تدور حرب خفية بين شخصيات ومراكز أبحاث تدعم رواية النظام السوري، لرفع العقوبات عنه مع وصول إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدين، إلى البيت الأبيض، في مواجهة تحرك مضاد من ناشطين ومعارضين سوريين.
أرسلت شخصيات سياسية ورجال دين مسيحيون رسائل إلى واشنطن وحكومات أوروبية، في 21 من كانون الثاني الحالي، تستجدي فيها رفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، بحجة ضغط العقوبات على الشعب السوري، وحرمانه من المساعدات الإنسانية التي لا تندرج ضمن قائمة العقوبات المفروضة على النظام.
وأشارت الرسائل التي كان فواز الأخرس، والد أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام السوري، على رأس الموقعين عليها، إلى تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، من أن ملايين السوريين يعانون ضغوطًا شديدة ناجمة عن الضرر الكبير الذي تعرض له نظام الرعاية الصحية خلال سنوات الأزمة، مجددة التأكيد أن الإجراءات القسرية المفروضة من الولايات المتحدة تفاقم معاناة الشعب السوري.
وقوبلت الرسائل المرسلة من داعمي النظام من السياسيين ورجال الدين، بحركات مناهضة لرفع العقوبات عن النظام أو تخفيفها.
ووقّع عدد من الشخصيات العربية والسورية على رسالة ستقدم للرئيس الأمريكي، جو بايدن، تدين انتهاكات النظام السوري وجرائمه ضد الإنسانية التي ارتكبت في سوريا، وتطرح بعض النقاط التي قد تخفف فعلًا من معاناة الشعب السوري من حيث إيصال المساعدات الإنسانية للشعب السوري، والمساعدة في الاستجابة العالمية لمكافحة تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) وإيصال اللقاح للسوريين.
فحوى التحرك المضاد
كشف رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أيمن عبد النور، في حديث إلى عنب بلدي، عن مضمون المسودة المناهضة لرسالة رفع العقوبات، والموقعة لتقدم إلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والتي شرحت طبيعة الحصار الاقتصادي الذي مارسه النظام السوري ضد شعبه، والذي تجلى باحتكار حصول الشعب السوري على المواد الغذائية الأساسية عبر “البطاقة الذكية”، بينما تنتشر السلع والماركات الباهظة الأسعار بين الموالين له، مع الاتجار بالمساعدات الغذائية التي ترسل للشعب والتي أصبحت مصدرًا لتجار الحرب.
واعتبرت الرسالة المناهضة موقف رجال الدين المسيحيين الذين حاولوا استجداء الحكومات الغربية، موقفًا تضليليًا لا يصب في مصلحة الشعب السوري، لأن العقوبات لا تشمل الغذاء والأدوية.
وبحسب أيمن عبد النور، وهو من بين الموقعين على الرسالة المناهضة، لوحظ في رسالة تخفيف العقوبات غياب تواقيع رجال الدين ممن هم خارج ضغوط النظام السوري، رغم أنهم يمثلون أكبر الطوائف، بينما وردت أسماء بعض الموقعين دون موافقتهم على نص الرسالة، ما يوحي بأن العديد من التواقيع الواردة ضمن الرسالة جرت تحت الضغط.
واقترحت الرسالة المناهضة عددًا من الأمور التي قد تضغط على النظام السوري فيما يخص المساعدات الإنسانية، كالمطالبة بإيصال لقاح فيروس “كورونا” عبر المنظمات الدولية إلى السجناء والمعتقلين في جميع الأراضي السورية لتشمل كبار السن ومصابي الحرب، والإشراف على ملف اللقاح في سوريا من قبل الأمم المتحدة، بعد فشل النظام بالسيطرة على أزمة الجائحة مقارنة بمناطق شمال شرقي وغربي سوريا.
كما طالبت بالسماح للمنظمات الدولية في الدخول إلى سوريا لتأمين وصول المساعدات، كي لا تتبدد عبر المنظمتين الحصريتين “الهلال الأحمر السوري” و”الأمانة السورية للتنمية” المدارة من قبل أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري.
