أخر الأخبار مقالات رأي

التشبيح المالي علامة فارقة في حكم آل الأسد

عبد الناصر الجاسم

تسلم حافظ الأسد الحكم في سوريا على أثر الانقلاب الذي قام به منذ خمسة عقود، ولم يكن لديه مشروع دولة ولا برامج تنمية اقتصادية واجتماعية، وكل الذي كان يشغله هو بسط سلطته بالحديد والنار وإعادة توزيع الثروة من جديد وبآليات جديدة وخلق تراكم ثروة غير عادل من خلال استغلال كل موارد الدولة وبيئتها الاستثمارية، والتأسيس لديكتاتورية لها أدواتها الخاصة والموازية لهياكل الدولة.

ولعل من أبرز هذه الأدوات ظاهرة (التشبيح) والتي عرفها السوريون بوضوح أكثر من خلال المجموعات شبه المنظمة والتي تقوم بعمليات تهريب الممنوعات من سلاح ومخدرات وغيرها، وتجلت بشكل علني وعلى نطاق أوسع بعد قيام الثورة السورية على شكل مجموعات غير رسمية مسلحة تُدار من قبل الأجهزة الأمنية ومهمتها قمع المتظاهرين والاعتداء عليهم وعلى أملاكهم.

أما ما نريد تسليط الضوء عليه من خلال هذا المقال هي ظاهرة (التشبيح المالي) والتي بدأت بوادر نشوئها منذ بدايات مرحلة حكم حافظ الأسد وتجلت بوضوح أكثر في السنوات الأخيرة من حكم بشار الأسد الذي يترنح على بقايا كرسي السلطة.

استخدم حافظ أسد أسلوب “المشاركة في الجريمة” في شراء الولاءات والصمت عن نهب المال العام

ويمكن التعبير عن التشبيح المالي بأنه هو أحد أشكال الحصول على الأموال من القطاع العام أو قطاع الأعمال أو حتى الأفراد بواسطة امتلاك النفوذ والتحصين من المحاسبة والمسائلة، ويمارسه أصحاب سلطة غير رسمية والمصرح لهم بذلك من سلطة الحكم وأذرعها الأمنية، وتأتي هذه الظاهرة نتيجة البيئة المتعلقة بالاستبداد وأدواته من الفساد والإفساد.

لقد شكلت العلاقة المبكرة بين السلطة وطبقة رجال الأعمال والتجار وإغراقهم عبر أجهزتها الأمنية بعلاقات فساد وشراكات مشبوهة مناخاً مناسباً لولادة بذرة التشبيح المالي الناجمة عن تزاوج الأعمال والسلطة، وقد استخدم حافظ أسد أسلوب “المشاركة في الجريمة” في شراء الولاءات والصمت عن نهب المال العام، وبدأت تتشكل قوة التشبيح المالي من خلال العائلات الوظيفية التي تمثل أذرع منظومة الحكم الاستبدادية في الحياة الاقتصادية، وعلى رأسها كانت عائلة الأسد وعائلة مخلوف والتي أصبحت المستشار المالي لحافظ الأسد والشريك لوريثه بشار، وقد حققت هذه الأسرة برئاسة محمد مخلوف إمبراطورية مالية ضخمة وقُدرت القيمة الصافية لثروة الأسرة في عام 2010 بأكثر من 5 مليارات دولار. وكذلك عائلة شاليش، حيث يتركز نشاطها التشبيحي في قطاع الطرق والبناء والسيارات وغسيل الأموال وتهريبها وتجارة السلاح والكثير من الأنشطة غير المشروعة.

وحين ورث بشار الأسد الحكم عن أبيه لدولة فاشلة ضعيفة، بدا المشهد الاقتصادي في السنوات الثلاثة الأولى يوحي بالانتعاش، وربما هو توهم  الأمل بعد سنوات حافظ الأسد العجاف، ولكن هذا الأمل لم يدم كثيراً، حيث كانت الأحلاف الجديدة والتشابكات تتم هندستها من خلال تطوير وتطويع قرارات الاستثمار، وبروز ظاهرة (التشبيح المالي) بشكل شبه علني من خلال رامي مخلوف وفريقه من رجالات السلطة والأعمال، واحتكاره لقطاعات محددة وعلى رأسها الاتصالات، وبدأت هذه الشبكات والأحلاف تمارس دورها عبر الارتباط بمراكز السلطات الأمنية والتي باتت معروفة لدى عموم الناس، وأصبح الفساد والمحسوبية أسوأ مما كان عليه الوضع سابقاً.

