التقارب السعودي مع الأسد: فصل من التحولات في سياسة الرياض

سهّلت التطورات الإقليمية المتلاحقة تقارباً استخباراتياً بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري الغارق بأزماته، إذ أكدت مصادر إعلامية متقاطعة أن رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان التقى، منذ أيام، رئيس مكتب الأمن القومي المشرف على الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري علي مملوك، في العاصمة السورية دمشق، وهو ما يعدّ إضعافاً لجبهة الرفض العربي لهذا النظام. وأوردت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، أول من أمس الثلاثاء، أن وفداً سعودياً برئاسة الحميدان زار دمشق، الإثنين الماضي، حيث كان في استقباله مملوك، وذلك في أول اجتماع يعرف من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية، مطلع العام 2011. وقال مسؤول سعودي، فضل عدم الكشف عن هويته، وفق ما نقلت “ذا غارديان”: “لقد تم التخطيط لذلك اللقاء منذ فترة، لكن من دون أي تطور، ولكن تغيّرت الأحداث إقليمياً وكان ذلك بمثابة فرصة مواتية”.
وكانت مصادر إعلامية عربية قد سرّبت أن رئيس النظام بشار الأسد التقى الوفد السعودي، وأنه جرى التوصّل لتفاهم بإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، بعد عطلة عيد الفطر، كخطوة أولى لاستعادة العلاقات في المجالات كافة بين البلدين. كما أكدت هذه المصادر أن الجانب السعودي أبلغ الأسد بأن الرياض ترحّب بعودة سورية إلى الجامعة العربية، وحضور مؤتمر القمة العربية المقبل في الجزائر في حال انعقاده.

معلومات عن تفاهم لإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق

ولم يصدر حتى اللحظة تأكيد رسمي أو نفي من جانب النظام السوري أو الرياض للزيارة. بينما ذكر مصدر مطلع في العاصمة السورية دمشق، لـ”العربي الجديد”، أنّ النظام “تعمّد تسريب الأنباء عن هذا اللقاء”، الذي وصفه بـ”الأمني”، في محاولة واضحة للإيحاء للشارع الموالي بأنّ هناك تقارباً عربياً معه. ولفت المصدر إلى أنّ “علي مملوك كان قد زار السعودية في بداية العام الماضي، للبحث في قضايا أمنية بحتة، ولكن لم يحدث أي تقارب سياسي بين الجانبين عقب اللقاء”. وأشار المصدر إلى أن بشار الأسد “يحاول استعادة مقعد سورية في الجامعة العربية، ليحصل على اعتراف عربي بنتائج الانتخابات التي ستجري في 26 مايو/ أيار الحالي، والتي ستبقيه في السلطة حتى عام 2028″، مضيفاً أنّ “تسريب الأنباء عن هذه الزيارة يندرج ضمن هذا المسعى”.
من جانبه، لفت الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى وجود “تغيّر في لهجة السعودية وسياستها تجاه إيران أيضاً”. وأضاف: “العوامل التي تدفع المملكة لمثل هذا السلوك مرتبطة بخيبات أملها المتكررة من السياسة الأميركية، وتوجه الولايات المتحدة نحو تخفيف الأعباء عنها في الشرق الأوسط لمواجهة الصين”. ورأى سالم أن ذلك “يدفع السعودية لمحاولة التماهي مع الجهود الروسية في ما يتعلّق باعتماد النظام السوري في المنظومة الأمنية الإقليمية، للحدّ من النفوذ الإيراني في سورية”.

وجاءت زيارة الوفد السعودي إلى دمشق بعد أيام من تصريحات تلفزيونية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أشار فيها إلى أن بلاده “ترغب في إقامة علاقات طيبة ومميزة مع إيران”. كما تأتي الزيارة بعد تواتر أنباء عن لقاءات جرت بين مسؤولين أمنيين سعوديين وإيرانيين في بغداد بوساطة من رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، لتحسين العلاقات بين الرياض وطهران، وردم هوّة الخلاف بينهما حول العديد من الملفات.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “إذا صحت الأنباء عن زيارة الوفد السعودي إلى دمشق، فإن ذلك محبط”، مضيفاً: “إذا كان هدف الرياض إخراج إيران من سورية، فالنظام السوري لعبة بيد طهران، وتطبيع العلاقة مع هذا النظام يعكس فشل هذه السياسة، ويضعف الجبهة العربية ضد الأسد”. وتابع: “من المهم أن يصدر موقف أميركي صريح يوقف هذه التوجهات ويزيد الضغوط على الأسد، فالتطبيع مع النظام يجب أن تتخلله تنازلات وضمان تحقيق انتقال سياسي في سورية”.

سالم: العوامل التي تدفع المملكة لمثل هذا السلوك مرتبطة بخيبات أملها المتكررة من السياسة الأميركية

ومرت العلاقة بين النظام السوري والسعودية بالعديد من المنعرجات منذ بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، عندما حاولت الرياض دفع النظام إلى الانفتاح على مطالب السوريين بإحداث تغيير سياسي عميق في بلادهم. وكان رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق رياض حجاب قد ذكر، في مقابلة مع قناة “الجزيرة”، في مارس/ آذار الماضي، أنّ العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، اتصل ببشار الأسد في بداية الثورة طالباً منه إحداث إصلاحات في البلاد، مشيراً إلى أنّ الأسد طلب 200 مليون دولار من الملك الراحل “ذهبت إلى حساب رئيس النظام الخاص، ولم تذهب إلى ميزانية الدولة”.
وكانت بداية القطيعة بين الرياض والنظام السوري في مارس عام 2012، عندما أغلقت المملكة سفارتها في دمشق بسبب تعنّت النظام ورفضه التجاوب مع الجهود العربية لحل الأزمة. ونشطت السعودية بعد ذلك في دعم المعارضة السورية من خلال “الائتلاف الوطني السوري” الذي كان قد تشكل في عام 2012.
ولكن الاهتمام السعودي بالملف السوري تراجع عقب وفاة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، منتصف عام 2015، إلى أن دفعت الرياض هيئات ومجالس وتيارات المعارضة السورية إلى عقد اجتماع في المملكة عُرف بـ”الرياض 1″، انبثقت عنه “الهيئة العليا للمفاوضات” التي تشرف على التفاوض مع النظام. وفي نهاية عام 2017، دعت وزارة الخارجية السعودية لاجتماع “الرياض 2″، الذي استبعد ألمع شخصيات المعارضة، وأبرزها رياض حجاب، الذي كان قد ترأس “الهيئة العليا للمفاوضات” في دورتها الأولى. ومارست الرياض ضغوطاً على المعارضة السورية لضم منصتي “موسكو” و”القاهرة” إلى هيئة التفاوض، وهو ما كان مقدمة لضغوط أكبر دفعت المعارضة السورية إلى الموافقة على البدء في التفاوض حول سلّة الدستور وتأجيل التفاوض حول الانتقال السياسي. وفي خطوة نُظر إليها باعتبارها محاولة سعودية للهيمنة على المعارضة السورية، التأم اجتماع، أواخر عام 2019، لمجموعة من المعارضين السوريين المستقلين انتخبوا ثمانية منهم لتمثيل المستقلين في هيئة التفاوض، وهو ما اعتبرته الأخيرة غير قانوني. وفي مطلع العام الحالي، تفاقمت الخلافات داخل “هيئة التفاوض”، وهو ما دفع الجانب السعودي إلى “تعليق عمل موظفي الهيئة”، التي تتخذ من الرياض مقراً لها منذ تأسيسها عام 2015.

 

العربي الجديد