لماذا فواز الأخرس؟
يعيش فواز الأخرس في بريطانيا، ويدير مجموعة من مراكز الأبحاث، وكان أحد المستهدفين بالعقوبات الأمريكية، التي أدرجت اسمه مع ابنته أسماء وعدد من أفراد العائلة، وهم سحر عطري الأخرس وفراس وإياد الأخرس على قائمة العقوبات، في 22 من كانون الأول 2020.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيان لها حينها، إن “أسماء الأسد عرقلت الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي لإنهاء النزاع السوري، وقادت الجهود لمصلحة النظام لترسيخ سلطته الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك استخدام ما يسمى بالمنظمات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني”.
وأوضحت وزارة الخارجية أن هؤلاء الأشخاص “تراكمت ثرواتهم غير المشروعة على حساب الشعب السوري، من خلال سيطرتهم على شبكة مكثفة وغير مشروعة مع ارتباطات بأوروبا والخليج وأماكن أخرى، في حين استمرت معاناة الشعب السوري بتلك الأثناء في الانتظار بطوابير طويلة للحصول على الخبز وكذلك الوقود والدواء”.
الأخرس لم يتحرك منفردًا
ودعا حليفا النظام السوري، روسيا والصين، إلى رفع العقوبات الغربية عنه، ودفع العملية السياسية، وتحسين الوضع الأمني والإنساني في سوريا.
وقال مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جيون، خلال اجتماع مجلس الأمن، في 22 من كانون الثاني الحالي، إنه يتعيّن رفع الإجراءات القسرية الأحادية الجانب ضد سوريا في وقت مبكر، لأن الصعوبات الاقتصادية والإنسانية في سوريا تعود إلى حد كبير للحصار الاقتصادي وغيره من العقوبات الاقتصادية.
ودعا إلى القيام بجهود لتعزيز العملية السياسية بقيادة وملكية سورية، مشيرًا إلى أن العقوبات تقوض “بشدة” القاعدة الاقتصادية السورية، وتعوق وصول السوريين إلى الإمدادات والخدمات الطبية.
كما طلبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في 21 من كانون الثاني الحالي، من الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري.
وقالت زاخاروفا، “لقد حان الوقت أخيرًا لرفع القيود الأحادية غير المشروعة عن دمشق التي فرضها الاتحاد الأوروبي، لمصلحة الشعب السوري، الذي يهتم به الغرب كثيرًا، وأيضًا بشكل عام باسم ضمان الاستقرار والأمن الإقليميين”.
وأضافت أن العقوبات الغربية على النظام أدت، إلى جانب تفشي جائحة فيروس “كورونا”، إلى تفاقم حاد في الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في سوريا عام 2020، مشيرة إلى أن الشعب السوري هو أول من يعاني من هذه القيو
تتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، إذ يعيش تحت خط الفقر في سوريا 90% من السوريين، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.وحذرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إليزابيث بايرز، من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، بسبب تفشي فيروس “كورونا”. |
تحركات أمريكية لإعادة النظر في العقوبات
أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 22 من كانون الثاني الحالي، أن كلًا من وزراء الخارجية والخزانة والتجارة الأمريكية، سيتشاورون مع وزير الصحة والخدمات الإنسانية ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لمراجعة العقوبات الأمريكية، وتقييم ما إذا كانت تعرقل الاستجابة لجائحة “كورونا”.
وأضافت الصحيفة أن المشاورة جاءت بناء على بند في توجيه للأمن القومي، أصدره بايدن، في 21 من كانون الثاني الحالي، وبعد ذلك، سيقدم الأمناء توصيات إلى الرئيس الأمريكي، من خلال مستشار الأمن القومي ومنسق الاستجابة للجائحة، بشأن أي تغييرات بخصوص العقوبات.
ولم تحدد الدول التي سيشملها تخفيف العقوبات، وما إذا كانت سوريا من بينها أم لا.
كما دعت خبيرة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ألينا دوهان الولايات المتحدة، في 29 من كانون الأول 2020، إلى رفع العقوبات الأحادية الجانب عن سوريا، وقالت إن “العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر لحماية المدنيين في سوريا” ستفاقم الوضع الإنساني السيئ، لا سيما خلال جائحة فيروس “كورونا”، إذ سيتعرّض المدنيون لخطر أكبر من انتهاكات حقوقهم.
