أخر الأخبار

هل تذهب سوريا إلى السيناريو الأسوأ؟

تشير دلائل كثيرة متعلقة بالشأن السوري، إلى أن الملف السوري يتجه إلى استنقاع طويل للحالة التي نعيشها الآن، وأن التوجه لحل حقيقي للكارثة السورية التي تقترب من نهاية عامها العاشر، غير مطروح على طاولة البحث، فثمة ما هو أكثر أهمية لدى الأطراف الفاعلة فيه.

لعل أهم هذه المؤشرات يمكن استشفافه من تصريحات الإدارة الأميركية الجديدة، ومن الطاقم الجديد الذي يتم اختياره لإدارة ملفات المنطقة، ورغم أن الخطوط العريضة للسياسة التي سوف ينتهجها الرئيس الجديد “بايدن” لم تتضح بعد، إلا أنه يمكن القول إن ملفات سوريا، والعراق، ولبنان لن تكون حاضرة، إلا مع تناول الملف النووي الإيراني، وبالتالي فإن الانتظار سيكون سيد الموقف، أقله خلال العام المقبل.

ما يحاول النظام فعله في الفترة المقبلة، هو تحشيد قوة ضغط تساعده في وقف العمل بقانون قيصر، وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها

حدد “بايدن” ثلاث أولويات لسياسته المقبلة، هي:

  1. الداخل الأميركي، وأهمها التصدي لوباء كورونا، وقضايا الاقتصاد.
  2. مواجهة روسيا.
  3. العلاقة مع الصين.

وعليه فإن الملف السوري سيكون ضمن الملفات الباردة على طاولة البيت الأبيض، خصوصا أن المعادلة التي تحكم سوريا اليوم ليست ضاغطة على أميركا التي تعرف جيدا أن مصالحها محفوظة كيفما سارت الأمور، فكل الأطراف تريد موافقتها، وتوافق على حصتها.

ما يحاول النظام فعله في الفترة المقبلة، هو تحشيد قوة ضغط تساعده في وقف العمل بقانون قيصر، وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، لكن أغلب الظن أن محاولته وقف العمل بقانون قيصر عبر تحركات ووساطات ديبلوماسية، أو إرسال الرسائل عبر رجال دين مسيحيين أو غيرهم، أو بالتباكي على الأوضاع الإنسانية السيئة جدا للسوريين في الداخل، لن تسفر عن أي نتيجة، فهذا القانون يُحكِمُ سيطرة أميركا على سوريا، ويمنع الأطراف الفاعلة فيها من تكريس أمر واقع، يصعب لاحقا على الأميركيين مواجهته، وبالتالي فإن قانون قيصر سيبقى جاثما فوق صدر النظام السوري.

لعل المهمة الوحيدة التي سيتمكن بشار الأسد من فعلها، هي إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها، وتصويرها للعالم أنها انتخابات شرعية ونزيهة، معتقداً أنها ستتيح له ضمانة سبع سنوات مقبلة، وبالتالي تعطيه متسعا من الوقت يمكّنه من وضع خطة لإعادة الاعتراف به وبنظامه، عبر إجراءات شكلية، كإجراء تعديلات دستورية، واجراء انتخابات برلمانية على أسس جديدة.

لا تبعث التصريحات التي أطلقها “بايدن” اتجاه روسيا على الاطمئنان بحصول توافق أميركي – روسي في الشأن السوري، ثمة ملفات كثيرة معقدة وشائكة في العلاقات بينهما، والمستنقع السوري الذي تورطت فيه روسيا، لن تخفف أميركا من الثمن الذي تدفعه روسيا فيه، قبل التوصل لمعالم واضحة في العلاقة بينهما، لكن تبقى إسرائيل التي تتواطأ مع روسيا، وتغمض عينيها عن قصفها الدائم للداخل السوري، ورقة الضغط الروسية على الإدارة الأميركية، للإسراع بإنجاز توافق بينهما.

سوف يستغل الإيرانيون حالة الانتظار الأميركية، لتحسين وتقوية وجودهم في تفاصيل المشهد السوري، فالورقة السورية في اليد الإيرانية ضرورية عند بدء التفاوض حول الملف النووي، لكن هذا يعني استمرار مراقبة ورصد الإسرائيليين لتحركات إيران العسكرية داخل سوريا، والتعامل معها عسكريا.

أما المناطق التي تسيطر عليها أميركا وتركيا، فالأرجح أن تبقى على حالها بانتظار استعادة الملف السوري لحضوره على طاولة البحث، ورغم أن النظام سيسعى لتغيير خارطة السيطرة في كل من إدلب والجزيرة، إلا أن حظوظه في إحراز تغيير ذي أهمية في كلا المنطقتين، تبدو ضعيفة للغاية.