وتوسعت الدوائر بدخول عناصر جديدة في محيط بشار الأسد، وأصبح التشبيح المالي ثقافة ومشروعاً تم تنظيمه عبر تصنيع رجال أعمال ومستثمرين جدد وهم امتداد للبيئة السابقة وهكذا أصبحت الثروة والمال العام عرضة للتشبيح عبر مسؤولين فاسدين وقرارات تدميرية، وكذلك المشروعات الخاصة لم تسلم من هذا الابتكار الأسدي، حيث بات “شبيحة المال” شركاء حتى في الماء والهواء.

كل ما تقدم على تكثيفه وتحديده كافٍ ليبرر أحد أهم دوافع ثورة الشعب السوري على العصابة المستبدة والتي بددت أموال السوريين وأحوالهم، وبعد أن أخذ بشار الأسد قراره بمواجهة الشعب تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”، كان لابد من حشد الموارد لهذه المواجهة عبر تفعيل ظاهرة “التشبيح المالي” على مستويين:

أولاً – على مستوى القطاع الحكومي من خلال الاعتداء على ميزانيات ومخصصات الوزارات والبنك المركزي، والمؤسسات العامة وتحويلها لصالح تأمين سلاح وتمويل ميليشيات مقاتلة إلى جانبه، كذلك التوجه نحو الاقتراض من الحلفاء بضمان أصول وممتلكات الدولة، ورهن موارد الأجيال القادمة ومصادر ثروة الدولة على شكل رشى سياسية لكل من الحليف الروسي والإيراني، بالإضافة للتلاعب بأسعار صرف العملة والتمويل بالعجز.

ثانياً – على مستوى قطاع الأعمال من خلال الاعتداء على الأملاك الخاصة ولاسيما أملاك المهجرين والمغيبين قسرياً، وكذلك من خلا تصفية بعض مراكز القوى وأصحاب الأعمال شركاء السلطة والاستيلاء على ما راكموه من ثروة، وذلك فضلاً عن فرض الإتاوات والخوة وحق الحماية لمنشآت الأعمال وملاحقة الحوالات المالية والمساعدات الواردة من خارج سوريا. بدأ بشار الأسد يمارس التشبيح المالي بشكل مباشر من خلال دور زوجته (أسماء) بالتزامن مع تراجع دور رامي مخلوف التشبيحي، ولم تسلم المساعدات العينية التي تصل للشعب السوري من التشبيح المالي حيث يتم مصادرتها وبيعها في السوق لصالح مؤسسات التنمية التي تشرف عليها أسماء الأسد وما يتم يوزيعه منها مجاناً لا يتجاوز 10٪.

حتى أموال الزكاة لم تسلم من توجيهات “الشبيحة حديثة العهد” فقد خرجت تدعو الناس بإخراج زكاة أموالهم لصناديق مؤسساتها، وذلك بعد أن أفرغت صناديق وجيوب شركائها.

عملية التشبيح والنهب المالي  تتم بشكل مخطط  ومرسوم، حيث تم التعامل مع موارد البلاد وكأنها مزرعة وملكية خاصة بهم

لو أعدنا  قراءة المشهد الاقتصادي السوري ومنحنى توزيع الاستثمارات وتراكم الثروات خلال سيرة حكم عائلة الأسد، لوجدنا أن عملية التشبيح والنهب المالي  تتم بشكل مخطط  ومرسوم، حيث تم التعامل مع موارد البلاد وكأنها مزرعة وملكية خاصة بهم، وفي الوقت الذي بلغت فيه خسارة الاقتصاد السوري نحو 1،2 ترليون دولار، وصلت ثروة بشار الأسد إلى 122 مليار دولار حسب مجلة فوربس، وثروة رامي مخلوف 27 مليار دولار، ورصيد باسل الأسد في البنوك الفرنسية والسويسرية نحو 13 مليار دولار، بينما الشعب السوري لا يجد لقمة العيش الكريمة، ويكابد الفقر والعوز ويعيش تحت وطأة كذبة المقاومة والممانعة وتقديس الحاكم المستبد.

تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

مقتل طالب لجوء سوري تحت التعذيب في السجون الليبية

Hasan Kurdi

شمال غربي سوريا.. قرار بإعدام المشافي

Hasan Kurdi

“تلفزيون سوريا” يمضي لعامه الرابع بمؤسسة محترفة ومحتوى متميز

Hasan Kurdi

بينها طائرتان أمريكيتان.. ثلاث طائرات استطلاع سقطت في إدلب

Hasan Kurdi

الجولة الرابعة من اللجنة الدستورية تبدأ أعمالها في جنيف

Hasan Kurdi

النظام يوقع اتفاقية عسكرية “شاملة” مع إيران

Hasan Kurdi