هل تلقى هذه الدعوات صدى؟
مدير المركز “السوري- الأمريكي”، زكي اللبابيدي، قال، في حديث إلى عنب بلدي، إنه ليس هناك أي توجه نحو تخفيف العقوبات عن نظام بشار الأسد، والإشاعات المتداولة عن استجابة الحكومة الأمريكية ليست صحيحة.
وأضاف اللبابيدي أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، يؤمن بتحقيق الديمقراطية في سوريا، والدليل أنه قال في أكثر من مناسبة، إن “هناك أخطاء جسيمة حصلت في السياسة الأمريكية بسوريا في السابق، وكان ضد إلغاء الهجمة العسكرية على نظام الأسد عام 2014”.
ويرى اللبابيدي أن الرسالة التي أُرسلت إلى الحكومة الأمريكية والتي تهدف إلى تخفيف العقوبات، لن يكون لها أي تأثير سلبًا أو إيجابًا، كغيرها من محاولات القوى الداعمة للنظام، وخاصة أن عقوبات قانون “قيصر” لا تشمل الجانب الإنساني المتعلق بسماح دخول الأدوية والأغذية والمساعدات الإغاثية للشعب السوري.
وأكد اللبابيدي أن العقوبات المفروضة هي على مسؤولي النظام ومن يساعد بشار الأسد في حربه ضد الشعب السوري، كالمصارف السورية واللبنانية، وغيرها من الكيانات والشخصيات التي تعاملت مع النظام والمقربة منه.
ويرى مدير العلاقات الحكومية والاستراتيجية في المجلس السوري- الأمريكي، محمد غانم، أن النظام استشعر وجود فرصة سانحة لرفع العقوبات عنه، مع فوز بايدن في الانتخابات، وخاصة مع بوادر قيام الحكومة الأمريكية بعقد صلح جديد مع إيران.
ولأن الأسد جعل من نفسه أحد توابع إيران، بحسب ما قاله غانم لعنب بلدي، رتّب لإطلاق الحملة مع أول يوم دخل فيه بايدن إلى البيت الأبيض (في20 من كانون الثاني الحالي)، والتي تجلت برسائل قُدمت إلى الحكومة الأمريكية وغيرها من الدول الأوروبية.
واعتبر غانم أن الرسائل المقدمة لتخفيف العقوبات واستقطاب الدعم، هي استئناف للحملة التي أطلقها النظام عقب سيطرته على حلب في محاولة لاستجلاب أموال إعادة الأعمار، وعودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وكأن أيًا من الجرائم التي ارتكبها لم تقع.
خطوة موازية في اليمن
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية أعفت، في 25 من كانون الثاني الحالي، بعض المعاملات المتعلقة بجماعة “الحوثيين” في اليمن، حتى تاريخ 26 من شباط المقبل، من العقوبات الناتجة عن تصنيف وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، الجماعة “منظمة إرهابية أجنبية”، في 10 من كانون الثاني الحالي.
وجاء قرار الإعفاء من ارتباك وكالات الإغاثة وتحذيرات الأمم المتحدة، لما قد تسببه العقوبات من تأثير مدمر على اليمن، الدولة التي مزقتها الصراعات وتواجه خطر المجاعة، كما هي الحال في سوريا.
وكانت إدارة ترامب أعفت منظمات الإغاثة والأمم المتحدة و”الصليب الأحمر” وتصدير السلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية من العقوبات المترتبة على تصنيف الجماعة، لكن مسؤولي الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة قالوا، إن الاقتطاعات غير كافية، ودعوا إلى إلغاء القرار، بحسب “رويترز”.
وتتعارض هذه الخطوة مع تقرير لمراقبي الأمم المتحدة، اتهم الحكومة اليمنية بغسيل الأموال والفساد، الأمر الذي يؤثر سلبًا على وصول المساعدات الغذائية الكافية إلى اليمن.
وجاء في التقرير الصادر في 26 من كانون الثاني الحالي، أن جماعة “الحوثي” جمعت ما لا يقل عن مليار وثمانية ملايين دولار من عائدات الدولة في عام 2019، لتمويل مخزونها الحربي، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز“.
عنب بلدي