تبقى المنطقة الجنوبية، التي سيؤجل النظام المواجهة فيها لما بعد الانتخابات الرئاسية، فهو لن يفتح معركة واسعة في درعا الآن، ولن يفرض بطشه العاري على السويداء أيضاً، لكن كلا المعركتين مقبلة بعد انتهاء الانتخابات، ومن هلّلوا لاسترضاء بشار الأسد لأهالي السويداء ومشايخها، سيرون كيف سيتصرف بعد انتهاء انتخاباته.

بإيجاز يمكن القول: إن الأشهر، أو السنة المقبلة ستكون مزيداً من القصف الإسرائيلي للداخل السوري، ومزيداً من الانهيار الاقتصادي، وزيادة معاناة ومأساة السوريين، واستمرار المواجهة المخفية بين الروس والإيرانيين على امتلاك القرار السوري، وزيادة النفوذ داخل الدولة والمجتمع في سوريا.

كل هذا السيناريو الظالم للسوريين، والذي لا يهتم لمأساتهم، ولا لجوعهم وتردي كل شروط حياتهم، سيبقى، وسيتفاقم، مالم يحاول السوريون أنفسهم كسر المعادلة، وبالتالي إجبار الآخرين على إنجاز اتفاق يتيح انتهاء هذه المأساة، لكن السؤال المهم هنا هل يستطيع السوريون كسر المعادلة؟

بشار الأسد ومن معه غير قادرين على إخراج سوريا من كارثتها المتفاقمة، وإن كلَّ همهم هو البقاء في موقع السلطة لحماية أنفسهم، مهما يكن ثمن هذا البقاء

إن مقاطعة الانتخابات التي يجريها بشار الأسد، عامل بالغ الأهمية، وإن وقف (من يسمون بالمعارضة) التفاوض معه أيضاً بالغ الأهمية، أما التعلل بأن نتيجة الانتخابات محسومة، وبالتالي فإن المقاطعة لن تقدم أو تؤخر، فهو أمر خاطئ، فالعالم سيراقب هذه الانتخابات، وسوريا بلد مخترق ومكشوف. ووقف التفاوض معه هو مطلب ملايين السوريين وهو مهم جدا في منع بشار الأسد من تسويق نفسه كطرف لا يمكن إخراجه من المشهد السوري.

من المهم جدا للسوريين أن يعترفوا بالحقيقة التي يعرفونها جيدا وهي أن بشار الأسد ومن معه غير قادرين على إخراج سوريا من كارثتها المتفاقمة، وأن كلَّ همهم هو البقاء في موقع السلطة لحماية أنفسهم، مهما يكن ثمن هذا البقاء، ومهما دفع السوريون من دمهم وأملاكهم، ومهما تدنت شروط حياتهم.

إن بقاء السوريين في حالة الانتظار، سيدفع بسوريا إلى حالة قد تكون الأقسى على السوريين، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية بالغة السوء، وفي ظل تفشي الأوبئة، وانهيار كامل البنية التحتية بعد سنوات الحرب، وهي الهشة أصلاً، وفي ظل انعدام القانون، وتفشي الجريمة ونمو العصابات وزيادة نفوذها.

هل يزيد استنقاع الحالة السورية من احتمالات ذهاب سوريا إلى السيناريو الأسوأ، سيناريو الدولة الفاشلة كليا، والذاهبة بحكم الأمر الواقع إلى تقسيم تحدده مناطق النفوذ حاليا، ثم تحول مناطق النفوذ هذه إلى تقسيم حقيقي؟

إنه السيناريو الأسوأ.. السيناريو الذي قد يذهب بما تبقى من حلم السوريين في وطنهم الموحد.

تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

“المنطقة الآمنة” شرقي سورية: ريف تل أبيض مرحلة أولى؟

Hasan Kurdi

الإغاثة التركية توزع وجبات الإفطار على مخيمات النازحين شمال حلب أول أيام رمضان

Hasan Kurdi

في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري.. نحو 100 ألف مختفٍ في سوريا

Hasan Kurdi

عشرات العائلات السورية تغادر بلدة “بشري” اللبنانية خوفاً من اعمال انتقامية

Hasan Kurdi

نظام الأسد يدعو لمساءلة “الدول الداعمة للإرهاب” على أراضيه

Hasan Kurdi

وزير الخارجية التركي: اللجنة الدستورية السورية ستدخل بالمضامين في الجولة الخامسة

Hasan Kurdi