاوزها النظام السوري، وهو ما وضع عشرات آلاف المدنيين في مدن وبلدات الغوطة تحت وطأة قبضة أمنية ثقيلة، وهو ما يخشاه المدنيون اليوم في أحياء درعا البلد. وليس بيد اللجنة المركزية في محافظة درعا، أوراق قوة تمكنها من التوصل إلى اتفاق يرضي الأهالي، إذ من الواضح أنها تفتقد لأي مساندة إقليمية.
وفي هذا الإطار، قال المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي (المنحدر من محافظة درعا)، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “خريطة الحل الروسي لا تختلف في شيء عما طرحه الروس أنفسهم منذ البداية”. وأضاف: “كل بنود الخريطة استسلام وشروط غير مقبولة على الإطلاق، وتلبي مطالب النظام”، مشيراً إلى أنه على الرغم من ذلك، فإنّ “هذا النظام لن يلتزم بها، لأنه يريد قتل أبناء حوران (تسمية محلية لمحافظة درعا) أو التخلص منهم بشتى السبل؛ اغتيال أو اعتقال أو تهجير، فالنظام لا يريد أحداً من أبناء المحافظة التي أشعلت الثورة”. وكانت شرارة الثورة السورية بدأت من الجامع العمري في أحياء درعا البلد، في مارس/آذار من عام 2011، لذا تكتسب هذه الأحياء رمزية عالية لدى الشارع السوري المعارض. ومن الواضح أن النظام يريد نصراً إعلامياً من وراء سيطرته على هذه الأحياء، ورفع علمه على الجامع العمري، في رسالة مفادها بأنّ الثورة هُزمت وبأنه حقق انتصاراً على معارضيه في كل أنحاء سورية.
في هذه الأثناء، يواجه آلاف المدنيين أزمة إنسانية ومعيشية مع نفاد الغذاء والدواء بعدما تجاوز الحصار المفروض على هذه الأحياء من قبل قوات النظام الخمسين يوماً.
يخوّل الاتفاق النظام بسط سيطرته على أحياء درعا البلد، وتهجير كل المعارضين الذين يشكلون خطراً عليه، ونشر حواجز لقواته في هذه الأحياء
ووصف الناشط الإعلامي، أحمد المسالمة، في حديث مع “العربي الجديد”، الأوضاع في درعا البلد بـ”الكارثية”، مشيراً إلى أنّ “هناك رفضاً شعبياً لخريطة الحل الروسي لأنها لصالح النظام”. وأضاف أنه “وفق خريطة الحل الروسي، سيدخل النظام إلى أحياء درعا البلد بكل مؤسساته”. ولفت إلى أنّ الخريطة “لا تتضمن أي بند يشير إلى انسحاب قوات النظام من محيط أحياء درعا البلد، لذا من المتوقع أن تنتشر عناصر الفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني ومليشيات محلية مرتبطة بالنظام، داخل هذه الأحياء”.
وفي السياق ذاته، أوضح “تجمع أحرار حوران” المعارض، أنّ خريطة الحل الروسي “تعطي النظام الحق في الاعتقال والتهجير والتنكيل بأهالي المحافظة، كما فعل سابقاً وسيفعل لاحقاً”، مشيراً في بيان له أمس الإثنين، إلى أنّ هذه الخريطة “نسخة مشوّهة من اتفاقات 2018″، في إشارة إلى اتفاقات التسوية. واعتبر أنّ “مبادرة كهذه تولد ميتة في العادة، لكن الظروف التي يعاني منها أهالي درعا تجعلهم مرغمين على القبول بالحد الأدنى منها درءاً لما هو أعظم”. وأوضح أن هذه الخريطة “لم تتضمن أي مطالبات للنظام السوري بسحب مليشيات الغيث التابعة للفرقة الرابعة، ومن معها من مليشيات حزب الله اللبناني، وقوات أسود العراق، ولواء أبو الفضل العباس، ولواء الرسول الأعظم (كلها مليشيات تتبع الحرس الثوري الإيراني) الموجودة في محيط مدينة درعا التي لا تبعد عن الحدود الجنوبية لسورية أكثر من 10 كيلومترات”.
كما أوضح التجمّع أنّ “الاتفاقات التي أبرمت بين فصائل المعارضة السورية والنظام في درعا في منتصف عام 2018، نصت على إطلاق سراح المعتقلين من سجون النظام، وعودة الجيش إلى ثكناته العسكرية، ووقف كامل العمليات العسكرية في المنطقة، ولكن كانت النتائج اعتقال نحو 2400 من أبناء المحافظة، وعمليات اغتيال فاقت 750 عملية، كثير منها استهدف كل من يرفض الوجود الإيراني في المنطقة؛ سراً أو جهراً، ناهيك عن تسهيل خروج الآلاف من الشبان إلى الشمال المحرر وتركيا ولبنان وليبيا”. واعتبر التجمّع الذي يضم صحافيين وناشطين من محافظة درعا، خريطة الحل الروسي في حال إقرارها “المسمار الأخير في نعش المحافظة”، مشيراً إلى أنها “تنقل درعا إلى السيطرة الإيرانية بشكل كامل”.
العربي الجديد